التاريخ: تشرين الثاني ٢٦, ٢٠١٠
 
عـن مـصـر الـتـي سـتـنـتـخـب ... ومـصـر التـي لا تـكـتـرث

اميرة هويدي - القاهرة
عشية الانتخابات البرلمانية المصرية التى ستجرى الاحد المقبل، تبدو الامور وكأن هناك مِصريَن: مصر التي ستنتخب برلماناً بعد يومين، تُزيَّن شوارعها وميادينها وحتى سماءها بمئات الالاف من اللافتات القماشية والبلاستيكية لأكثر من 5700 مرشح، يطلّون بوجوههم المصورة على المارة، آملين في أصواتهم. ومصر هؤلاء المارة، غير المعنية بالانتخابات التي تتم بعيداً عنها بين اشخاص لا يمثلوها، ولا تعرفهم.


في القاهرة، يثير الازدحام المروري غير العادي منذ مطلع الاسبوع السؤال الملحّ: هل من شيء يحدث؟ ولا من مجيب. فقطعاً ليست الانتخابات هي السبب. ورغم شغف الإعلام الدولي بها، لا توجد بوادر اهتمام كثيرة لدى المصريين تجاهها. وطبقاً للارقام الرسمية، بلغت نسبة التصويت حوالى 23 في المئة فقط بين الناخبين في انتخابات العام 2005، بينما لم تتجاوز 17 في المئة في التقديرات المستقلة، وهي في كلتا الحالتين منخفضة جداً.


قد يكون عبد الحي، الرجل الاربعيني الذي يعمل في ورشة تصليح سيارات في حي بولاق الشعبي في القاهرة نموذجاً جيداً لهذه الغالبية الصامتة. لم يفكر «يوما» في اصدار بطاقة انتخابية. قال لـ«السفير»: «كيف يدعي هؤلاء انهم يريدون تمثيل الشعب في مجلس الشعب؟» مشيراً الى يافطات مرشحي الحزب الحاكم في دائرته بدر القاضي وايران النيفاوي. «قل مجلس المال او البيزنس، او اي شيء اخر غير الشعب».


ويبدو ان المزاج العام غير المكترث يكتنفه ايضا كثير من السخط. وتقول رهام، 33 عاماً، ربة منزل في حى مصر الجديدة لـ«السفير» إنها «تتمنى» الغاء الانتخابات «من الاصل لان الموضوع كله تمثيلية سخيفة تزداد قرفاً كل مرة». وليتهم «يقومون بتزويرها رسمياً وبذلك يوفرون الملايين التي تضخ يومياً من اجل دعاية انتخابية تشوه شوارعنا ولا يلتفت اليها احد.» في ذات الحي، في مصر الجديدة، يخوض وزير الطاقة والبترول سامح فهمي الانتخابات لاول مرة، ولا يكاد متر واحد في هذه الدائرة يخلو من صوره وهو يبتسم تحت شعار «رجل الصناعة والخير. انه يحفر في الصخر لكي يستخرج مواد البترول التي لا غنى عنها لـ٨٠ مليون مصري». ويخوض الانتخابات 8 وزراء اخرين في ظاهرة تعكس تعاظم اهمية كرسي البرلمان في حياة الساسة المصريين، التي تفوق اهمية وزاراتهم، على الاقل من حيث انهم يضمنون بقاءهم في البرلمان لمدة 5 اعوام، عكس الكرسي في معظم الاحوال.


في القناة الرسمية والقنوات المصرية الفضائية «الخاصة»، تنهال اعلانات الحزب الوطني على مدار الساعة، تروج لشعار الحزب الجديد «علشان تطمن على مستقبل ولادك». لكن رسالة الاطمئنان تبدو مطعونة في جديتها. فهناك حالة استنفار وقلق في الدوائر الرسمية منذ اكثر من شهر، بدأت بحملة اغلاق لعدد من القنوات الفضائية ومنع برنامج الصفوة بقناة «اوربيت»، «القاهرة اليوم» ومذيعه الشهير عمرو اديب من الظهور على الهواء، اعقبها قرار رئيس حزب الوفد والمالك الجديد لصحيفة «الدستور» المستقلة اقالة رئيس تحريرها ابراهيم عيسى، وهو من اكثر الكتاب هجوما على النظام وما يتردد حول توريث الحكم لنجل الرئيس جمال مبارك.


