التاريخ: شباط ٢٨, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
عون: من يسيطر على طائفة في لبنان يقضي عليه
في افتتاح "مؤتمر البطاركة والأساقفة حول كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"
بيروت - "الحياة" |
أكد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون أن "أرض المشرق لا يجب أن تفرغ من أهلها، ومهد المسيح ودرب الجلجلة والقبر المقدس لا يمكن أن تكون من دون مسيحيين، كما لا يمكن للقدس وللمسجد الأقصى أن يكونا من دون المسلمين"، داعيا إلى الحفاظ على لبنان "وطن الرسالة"، ومواجهة التطرف.

كلام رئيس الجمهورية جاء خلال افتتاحه "مؤتمر البطاركة والأساقفة حول كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الذي حمل عنوان: "خدمة الخير العام في إطار بيئة تعددية"، والذي انعقد قبل ظهر أمس في دير سيدة الجبل في فتقا، كسروان، بحضور البطريرك الماروني بشارة الراعي، ورئيس كاريتاس الدولية الكاردينال لويس انطونيو تاغلي، وعميد الدائرة الفاتيكانية المعنيّة بخدمة التنمیة البشریة المتكاملة الكاردينال بيتر كودوو آپّيا توركسون، وعميد مجمع الكنائس الشرقية في حاضرة الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري ممثلا بالأب قرياقوس شيروبو زاتوتاتيل، والسفير البابوي لدى لبنان المونسنيور جوزف سبيتري، الى حشد من الاساقفة والمسؤولين في كاريتاس وفاعليات سياسية وروحية وناشطة في الحقل الاجتماعي.

واشار عون الى ان "أهمية كاريتاس الحقيقية، تكمن في نشاطها العابر للطوائف والأعراق والدول والانتماءات، وهذا ما يبدو جليا في خريطة انتشارها حيث تغطي خمس عشرة دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقدم المساعدة والخدمة حيث هناك حاجة، بمعزل عن الدين والهوية والعرق، وهي بذلك تساهم بكسر حواجز التطرف والتقوقع والانغلاق ورفض الاخر المختلف، وهنا جوهر دورها، خصوصا في هذه المرحلة المضطربة التي تعيشها المنطقة".

أضاف: "يقول مهندس الميثاق الوطني ميشال شيحا إن "من يحاول السيطرة على طائفة في لبنان انما يحاول القضاء على لبنان" وهذا القول ينطبق أيضا على المشرق، فمشرقنا هو مزيج ثقافات والتقاء حضارات ومهد الديانات السماوية، وهو نموذج فريد للغنى الروحي والثقافي والمعرفي، وضرب أي مكون من مكوناته هو ضرب له ولفرادته. وكل الأحداث التي جرت خلال السنوات المنصرمة، من أهم أهدافها تحويل مجتمعات مشرقنا الى مجتمعات عنصرية أحادية الطابع متنافرة متقاتلة. فالنزف البشري الحاصل والهجرة القسرية لبعض المكونات، والمحاولات الحثيثة للتغيير الديموغرافي، مضافة الى تهجيرات الحقبة الماضية وتقسيم فلسطين وتشريد أهلها، واستكمال الضغوط اليوم لتهجير من تبقى منهم، ورفض حق عودتهم إلى بلادهم وتوطينهم في البلدان التي هجروا إليها، تؤسس كلها لمشرق جديد، غريب عن هويته الجامعة، وبعيد كل البعد عما يمتاز به من تنوع ديني ومجتمعي وثقافي. وهذا ما يجب أن نرفضه ونقاومه بكل ما أوتينا من عزم وصلابة".

وتابع: "الخطر الأكبر الذي يواجه عالمنا اليوم ومنطقتنا بشكل خاص هو نزعة التطرف التي تغذي الإرهاب وتتغذى بدورها منه، وخطورتها أنها عدوى فكرية، تنتقل وتنتشر بسرعة خصوصا مع وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلة الجهل والفقر والتهميش لزرع أفكار ومعتقدات هدامة وإيجاد بيئة حاضنة للإرهاب. ولأنني أومن أن الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان هو الوسيلة الفضلى للقضاء على آفة الإرهاب، ولتحصين الأجيال الطالعة ضد الأفكار المتطرفة، وتنشئتها على احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق الاختلاف حتى تستعيد مجتمعاتنا الاستقرار والأمان، أطلقت في الأمم المتحدة مبادرة بترشيح لبنان ليكون مركزا دائما للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق وتعزيز روح التعايش، من خلال إنشاء "أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار"، هدفها الأساس نشر ثقافة معرفة الآخر والتقريب بين الشعوب والثقافات والديانات ونبذ لغة العنف وخصوصا بين الشباب فيسهل اندماجهم وتقبلهم للآخر المختلف فلا يعود عدوا، لأن الإنسان بطبيعته عدو لما، ومن يجهل".

