التاريخ: نيسان ١٠, ٢٠١٢
الكاتب:
المصدر: nowlebanon.com
سوريا والوقت

تطرح الأوضاع الدولية والإقليمية ذات الصلة بسوريا، كما تلك الداخلية، تحدّيات متجدّدة على الثورة وأهلها، خاصة مع حلول موعد العاشر من نيسان الذي يُفترض أن يتحقّق فيه سحب نظام الأسد لدبّاباته وآلياته من الأحياء السكنية في المدن والبلدات.
 
فدولياً، تبدو الأمور حتى الآن متأرجحة بين المبادرات الهادفة الى تقليص عنف النظام والاكتفاء بخطط وتدابير تضيّق عليه الخناق الاقتصادي وتزيد من عزلته الديبلوماسية وتلوّح بمقاضاته من جهة، والقرارات المتّخذة للاعتراف بالمجلس الوطني ممثّلاً للسوريين على نحو يجعله المحاور الوحيد باسم المعارضة إن تقرّر الدخول بحلّ سياسي انتقالي من جهة ثانية. وفي هذا ما يُشير الى استمرار المراهنات على تسوية تشبه التسوية اليمنية، تحت مظلّة أمميّة وبمشاركة روسيّة لا يظهر أنّ موسكو صارت قريبة كفاية منها بعد.
 
وإقليمياً، في ما عدا إيران الداعمة الاستراتيجية للنظام، تبدو الدول الأخرى المؤثّرة مرتبكة في توجّهاتها. فتركيا، التي تستضيف المعارضة وتفتح مدنها لمؤتمراتها وتستقبل اللاجئين، عضو في حلف شمالي الأطلسي، وأي تحرّك لها يتخطّى أنقرة نحو الحلف. وفي الأمر، مُضافاً الى اعتبارات الجوار الإيراني والاقتصاد الروسي وتوجّس الملف الكردي، ما يُعيق اتخاذها (حتى الآن على الأقل) إجراءات أكثر صداميّة مع نظام الأسد. والدول العربية، التي أظهرت حزماً في الشأن الليبي، تبقى حذرة تجاه سوريا وتعتمد مسارات بطيئة وضعيفة التأثير لأسباب تتعلّق بالانقسامات والأولويات والمخاوف المختلفة. ويُستثنى من هذا التصنيف، إعلامياً ومالياً، قطر والسعودية القاطعتين ضد النظام، والعراق المتحالف مع طهران، الداعم الفعّال له.

 

أما إسرائيل، فموقفها واضح منذ بداية العام 2011 لجهة إيثارها وضعاً إقليمياً بلا تبدّلات دراماتيكية تفرض عليها مقاربات جديدة، لا سيّما على "حدودها" الجولانية الهادئة منذ عقود. ويمكن إضافة هذا العامل الاسرائيلي الى العامل الانتخابي الأميركي والى الخشية من الانزلاق نحو ما يسمّيه بعض الديبلوماسيين "الفوضى الأمنية والجهادية" لفهم جوانب إضافية من أسباب التلكّؤ الغربي في التعامل مع الشأن السوري.

 

وداخلياً، لا يبدو ميزان القوى في طور تبدّل جذري يسمح بالحسم في اتّجاه أو آخر. فلا النظام قادر، رغم الدعم اللوجستي الإيراني والاقتصادي العراقي والسياسي الروسي والصيني، ورغم جرائمه ومجازره وهمجيّته غير المسبوقة في تاريخ المنطقة، على القضاء على الثورة. ومئات المظاهرات الأسبوعية كما العمليات العسكرية المتنقّلة واستمرار الانشقاقات في الجيش بالترافق مع انهيار هيبة الحُكم والضائقة المالية واستمرار تراجع سعر صرف الليرة، جميعها تثبت ذلك. ولا الثورة قادرة في المقابل، بشقّيها السلمي والعسكري، على إسقاط النظام في المدى القريب، إن لم يرفع حلفاؤه عنه المظلة الواقية.

كل ذلك يعني أن الأمور مرجّحة للاستمرار بلا تبدّلات جذرية في معادلات المشهد السوري في الأسابيع الطويلة المقبلة. ممّا يفرض على المعارضين الثائرين بلورة أولويّات مرتبطة بسبل إدارة المعركتين السياسية والإعلامية، وتوفير أفضل الشروط الممكنة لثبات الثوار على المدَيين المتوسّط والبعيد ومواصلة ضغطهم على النظام وفرضهم "المسألة السورية" بنداً ملحاً على الأجندات السياسية الإقليمية والدولية. وأبرز هذه الأولويات يكمن في العمل على إدارة العسكرة (بعد أن صارت أمراً واقعاً) وتأطيرها، وضبط ردود الفعل العشوائية والطائفية على مجازر الجيش والشبيحة ومنعها من الاستفحال.

 

ويكمن أيضاً في بلورة خطاب سياسي وإعلامي يجري من خلاله التوجّه الى الداخل والخارج وفق مصطلحات وأفكار ومواقف منسّقة. ويكمن كذلك في توفير مستلزمات الصمود وتأمين وصول المساعدات الى الداخل، والتواصل اليومي مع المنظّمات الحقوقية والإنسانية الدولية وتقديم المستندات إليها حول الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها النظام. وربّما يفيد ديبلوماسياً، إعادة فتح قنوات اتصال بموسكو تشجّعها على تعديل موقفها، أو لنقُل البحث الجدّي في تعديله.

 

المهمّ، أن يبقى النظام عديم القدرة على إظهار أي تقدّم في قمع الثورة أو حتى محاصرتها الى أن ييأس مؤيّدوه فيبحثون عن مخارج، وأن تقتنع الدول الغربية الكبرى كما تركيا أن الارتباك والحيرة والخوف من البدائل هي أسرع السبل للوصول الى تفاقم الفوضى والحالات "الجهادية"، وأن يبقى الإعلام العربي والغربي والمنظمات الحقوقية ضاغطة على حكوماتها لعدم إهمال الشأن السوري أو الاستمرار في تأجيل "البتّ" فيه، أو الملل والتعب منه. والأهمّ، أن يتيقّن بعض السوريين الذين ما زالوا على دعمهم للنظام أو ريبتهم من معارضاته أن فرص بقائه انعدمت، وأن سقوطه مسألة وقت، وأن الابتعاد عنه والتعجيل في رحيله هما أفضل السبل لتخفيف الاضرار التي قد تصيبهم، وتصيب سوريا الغد.