التاريخ: شباط ٧, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
 
تعبئة لموكب «المعتقلين والتعذيب» في الخرطوم والبشير يأمر بإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين
منظمات إقليمية ودولية تطالب مجلس حقوق الإنسان بتحقيق دولي
الخرطوم – أحمد يونس
أمر الرئيس السوداني عمر البشير بإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين جمعيهم، موجهاً انتقادات لاذعة لتطبيقات "قانون النظام العام" ذو الطابع الديني، وأرجع الاحتجاجات والتظاهرات التي تشهدها البلاد إلى الصدمة التي واجهت البلاد بسبب التدهور الاقتصادي.

وقال البشير في لقاء دعا له رؤساء تحرير الصحف وكتاب أعمدة أول من أمس، إن الذين خرجوا في التظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها البلاد، صدمتهم الأزمة الاقتصادية التي ترتبت على انفصال جنوب السودان، وفقدان السودان لعائدات النفط، وتابع: "من خرجوا شباب معظمهم شابات، من جيل تربى أيام الرخاء النفطي، وصدمتهم الأزمة الاقتصادية".

ويواجه البشير "انتفاضة شعبية" تنتظم البلاد منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بدأت تلقائية ضد الغلاء وارتفاع أسعار السلع الرئيسية وشح الوقود والنقود والخبز والدواء، ثم طورت أهدافها للمطالبة بتنحيه وحكومته على الفور، وتعد التحدي الأكبر الذي يواجهه منذ توليه الحكم في البلاد بانقلاب يونيو (حزيران) 1989.

وأوضح البشير إن الاقتصاد السوداني يعاني عجزاً في الميزان التجاري قدره بحوالي سبعة مليار دولار، وتابع: "احتياجاتنا من العملات الصعبة في العام تبلغ أحد عشر مليار دولار، فيما تبلغ عائدات صادراتنا أربعة مليارات دولار".

وحمل البشير حكومته مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، بيد أنه أرجعها بشكل أساس لانفصال جنوب السودان، وفقدان البلاد لعائدات النفط، إلى جانب ما أطلق عليها "إجراءات حكومية تراكمية، خلقت غبناً وسط الشباب السوداني"، وتابع: "لانعفي أنفسنا من بعض التقصير، فيما يتعلق بالازمة الاقتصادية الراهنة".

وأقر البشير بمشروعية خروج المتظاهرين، بقوله: "هناك دوافع كثيرة دفعت الشباب للنزول للشارع"، وتابع: "معظم المحتجين هم من الشباب، والفتيات أكبر المشاركين".

ووجه البشير انتقادات حادة لـ"قانون النظام العام" وتطبيقاته، وقال إن التطبيق الخاطئ لقانون النظام العام، وما يرافقها من عمليات انتهاك الخصوصية، أثارت الغبن لدى الشباب، وقال: "التطبيق الخاطئ لقانون النظام العام خلق غبنا وسط الشباب".

ويعد "قانون النظام العام" من أكثر القوانين المثيرة للجدل في البلاد، إذ أنه يعطي صلاحيات واسعة لأجهزة بسط الأمن في انتهاك الخصوصية، وإخضاعهم لمحاكم إيجازية، ويتضمن مواد تتعلق بالمظهر والزي والسلوك الشخصي والاجتماعي للمواطنين، وتنتقد بأنها "رقيب على حياة الناس وخصوصيتهم"، بما يتعارض مع مبادئ الحرية الشخصية المكفولة بالدستور، وبل وتعتبر قوانيناً تستهدف النساء وتمنعهن من ارتداء "البنطال" وتفرض عليهن وضع غطاء الرأس "الطرحة"، وإلاّ اعتبرن يرتدين زيّاً فاضحاً يترتب عليه، تعرضهن للضبط والمحاكمة وفقاً لعقوبات تشمل "الجلد والغرامة".

ووجه البشير بإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين على خلفية الاحتجاجات جميعهم، وأمر بإلغاء قرارات إلغاء تراخيص مراسلي الصحافة الأجنبية في البلاد، والسماح للصحافيين الموقوفين بمزاولة مهنتهم، متعهدا بالإبقاء على أبواب الحوار مفتوحة مع المعارضين، وإنهم دعوا كل قوى المعارضة للحوار، بيد أنهم رفضوا، بقوله: "أبوابنا للحوار مفتوحة أمام الجميع"، .

ويقبع أكثر من 15 صحافياً في سجون أجهزة الأمن السوداني، ألقت السلطات القبض على بعضهم منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد، للحيلولة دونهم وتغطية التظاهرات في الوقت الذي منعت الرقابة الأمنية الصحف من نشر أية قصص صحفية تخص التظاهرات، فيما سحب مجلس الإعلام الخارجي تراخيص عدد من مراسلي وكالات الأنباء والصحافة الأجنبية المرخصين في البلاد.