وبسبب هذه الاجواء تراجعت القنوات الفضائية التي كانت تتنافس على طرح المواضيع المثيرة سياسياً عن الخوض في القضايا الجادة وبدت الى حد كبير متجاهلة الحدث السياسي الاكبر، أي الانتخابات، عن قصد، حتى ان الصحافي وائل الابراشي احد مقدمي تلك البرامج اطلق بيانا طالب فيه الاعلاميين بمقاطعة تغطية الانتخابات الاحد المقبل بسبب حالة التوتر الامني. وقال في برنامج «العاشرة مساء» الاثنين الماضي إنه لن يتمكن احد من كشف «التزوير والبلطجة» التي ستحدث. في المقابل، وكأنه تاكيد لكلام الابراشي اذاع التلفزيون الرسمي في نفس اليوم حلقة حوارية في برنامج «مصر انهاردة» اطلق المتحدثون فيها تحذيرات من قيام «الاخوان المسلمين» باعمال «فوضى» واللجوء الى العنف يوم الانتخابات، بدا فيها ما يقال اشبه ببيان وزارة الداخلية الاحد الماضي الذي حمل نفس المعنى.


واستمرت وتيرة اعتقالات انصار «الاخوان المسلمين» التي بلغت حسب احصاءات الجماعة حوالى 1400 معتقل الى الان وهو رقم مرشح للارتفاع «كثيرا» بحسب قيادات الجماعة. ويتذكر المرشد العام السابق للجماعة محمد مهدي عاكف انه بعد انتخابات العام 2005 جاءه زائر برسالة لا لبس فيها من السلطات: «يقولون انهم سيكسرون عظامكم». ويؤكد عاكف لوكالة «فرانس برس» انهم اليوم «كسروا عظامنا بالفعل». ويعتقد نائب المرشد العام محمود عزت ان الاستجابة لدعوة بعض قوى المعارضة بمقاطعة الانتخابات خيار أسوأ من المشاركة رغم كل شيء. ويقول عزت «لو لم نشارك سيكون هناك مزيد من القيود على الحريات وسيفقد الناس الامل وسيقود هذا اما الى اليأس او الانفجار».


وعلى رغم تعقد الوضع مساء الثلاثاء الماضي عندما قضت محكمة القضاء الاداري بوقف الانتخابات في 4 دوائر في الدلتا وصعيد مصر، اضافة الى جميع دوائر الاسكندرية، الا ان اشتباكات الامن المركزي مع مئات المتظاهرين المسيحيين الاقباط في اليوم ذاته طغت على المشهد المصري برمته. ولا تزال آثار مقتل قبطي برصاص الامن واعتقال 132 متظاهرا دخلوا في مواجهة مع الامن، حاضرة ومتصلة، في اذهان الكثيرين، بالانتخابات. واشتعلت الازمة صباح الاربعاء الماضي عندما قام مئات الاقباط باعتراض الطريق العام في منطقة العمرانية الشعبية، احتجاجاً على قرار محافظ الجيزة وقف البناء في المجمع الخدمي التابع لمطرانية الجيزة. فتارة، «توقيتها مقصود» لالهاء الناس عن التجاوزات في الانتخابات والتزوير المبكر لها، كما يقول البعض، وتارة هي «مقصودة قبطياً حتى يضغطوا على النظام قبيل الانتخابات.» ولكن في جميع الاحوال، هي الجزء الظاهر للتوتر الحاصل في مصر المقبلة على انتخابات يقال انها ستحدد مستقبل البلاد السياسي، لان برلمانها هو الذي سيختار رئيسها المقبل.