وقال: "هذا هو جوهر لبنان وهذه هي رسالته التي أدركها البابا يوحنا بولس الثاني يوم قال عنه إنه "أكثر من وطن، انه رسالة"، فلبنان، بمجتمعه التعددي وبما يختزن من خبرات أبنائه المنتشرين في كل بقاع الأرض، وبما يشكل من عصارة حضارات وثقافات عاشها على مر العصور، مؤتمن على هذه الرسالة ولا يحق له أن يفرط بها أو أن يتجاهلها".

وتوج الى العاملين في كاريتاس بالقول: "لكل منا دوره في نشر ثقافة السلام وثقافة قبول الآخر واحترام حقوقه. نحن من خلال التثقيف والممارسة السياسية وإيجاد مساحة للتلاقي والنقاش والحوار والجدل الفكري، أنتم من خلال الخدمة المجانية التي لا تميز بين عرق أو دين أو هوية".

الراعي والتعددية

والقى بعدها الراعي كلمة لفت فيها الى أن خدمة الخير العام هي في اطار بيئة تعددية. وقال: "نحن في لبنان نعيش في وطن تعددي، والتعددية فيه من صلب كيانه وتكوينه. ففيه جميع الكنائس والطوائف الاسلامية، بحيث يأتي المجموع ثماني عشرة طائفة".

واضاف: "غير ان خدمة الخير العام تتأثر اليوم بسبب الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت من جراء الازمات السياسية المتلاحقة. ولكننا نرجو حلول الاستقرار مع تأليف الحكومة الجديدة. ولا ننسى التأثير الاقتصادي والاجتماعي والانمائي والثقافي والامني الذي اوجده المليون ونصف مليون نازح من سورية، بالاضافة الى نصف مليون لاجىء فلسطيني. ما يشكل نصف سكان لبنان، غير المهيأ لاستقبال مثل هذا العدد الباهظ على رقعة جغرافية مساحتها فقط 10452 كم2، وهي اصلا غير قادرة على استيعاب سكانه الاربعة ملايين، فمن الضرورة الملحة ان يعود النازحون السوريون الى وطنهم لكي ينعموا فيه بحقوقهم المدنية ويواصلوا تاريخهم ويحافظوا على ثقافتهم وحضارتهم. ومن الواجب بالتالي حماية لبنان من مخاطر هذا الوجود المرهق فيما ثلث سكانه تحت مستوى الفقر، و40 في المئة من ابنائه في حال بطالة. ويجب على المجتمع الدولي، ان يفصل بين الحل السياسي في سورية وعودة النازحين والا كان مصيرهم مثل اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون الحل السياسي منذ 71 سنة، والكل على حساب لبنان وشعبه. وهذا لا يمكن قبوله".

رئيس "كاريتاس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ثم القى رئيس "كاريتاس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" كبرييل حتي كلمة أمل فيها "أن يشكّل هذا الحدث البارز الذي يجمعنا معاً فرصة لإنشاء روابط جديدة بين الناس والمؤسسات المكرّسة لبناء حضارة تتمحور حول السلام وخدمة جميع البشر والخير العام". وقال: "نأتي جميعنا من بلدان مضطربة ذات آفاق متغيّرة ومُهدّدة في أغلب الأحيان. إنها منطقة وصفها البابا فرنسيس بتقاطع المواقف الصعبة".

واعتبر أن "الكثيرين يعانون من الفقر الناجم عن ضعف المؤسسات الحكومية، والصراع المسلّح، والتطرّف، والكوارث الطبيعية التي تشهدها بعض بلداننا. لكن يجب أن نتذكر أيضاً ان شعوبنا تتمتع بالصمود، ولقد أثبتت جذورها قوّتها على مدى آلاف السنين الماضية، وهي مغروسة ومتجذرة في أرض تاريخنا، وراسخة ليبقى فيها ابناؤها".

واكد ان "سكان منطقتنا يتطلّعون إلى مستقبل أفضل وإلى العيش في سلام وأمن ورخاء، في دول يمكن لكل مواطن أن يكون حراً في العيش في بيئة غنية بالفرص". وقال: "يتوجب على منظماتنا وممثلي كنائسنا أن يستمروا في منح صوت لمن لا صوت لهم، وأن يرأفوا بالفقراء والمظلومين، وأن يقلّصوا اليأس الذي يدفع أحيانًا ببعض الأشخاص إلى القيام بتصرفات متطرفة".

السفير البابوي: التاريخ حمل احداثاً مفاجئة

والقى السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتيري كلمة شدد فيها على "اهمية الدور الذي تلعبه جمعية "كاريتاس" في قلب الكنيسة الكاثوليكية في مختلف الدول والمناطق. وبعد ان نقل امنيات البابا فرنسيس وصلواته وبركاته، ذكّر بأن الوجود المسيحي الكاثوليكي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يعود الى بداية الدين المسيحي، ولكن بعض المجتمعات المسيحية تمكنت من النمو في اماكن محددة فيما ناضلت في اماكن اخرى من اجل البقاء.

