التاريخ: شباط ١٥, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
أكبر عملية خروج لـ«داعش» من جيبها الأخير شرق سوريا
«قسد» تتحدث عن وجود أنفاق كثيرة أخّرت الحملة
قرب الباغوز (سوريا): «الشرق الأوسط»
سلم نحو 240 من مسلحي «داعش» المحاصرين في آخر جيب للتنظيم شرق الفرات في سوريا أنفسهم لقوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، إخراجهم من المنطقة مساء أول من أمس، في وقت يدافع فيه من تبقى من التنظيم بشراسة عن جيبه الأخير في شرق سوريا، عبر تحصنه في أنفاق وشنّ هجمات انتحارية، بعدما تقلصت مساحة سيطرته إلى كيلومتر مربع.

ونقل المرصد في ساعة مبكرة من صباح، أمس (الخميس)، عن مصادر موثوقة أن رتلاً مؤلفاً من سبع شاحنات خرج من المنطقة، وأن «الشاحنات كانت تحمل ما يقارب 240 شخصاً من عناصر تنظيم (داعش)، غالبيتهم من جنسيات أجنبية، ممن سلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي». ووصف المرصد العملية بأنها «تُعد أكبر عملية خروج لعناصر التنظيم باتفاق أو استسلام».

ويدافع التنظيم بشراسة عن جيبه الأخير في شرق سوريا، عبر تحصُّنه في أنفاق وشنّ هجمات انتحارية، بعدما تقلصت مساحة سيطرته إلى كيلومتر مربع، في مواجهة هجوم تشنّه قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن المرصد أن منطقة سيطرة التنظيم أصبحت مئات الأمتار فقط بالقرب من الضفاف الشرقية لنهر الفرات، ليقترب التنظيم بذلك من فقد سيطرته بشكل شبه كامل في منطقة شرق الفرات. ويتبقى له بذلك خلايا نشطة في عدد من المحافظات السورية بالإضافة للجيب الأكبر والأخير للتنظيم الموجود في البادية السورية بشمال مدينة السخنة وصولاً إلى داخل الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور.

وأفاد المتحدث باسم حملة قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور عدنان عفرين لوكالة الصحافة الفرنسية، عن «اشتباكات عنيفة ومعارك طاحنة» لافتاً إلى «مقاومة لا يستهان بها» من قبل مقاتلي التنظيم. وبات مقاتلو التنظيم، وبينهم أجانب، وفق عفرين، محاصَرين حالياً داخل «كيلومتر مربع من المنازل بالإضافة إلى مخيم جنوب الباغوز».

وترجح قوات سوريا الديمقراطية وجود ألف مقاتل بين رجال ونساء داخل هذه البقعة، من دون توفُّر معلومات عن عدد المدنيين، بحسب عفرين. وتتقدم هذه القوات ببطء داخل بلدة الباغوز المحاذية للحدود العراقية. وتحدث عفرين عن وجود «أنفاق كثيرة، لهذا السبب تأخرت الحملة»، لافتاً إلى أن «هناك كثيراً من الانتحاريين الذين يقتحمون مناطق قواتنا على متن سيارات ودراجات مفخخة».

وتعرضت قوات سوريا الديمقراطية الثلاثاء لهجومين نفذتهما انتحاريتان فجّرتا نفسيهما، وفق المصدر ذاته. وغالباً ما يعتمد التنظيم على الهجمات الانتحارية والمفخخات لإعاقة تقدم خصومه وإيقاع أكبر عدد من الخسائر البشرية في كل مرة يحاصر فيها داخل معاقله.