وفرضت سلطات الأمن رقابة مشددة على مواقع التواصل الاجتماعي، وحقق الأمن مع عدد من الصحافيين، فيما وجهت لبعضهم اتهامات من نيابة أمن الدولة على ما نشروه في صفحاتهم الخاصة على وسائط التواصل الاجتماعي.

تعبئة لموكب «المعتقلين والتعذيب» في الخرطوم... واحتجاز صحافيين
منظمات إقليمية ودولية تطالب مجلس حقوق الإنسان بتحقيق دولي


لندن: مصطفى سري - الخرطوم: «الشرق الأوسط»
عاشت العاصمة السودانية، الخرطوم، يوماً خالياً من المظاهرات، فيما ارتفعت وتيرة التعبئة للمشاركة في «موكب الخميس 7 فبراير (شباط)» الذي دعا له «تجمع المهنيين السودانيين»، تحت لافتة «موكب المعتقلين والتعذيب»، وفي غضون ذلك اعتقلت قوات الأمن صحافيا من داخل الجريدة التي يعمل بها في سابقة غير معهودة، كما استجوبت نيابة أمن الدولة صحافيتين قامتا بوضع منشورات على حساباتهن في مواقع التواصل الاجتماعي. في هذه الأثناء، طالبت منظمات سودانية وأفريقية ودولية، بينها العفو الدولية وناشطون، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى إيفاد بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في السودان.

وفي تطور لافت دعا تجمع المهنيين، سكان المدن والأرياف القريبة من العاصمة للمشاركة في مظاهرة اليوم الخميس التي تحدد موقعها بـ«السوق العربي» بوسط الخرطوم، وحث في بيان صادر عنه، تم تداوله بكثافة، على الخروج من أجل تحسين الأوضاع الحقوقية، ومن أجل الضحايا الذين سقطوا، لأن الوطن للجميع، وليس لمواطني العاصمة فقط. وشدد البيان على أهل الأرياف القريبة من الخرطوم بشمال الجزيرة، والنيل الأبيض، وشمال الخرطوم ونهر النيل، ومدن وأحياء العاصمة بمدنها الثلاث «الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان»، ودعاهم للمشاركة في الاحتجاجات بكثافة، وقال: «تعالوا من أي حتة (مكان) قريبة، وتعالوا بدري مع الموظفين الصباح، تحسباً لأي طارئ ولا تلفتوا الانتباه».

ودعا البيان الموظفين للبقاء في مكاتبهم، لحين صافرة بداية الاحتجاجات، وللقادمين لوسط المدينة التجمع في مجموعات صغيرة داخل مراكز الخدمات والأسواق والمطاعم والحدائق العامة ومواقف المواصلات والجامعات القريبة من «السوق العربي».

وفي السياق، قال شهود إن السلطات الأمنية اعتقلت الصحافي «علي الدالي» من داخل مقر صحيفة «الجريدة» المستقلة التي يعمل بها، ذكروا أن أشخاصاً بثياب مدنية اقتحموا مبنى الصحيفة واقتادوا زميلهم إلى جهة غير معلومة. واستدعت «نيابة أمن الدولة» الصحافيتين شمايل النور ورشان أوشي، وحققت معهما على وضع منشورات على صفحتيهما على «فيسبوك». وقالت الصحافية النور لـ«الشرق الأوسط»، إن النيابة حققت معها، وعرضت عليها صورا لبعض منشوراتها قبل أن تطلق سراحها.

وتمنع أجهزة الأمن الصحافة المحلية من تغطية المظاهرات والاحتجاجات، وتصادر الصحف التي ترفض الاستجابة لتلك التوجيهات بعد طباعتها، ما يضطر صحافيين إلى نشر قصصهم على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل والتراسل. وتقلل الحكومة السودانية من أثر مواقع التواصل الاجتماعي، بيد أنها حجبت «فيسبوك، وواتساب، وتويتر» وغيرها من وسائل التواصل، فيما قال الرئيس عمر البشير في أكثر من مخاطبة جماهيرية إن «حكومته لن يسقطها الواتساب». ويقبع أكثر من 8 صحافيين في معتقلات جهاز الأمن السوداني، اعتقلوا منذ بدء الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن بينهم «عادل إبراهيم كلر، وحسين سعد، وقرشي عوض» وآخرون.