واشار الى ان "التاريخ حمل معه احداثاً مفاجئة، ادت الى تطورات عدة. ولم يكن احد يتوقع من سنوات قليلة ان يزور اسقف روما شبه الجزيرة العربية، ولكن هذا الامر تحول الى واقع، ويستعد البابا فرنسيس لزيارة المغرب الشهر المقبل. وفي ايامنا هذه، تنمو المجتمعات المسيحية في اماكن بالكاد كان لها تواجد فيها، وحضور كاريتاس في هذه المناطق يعكس هذا الواقع".

واوضح المونسنيور سبيتيري ان كاريتاس مدعوة الى ان تكون التعبير عن حب ورعاية الكنيسة نحو كل محتاج، وان ترحّب وتساعد الجميع من دون تفرقة. ولتحقق مهمتها هذه، على هذه الجمعية ان تعمل بطريقة احترافية مع الوعي التام لدورها ودعوتها الروحية وهيكليتها. وهو ما قامت به "كاريتاس- الشرق الاوسط وشمال افريقيا" عبر تنظيمها منذ عشر سنوات لقاء في حريصا ركّزت فيه على حاجة العقل والقلب لتكون الاعمال الملموسة هي السبل الفضلى لمساعدة اخواتنا واخواننا المحتاجين. وتمنى للجمعية تخطيها التحديات الجديدة التي تواجهها في المنطقة.

الكاردينال ساندري و"وثيقة الأخوة الإنسانيّة"

ثم القى الأب قرياقوس شيروب وزاتوتاتيل كلمة باسم الكاردينال ساندري اعتبر فيها أن السمة المميزة لجميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي الحاجة إلى تشجيع المسكونية والحوار بين الأديان، وقد حض ﺍﻹﺭﺷﺎﺩُ ﺍﻟﺮﺳﻮﻟﻲ: "الكنيسة في الشرق الاوسط" على ذلك.

ولفت الى ان لدى كاريتاس رسالة لأن تكون أداة تواصل بين الكنائس المحلية والكنائس الشقيقة، وكذلك بين الأديان والاعراق والثقافات. وقال:" هذا هو وجه الكنيسة المنفتحة. عند قيامه بعمل الخير، يتوجب على المرء أن يتغلّب على المصالح الأنانية ومبادئ التسويق التي غالبا ما تتعارض مع الشهادة المسيحية".

واضاف: "لا يسعني إلا أن أذكر "وثيقة الأخوة الإنسانيّة" التي وقّعها اخيراً البابا فرنسيس في أبو ظبي. إنه نص أدعوكم إلى التعمّق فيه ونشره. ان الإعتقاد الراسخ بأن التعاليم الأصيلة للأديان تدعونا إلى البقاء متجذرين في قيم السلام، والدفاع عن قيم التفاهم المتبادل والأخوة الإنسانيّة والتعايش المتناغم، وإعادة إحياء الحكمة والعدالة والمحبة، وإيقاظ الوعي الديني لدى الشباب، كي تكون الأجيال القادمة محميّة من عالم التفكير المادّي ومن سياسات الجشع الجامح واللامبالاة الخطيرة التي تعتمد على قانون القوة وليس على قوة القانون". واعتبر ان تحدّي الحرب والعنف ماثل على مرأى ومسمع العالم كله، كما هو تحدي المحبة الفعّالة التي يقدمها الكثيرون من خلال منظمات كاريتاس الوطنية والمؤسسات الكاثوليكية الأخرى من أجل إغاثة إخوانهم وأخواتهم".

الكاردينال تاغلي وتوركسون

والقى الكاردينال تاغلي كلمة نقل فيها "الى لبنان تحيات مانيلا" في الفيليبين التي هو رئيس اساقفتها، وقال: "كما ذكر الرسول بطرس على جبل التجلي: "جيد ان نكون هنا"، فإنني اكرر امامكم هذا القول في لبنان، لأنه جيد ان نجتمع معا كأخوة للبحث عن طرق خدمة الخير العام"، مشددا على دور كاريتاس في "ان تكون صوت الكنيسة وعلامتها واداتها في ايصال رسالة الرحمة والمحبة والخدمة في العالم، وبصورة خاصة في الشرق الاوسط ولبنان. وختم بالقول: "ان حضوري هنا هو للتأكيد على هذا الامر وتشجيع نشاطات كاريتاس في الشرق الوسط وشمال افريقيا ولبنان، والتعلم منكم جميعا".

أما الكاردينال توركسون، فشرح مفهوم خدمة التنمية البشرية الشاملة، مشيراً الى ان الحبر الاعظم انشأ لهذه الخدمة دائرة جديدة في الكرسي الرسولي في العام 2016، وهي معنيّة بالتنمية المتكاملة، ومهمتها مساعدة كاريتاس وتسهيل عمليات الدمج بين مختلف الدوائر.

درع تذكارية

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، قدم حتي درع كاريتاس في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا الى رئيس الجمهورية، عربون تقدير ومحبة، والتقطت الصور التذكارية للمشاركين في المؤتمر مع الرئيس عون.