ودفعت العمليات العسكرية أكثر من 39 ألف شخص إلى الخروج من مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول)، غالبيتهم نساء وأطفال من عائلات المتطرفين، بينهم أكثر من 3400 مشتبه بانتمائهم إلى التنظيم تم توقيفهم، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال ديفيد يوبنك من منظمة «فري بورما راينجرز» الطبية الأميركية، إنه شاهد بين ستين إلى سبعين مدنياً يخرجون، أمس (الخميس)، من آخر نقاط التنظيم، في حصيلة هي الأدنى منذ ديسمبر. ويتم نقل المدنيين وكذلك زوجات وأطفال عناصر «داعش» إلى مخيمات للنازحين في شمال البلاد، بعد التدقيق في هوياتهم وجمع معلومات أولية في منطقة فرز قرب بلدة الباغوز.

وتتطلب مرحلة التدقيق أحياناً أن يبيتوا ليلة أو أكثر في العراء في أرض صحراوية قاحلة قبل نقلهم شمالاً.

وقالت فاطمة التي وصلت، أول من أمس (الأربعاء)، ضمن 300 امرأة وطفل، غالبيتهم عراقيون، إلى نقاط قوات سوريا الديمقراطية: «بكى الأطفال طوال الليل من البرد. إنها الليلة الثانية التي ننام فيها في البرية». إلى جانبها، يلهو أولاد وهم حفاة الأقدام، يمضغ أحدهم ملعقة بلاستيكية وآخرون الحصى والتراب بينما يبكي أولئك الأصغر سناً. وبعد عملية الفرز، تنقل قوات سوريا الديمقراطية المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم إلى مراكز تحقيق خاصة.

ومنعت هذه القوات منذ أيام الصحافيين من الوصول إلى خطوط الجبهة الأمامية بعد إصابة صحافي إيطالي بجروح. وقال عفرين إن «غالبية قادة» التنظيم في الجيب الأخير هم أجانب بينما «يدير قياديون عراقيون المعارك».

وفي الأسابيع الأخيرة، خرج عدد من الأجانب من نقاط سيطرة التنظيم أبرزهم الألماني مارتن ليمكي والفرنسي كانتان لوبران، غير أن مصير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الذي قيل مرات عدة إنه قُتل، لا يزال مجهولاً. ويعود التسجيل الأخير المنسوب إليه إلى أغسطس (آب) 2018.

وفي وقت يبدو فيه التحالف الدولي حذراً بشأن الجدول الزمني، يؤكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستمرار أن الإعلان الرسمي، خصوصاً الرمزي، عن انتهاء «داعش» سيحصل في الأيام المقبلة. ويمهد إعلان الانتصار الطريق أمام ترمب لتنفيذ قراره الذي أعلنه في ديسمبر، بسحب جميع قواته من سوريا، البالغ عددهم نحو ألفي جندي.

استمرار تعزيز نقاط المراقبة في إدلب وشمال حماة
أنقرة: سعيد عبد الرازق
دفعت تركيا بالمزيد من تعزيزاتها العسكرية إلى نقاط المراقبة في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب تزامنا مع قمة سوتشي الثلاثية التي جمعت بين رؤساء كل من روسيا وتركيا وإيران (الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة)، أمس (الخميس)، لمناقشة تطورات الملف السوري وتشكيل اللجنة الدستورية والوضع المتدهور في إدلب، والتي كشفت عن استمرار التباين في المواقف بين أنقرة وموسكو بشأن إقامة منطقة آمنة في شرق سوريا بموجب اقتراح أميركي إذ أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرورة العودة في هذا الأمر إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد.

ودخل رتل عسكري تركي جديد إلى الأراضي السورية، يضم ما لا يقل عن 20 آلية إلى نقطة المراقبة التركية في منطقة شير مغار بالريف الشمالي لحماة، المشمول ضمن اتفاق مناطق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه في آستانة. وكانت شاحنات تركية دخلت قبل أيام تحوي كتلا إسمنتية من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في شمال سوريا، إلى نقاط المراقبة التركية في الريفين الجنوبي لإدلب والشمالي لحماة.

