|
|
التاريخ: شباط ١٥, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
قمة سوتشي ترحّل ملفي إدلب والمنطقة الأمنية... وتشكك في الانسحاب الأميركي |
الكرملين: لا حديث عن عملية عسكرية في شمال سوريا... وخطوات لتحسين الوضع |
موسكو: رائد جبر
لم تسفر القمة الثلاثية في سوتشي، أمس، عن تحقيق تقدم على صعيد مساعي تقريب وجهات النظر بين روسيا وتركيا وإيران حيال الوضع في إدلب، والتطلعات التركية لإقامة منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع سوريا. وفي حين بقي الملفان عالقين، بانتظار الاجتماع مجدداً بين رؤساء البلدان الثلاثة في تركيا الشهر المقبل، برز توافق على صعيد تأسيس اللجنة الدستورية، وضرورة إطلاق عملها في أسرع وقت، كما تطابقت وجهات نظر الأطراف حيال التشكيك بنيات الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا.
وخلافاً للتوقعات التي رجحت قبل انعقاد القمة أن تكون «حاسمة» لجهة اتخاذ خطوات مشتركة على الصعيدين الميداني والسياسي، وهي ترجيحات عززتها اللهجة القوية لروسيا قبل القمة حول «ضرورة عملية عسكرية» في إدلب لتقويض نفوذ «جبهة النصرة»، جاء تباين التصريحات في المؤتمر الصحافي الختامي للرؤساء؛ فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان وحسن روحاني، ليعكس فشل الأطراف في حسم هذا الملف. وفيما تحدث بوتين وروحاني بلغة قوية، عن «ضرورة إنهاء الوجود الإرهابي في سوريا» و«تسليم كل الأراضي السورية للسلطات الشرعية»، جدد إردوغان التأكيد على رفض شنّ عمل عسكري في إدلب، وقال إنه «لا يمكن تكرار سيناريو حلب».
وكان لافتاً أن اللهجة الروسية تراجعت بعد القمة حول ملف إدلب، وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، رداً على أسئلة الصحافيين، إنه «لا يوجد حديث عن عملية عسكرية في إطار خطوات إضافية تهدف إلى تحسين الوضع في إدلب السورية».
واستهل بوتين الحديث في المؤتمر الصحافي بالتأكيد على أهمية المحافظة على «مسار آستانة» واللقاءات التي تنعقد على مستوى الخبراء من البلدان الثلاثة، وممثلي الحكومة والمعارضة في سوريا، والمراقبين من الأمم المتحدة ومن بلدان أخرى. وزاد أن «عدداً من البلدان أبدت اهتماماً بالمشاركة في المسار، وسوف تحضر بصفة مراقبة».
ولفت بوتين إلى أن الجولة المقبلة من مفاوضات آستانة سوف تنعقد في «نهاية مارس (آذار) وبداية أبريل (نيسان) في العاصمة الكازاخية». وقال إنه بفضل التعاون الروسي التركي الإيراني تم «توفير ظروف ملائمة للاستقرار في سوريا، وإطلاق عملية سياسية وفقاً للقرار الدولي 2254، مبدأ المحافظة على وحدة وسيادة الأراضي السورية». وأشار إلى تحقيق تقدم مهم في تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وأهمية إطلاق عملها في أسرع وقت. ولفت بوتين إلى الأهمية التي توليها موسكو لتطبيع العلاقات بين دمشق والبلدان العربية، واستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، ورأى أن ذلك يشكل أساساً لإطلاق مشروعات إعادة الإعمار وتوفير الظروف المناسبة لعودة اللاجئين.
وبرز التباين عندما تحدث بوتين عن إدلب، مذكراً بأن الاتفاق مع تركيا نص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، وعلى عزل الإرهابيين، وقال إنه لا يمكن «التصالح مع الإرهاب، ولا يمكن السماح بأن يبقى الإرهابيون من دون عقاب». وجدد التأكيد على أنه «في النهاية لا بد أن تنتشر القوات السورية على كل أراضي سوريا».
ولفت بوتين إلى أن سحب واشنطن قواتها من سوريا «ستكون خطوة إيجابية»، مؤكداً على أهمية إعادة هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية، لكنه أعقب أن بلاده «لا ترى خطوات عملية على الأرض لتنفيذ قرار الانسحاب». وكان لافتاً أن الرئيس الروسي أشار إلى أن نظيره الأميركي «يعمل بشكل نشط لتنفيذ وعوده الانتخابية. الأمر الذي يحصل بشكل نادر في الولايات المتحدة». لكنه استدرك أن «الوضع السياسي الداخلي لا يساعد دوماً في تحقيق الأهداف التي يضعها لنفسه».