ولم تخرج أمس أي مظاهرات كانت مجدولة، ما جعل المدينة تعيش يوماً خالياً من رائحة وأصوات قنابل الغاز المسيل للدموع، وسحب الدخان، وأصوات الرصاص، على الرغم من بقاء المظاهر الأمنية والحركة المستمرة للقوات في أماكن تفجر الاحتجاجات، التي تم الدعوة فيها للتظاهر. وشهدت أحياء ومدن «بري، والطائف، والحتانة، وخشم القربة» مظاهرات ليلية تلقائية حاشدة لم تكن مجدولة، جاءت بعد فض وقفات احتجاجية نظمها المهنيون من أطباء وصيادلة وأساتذة جامعات ومعلمون ومحامون وخريجو جامعة الخرطوم، ليلة أول من أمس. ومنذ تسلمه تنظيم وتنسيق المظاهرات والاحتجاجات، درج «تجمع المهنييين السودانيين»، على تقديم «جداول مظاهرات» يلتزم بها المواطنون حرفياً، وعادة ما ينظم مظاهرات متفرقة ونوعية في بعض المناطق طوال أيام الأسبوع ليتوجها بمظاهرة مركزية «يوم الخميس» يتم الحشد لها بكثافة وتشهد مشاركة معتبرة من المحتجين، بمواجهة «الترسانة الأمنية» المدججة، التي تحتل المكان المخصص للتجمع قبل وقت كاف للحيلولة دون تجمع المتظاهرين.

ومنذ أكثر من سبعة أسابيع، يشهد السودان موجة مظاهرات ووقفات احتجاجية شعبية، بدأت مطلبية ضد الغلاء وانعدام السلع الرئيسية في بعض المدن، ثم اتسعت لتشمل عددا كبيرا من أنحاء البلاد، وارتفع سقف مطالبها إلى «تنحي الرئيس عمر البشير وحكومته فوراً». ووظفت أجهزة الأمن ترسانة عسكرية كبيرة بمواجهة المحتجين السلميين، قابلتهم بعنف مفرط، مستخدمة الغاز المسيل للدموع والعصي والهراوات والرصاص الحي والمطاطي، ما أدى لمقتل أكثر من 30 متظاهرا بحسب الرواية الرسمية. وذكرت منظمة العفو الدولية في حصيلة قديمة أن أكثر من 40 متظاهرا لقوا حتفهم، بيد أن زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي أكد مقتل أكثر من 50 متظاهرا، فضلاً عن مئات من الجرحى والمصابين، وآلاف الموقوفين والمعتقلين من قادة المعارضة ونشطاء المجتمع المدني.

إلى ذلك، سلمت منظمات سودانية وأفريقية ودولية وناشطون، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مذكرة تطالبه بتشكيل بعثة تقصي حقائق دولية في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في السودان. ودعت المذكرة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، المجلس، الذي يستعد لعقد دورته الأربعين، في الفترة من الخامس والعشرين من فبراير وحتى الثاني والعشرين من مارس (آذار) المقبل، إلى تحمل مسؤولياته في هذا الصدد، وعبر الموقعون عن بالغ قلقهم لما يجري في السودان من انتهاكات لحقوق الإنسان. وأضافت المذكرة: «نحثكم على التصدي لحملة القمع التي تشنها الحكومة السودانية على المتظاهرين السلميين وانتهاكاتها الجارية لحقوق الإنسان منذ الثالث عشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي». وأشار الموقعون إلى أن حكومة الرئيس عمر البشير واجهت المظاهرات بإطلاق الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي على حشود من المتظاهرين السلميين، مما أسفر عن مقتل أكثر من (50) مدنياً، غير أن الحكومة تعترف بمقتل (30) شخصاً، وأنها شكلت لجنة تحقيق بشأن ذلك.

ووصفت المذكرة أن الهجمات كانت منظمة وواسعة النطاق على المدنيين، والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية سواء في سياق الاحتجاجات الشعبية أو النزاعات المتعددة التي تشن ضد السكان في مناطق هامشية معينة من السودان. وقالت المذكرة إن «السودان واحد من البلدان القليلة الخاضعة لنظام الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان منذ عام 1993 ولتحقيق المحكمة الجنائية الدولية ولنظام عقوبات للأمم المتحدة المتعلق بحقوق الإنسان وبالقانون الإنساني»، وشددت على ضرورة منع المزيد من التصعيد وأن يلعب مجلس حقوق الإنسان دوراً مهماً في المساهمة في منع انتهاكات حقوق الإنسان وفق القرار (38 - 18).

ومن أبرز المنظمات التي وقعت على المذكرة «أعمل من أجل السودان»، والعفو الدولية، والمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، ومركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني، وهيئة محامي دارفور، ومشروع المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، ومركز هودو، والمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي، والمجموعة السودانية للديمقراطية أولا، والشبكة العربية لإعلام الأزمات، والتحالف العربي من أجل السودان.

وحث الموقعون على الحق الأصيل للسودانيين في الحياة الكريمة وعدم التعرض للتعذيب والمعاملة المهينة، وحقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي بما في ذلك حرية الإعلام، كما حث الموقعون المجلس على دعوة الحكومة للكف عن استخدام القوة المميتة والمفرطة ضد المحتجين السلميين، وإطلاق سراح جميع المحتجزين وضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة للمتهمين.