التاريخ: نيسان ١١, ٢٠١٢
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
تصريح بالدفن - جمال فهمي

الحكم الذي أصدرته أمس محكمة القضاء الإداري المصرية وقضى بوقف إنفاذ قرار كانت أصدرته الشهر الماضي الغالبية الإسلاموية في مجلسي البرلمان وبمقتضاه عينت أعضاء الهيئة التأسيسية المعنية بكتابة دستور البلاد الجديد ونقلت هيمنتها القوية على المجلسين إلى ورشة عمل الدستور فصار لها فيها 72 عضوا من مئة - هذا الحكم بدا كأنه تصريح رسمي وقانوني بدفن هذه الهيئة بعدما صارت فعلا جثة هامدة ولم يتبق في بنيانها المشوه المختل أي أثر للروح وفقدت منذ لحظة ميلادها مشروعية قبول المجتمع الذي حققت أهم مؤسساته وطيف واسع من تنوعاته الفكرية والروحية والسياسية إجماعا نادرا على رفض هذا الكيان وإدانة من صنعوه ودمغهم بأنهم يريدون "خطف" الدستور وطبخه في الظلام بعيدا من كل مكونات النسيج الوطني توطئة وتمهيدا للسطو على البلد دولة ومجتمعا.


غير أن النتيجة الأخطر المترتبة على الحكم القضائي الآنف الذكر ليست فقط أنه جاء بمثابة "دفن قانوني" لنهج الاندفاع الطائش نحو الانفراد والهيمنة، الذي ميز ممارسات جماعة "الإخوان المسلمين" وحلفائهم السلفيين منذ أن صعدوا الى سلطة التشريع قبل ثلاثة أشهر، وإنما الأهم أن هذا الحكم جاء حاملا هزيمة سياسية قاسية ومؤذية جدا من حيث السياق والتوقيت، فقد توج وأضفى قوة لا يستهان بها على شعور عام أخذ ينمو ويتفاقم بسرعة مذهلة مدى الأسابيع الاخيرة في أوساط قطاعات واسعة من الجمهور "العادي"، بالتوجس والخوف من هؤلاء الذين لا يخفون طمعهم بوراثة أسوأ آليات ديكتاتورية نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك بل تطويرها وزيادة فاعليتها وقسوتها الى درجة قد تدفع الى الندم عن القيام بالثورة التي خلعته العام الماضي.


ومصداقا لهذا المعنى، فإنك لو عبرت الى العاصمة المصرية هذه الأيام فسوف تسمع في محافلها ومقاهيها كثرا يقولون بحسم وجزم إن جماعة "الإخوان" لعبت دورا أساسيا وخطيرا في تعويق وتخريب مسار الثورة وأنها المسؤول الرقم واحد عن الوضع البائس المزري الحالي الذي انتهت إليه وليس ثمة ما يفضحه ويعبر عنه بقوة وبلاغة أكثر من حقيقة اقتراب اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع وصفيّه ومخزن أسراره من أن يكون في مقدم المتنافسين على منصب أول رئيس للبلاد بعد الثورة، مستندا إلى كتل شعبية تتضخم وتتسع باطراد لافت ومثير للعجب... لماذا؟! لأن هذه الكتل التي غالبيتها الساحقة من البسطاء والفقراء هي نفسها التي ذهبت قبل أسابيع قليلة إلى لجان الاقتراع ومنحت أصواتها بسخاء لمرشحي جماعات الإسلامويين.