واتفق روحاني مع التقويم الروسي حول إدلب، وحدد أهداف ثلاثي ضامني آستانة في سوريا بـ«مكافحة الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار، وإطلاق عمل اللجنة الدستورية، وتعزيز أسس الديمقراطية، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار».
وقال إن «مكافحة الإرهاب في المناطق التي ما زال يسيطر عليها أمر حتمي»، محذراً من الإرهابيين «إذا عادوا إلى بلدانهم سوف يثيرون الفتن والنزاعات». واتهم أطرافاً لم يحددها بأنها تعمل على نقل إرهابيين إلى أفغانستان. وقال إن هذا «يشكل خطراً على منطقة آسيا الوسطى والمناطق المحيطة بها». وشكك بقرار الانسحاب الأميركي من سوريا، وقال إنهم (الأميركيين) «إذا انسحبوا فعلاً فسيكون ذلك خبراً ساراً للسوريين، وإذا فعلوا الأمر ذاته في العراق وأفغانستان فسيكون خبراً ساراً لشعبي البلدين».
وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية على مناطق في سوريا، منتقداً صمت المجتمع الدولي. فيما قال إردوغان إنه «لا بد من تدمير الإرهاب أينما وجد، وتركيا عانت من هجمات إرهابية لمدة 34 سنة». لكنه عندما تحدث عن إدلب، قال إن الأطراف الثلاثة اتفقت على «المحافظة على الوضع، والعمل على تنفيذ اتفاق المنطقة منزوعة السلاح»، وزاد أن «السوريين دفعوا ثمناً باهظاً خلال سنوات، ولا نريد كوارث إنسانية جديدة مثلما حدث في حلب». وأكد أن الجانب التركي «بذل كثيراً من الجهود، وسيواصل العمل لتنفيذ بيان إدلب» (اتفاق سوتشي، الموقع في سبتمبر «أيلول» 2018). مجدداً التأكيد على أهمية المحافظة على نظام وقف النار. ودعا إيران وروسيا إلى حمل النظام السوري على الالتزام بوقف النار. وقال إن الأطراف الثلاثة تطرقت إلى مسألة الانسحاب الأميركي، وزاد أنه «إذا انسحبت واشنطن بالفعل، لا يمكن السماح بفراغ في منطقة الشمال، ولا يمكن السماح بأن تملأ (داعش) أو القوات الكردية هذا الفراغ»، مجدداً التأكيد أن أنقرة تعمل على إنشاء منطقة آمنة «حتى لا نسمح بتحويل المناطق الحدودية إلى ممرات لعبور الإرهابيين».
واعتبر إردوغان أن قرار واشنطن الانسحاب من سوريا يعتبر «امتحاناً مهماً جداً» لها، وأشار إلى أن الغموض لا يزال يكتنف تطبيق هذا القرار، مؤكداً على ضرورة العمل المشترك مع روسيا في معالجة تداعياته. وقال إنه بحث مع الرئيسين الروسي والإيراني مسألة العودة إلى اتفاق أضنة، ليكون أساساً للحوار، و«سنبحث هذا الشأن لاحقاً».
وكشف إردوغان عن اتفاق على عقد قمة ثلاثية جديدة في تركيا الشهر المقبل. ودفع هذا الإعلان إلى ترجيح أن يكون ضامنو آستانة قرروا إرجاء حسم الملفات الخلافية، وتوفير فرصة إضافية حتى موعد القمة المقبلة، لدراسة الخيارات المطروحة. علماً بأن بوتين جدد التأكيد رداً على أسئلة الصحافيين، لاحقاً، على أن موسكو ترى في اتفاق أضنة أساساً مهماً للحوار بين أنقرة ودمشق، وقال إن «لدى الطرفين اتفاقاً ينظم عملاً مشتركاً لمكافحة الإرهاب، وأرى أنه يشكل أساساً مهماً في الوقت الحالي».
وكان إردوغان وجّه قبل القمة الثلاثية إشارة إلى موسكو، التي أدانت عدة مرات انطلاق عمليات هجومية من إدلب على قاعدة حميميم، وقال إن بلاده «تبذل قصارى جهدها من أجل منع هجمات على قاعدة حميميم العسكرية الروسية. وتنسق هيئاتنا العسكرية فيما بينها في هذا الشأن»، مضيفاً أن طائرات بلا طيار تركية لم تكتشف أي معدات ثقيلة في تلك المنطقة.
واعتبر إردوغان أنه لا يمكن تحقيق وحدة التراب السوري دون تطهير منطقة «منبج» وشرق الفرات ممن وصفهم بالتنظيمات الإرهابية، في إشارة إلى الوحدات الكردية التي تسيطر على المنطقة حالياً. |
|