والأسبوع قبل الماضي دخل رتل عسكري تركي آخر إلى نقطة المراقبة الموجودة في قرية الصرمان في ريف معرة النعمان الشرقي، في إطار روتيني لتبديل العناصر الموجودة في النقطة وإمدادهم بالعتاد. وفي 4 فبراير (شباط) الجاري، كانت شاحنة تركية أخرى دخلت محملة بكتل إسمنتية إلى نقطة المراقبة التركية في منطقة الصرمان بريف معرة النعمان جنوب إدلب.

وأنشأت تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب بموجب اتفاق مناطق خفض التصعيد في إدلب التي شهدت تصعيدا للعنف وعودة هيئة تحرير الشام التي تشكل جبهة النصرة (سابقا) غالبية قوامها للسيطرة على غالبية المواقع التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية المرتبطة بتركيا، وأغضبت هذه التطورات موسكو التي طالبت أنقرة بتنفيذ التزاماتها في إدلب بموجب اتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب للفصل بين قوات النظام والمعارضة.

وأولت موسكو اهتماما خاصا للتطورات في إدلب، وزار وزير دفاعها سيرغي شويغو، أنقرة، الاثنين الماضي قبل انعقاد قمة سوتشي أمس، التي ناقشت ملف إدلب بالتفصيل، وسط تباين في المواقف بشأن عملية عسكرية ترغب روسيا في القيام بها لإنهاء وجود المجموعات المتشددة في إدلب، تعارضها أنقرة التي تخشى وقوع كارثة إنسانية ونشوء موجة نزوح ضخمة جديدة من المدنيين المقيمين في المحافظة.

وقبل بدء قمة سوتشي الثلاثية، أمس، عبر إردوغان، عن ترحيب بلاده بموقف روسيا الذي وصفه بـ«الإيجابي» من اقتراح «المنطقة الآمنة» في سوريا. وفي موسكو، قالت المتحدثة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا، قبل انعقاد القمة، إن أنقرة ستحتاج إلى الضوء الأخضر للأسد لإنشاء أي منطقة آمنة داخل الحدود السورية. وأضافت أن «مسألة وجود وحدة عسكرية تعمل على سلطة دولة ثالثة وعلى أراضي دولة ذات سيادة وخاصة سوريا، يجب أن تقرر مباشرة من دمشق هذا هو موقفنا الأساسي».

وفي هذا السياق، بحث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع نظيره الروسي سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري، في لقاءين منفصلين سبقا القمة، المستجدات الأخيرة في سوريا.

وجاءت القمة الثلاثية في ظل تصعيد موسكو لهجتها بشأن الوضع في إدلب، إذ تحدثت عن عملية عسكرية محتملة في المنطقة. وتحدث بيان رئاسي تركي عن أن «قمة سوتشي» تناولت الجهود المشتركة لمسار آستانة على الصعيدين الميداني والسياسي من أجل إيجاد حل دائم للنزاع في سوريا، وبحث ملف إدلب، حيث تحمل روسيا مسؤولية الأوضاع لهيئة تحرير الشام التي ترفض تركيا محاربتها بحجة الخشية من وقوع كارثة إنسانية وتشكيل اللجنة الدستورية، والانسحاب الأميركي من سوريا وإقامة المنطقة الآمنة. وفي السياق ذاته، حذر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي فولكان بوزكير، من أن عدم تنسيق الولايات المتحدة مع تركيا خلال عملية انسحابها من سوريا قد يولد فراغات جديدة.

وقال بوزكير، وهو أحد القيادات البارزة في حزب العدالة والتركية الحاكم في تركيا، في لقاء مع صحافيين أتراك بمقر السفارة التركية في واشنطن بعد محادثات عديدة أجراها وفد تركي برئاسته في الكونغرس، إن قضية المنطقة الآمنة في سوريا لا تزال غير واضحة حتى الآن، لافتا إلى أن بلاده تنتظر توضيح التفاصيل بهذا الصدد.