التاريخ: شباط ٦, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
السراج ينتقد عملية حفتر في جنوب ليبيا
رئيس تحالف القوى الوطنية: انتشار السلاح هو العائق الرئيس أمام قيام الدولة
القاهرة: خالد محمود
استغل فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، أمس، مناسبة إعلان بعثة الأمم المتحدة عن تدشين خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي في ليبيا بقيمة 202 مليون دولار أميركي، لإعادة تأكيده على أن «خيار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هو الحل الوحيد للانتقال إلى مرحلة مستقرة دائمة، تحسم الخلاف حول الشرعيات»، مشيراً إلى أنه «لن يسمح بأن يصبح الجنوب ساحة لتصفية الحسابات السياسية».

وأطلقت أمس بعثة الأمم لمتحدة لدى ليبيا، بتعاون مع حكومة السراج من طرابلس، خطة الاستجابة الإنسانية 2019 لليبيا، وأوضحت في بيان لها أن الخطة تتطلب 202 مليون دولار أميركي لتغطية المساعدات الإنسانية الملحة لنحو 552000 شخص يعيشون في ليبيا، بما في ذلك المساعدة الصحية والحماية والمياه والمأوى.

وشارك السراج في أعمال الاجتماع الخاص بإطلاق هذه الخطة، بحضور رئيس البعثة الأممية غسان سلامة، ومنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ماريا ريبيرو، بالإضافة إلى عدة وزراء وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية والهيئات الدولية المعتمدة في ليبيا.

ورأى السراج في كلمة له خلال الاجتماع أن خطة الاستجابة الإنسانية لهذا العام ستتيح الوصول إلى تجمعات كبيرة من السكان بمختلف مناطق ليبيا، وتقديم الاحتياجات والخدمات الأساسية لهم، داعياً إلى تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة إلى الجنوب إلى برامج لإعادة الإعمار. كما طالب وفقاً لبيان أصدره مكتبه أمس بأن تركز خطة الاستجابة بقدر كبير على المنطقة الجنوبية، استكمالاً لما بدأ تنفيذه في إطار الحملة الوطنية لإنقاذ الجنوب الليبي، والمخصص لها مبدئياً مليار دينار، معتبراً أن ما تعرض له الجنوب وما يمر به حالياً «يدعو إلى تكاتف جميع الجهود لإخراجه من محنته».

ورأى السراج في انتقاد ضمني لعملية الجيش في الجنوب، أنه «لن يسمح بأن يصبح الجنوب ساحة لتصفية الحسابات السياسية، أو مدخلاً للفتنة بين المكونات، التي تشكل نسيجه الاجتماعي»، مؤكداً أنه «لن يكون هناك حل عسكري للأزمة الراهنة».

بدوره، أكد المبعوث الأممي غسان سلامة على أهمية الإصلاحات الاقتصادية التي اعتمدتها حكومة السراج، وأدت إلى ما وصفه بتحسن ملحوظ في الظروف المعيشية، داعياً إلى استكمال برنامج الإصلاح، ليقوم القطاعان الخاص والعام بدورهما في الاستغلال الأمثل للإمكانات لإنعاش الاقتصاد، وقال: «إننا نعمل إلى جانب الحكومة، وندعم جهودها وليس بديلاً عنها»، مؤكداً إصرار البعثة الأممية على القيام بما فوّضها به المجتمع الدولي للخروج من الانسداد السياسي.

إلى ذلك، دخلت المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة السراج على خط العملية العسكرية، التي دشّنتها قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر في الجنوب؛ حيث اعتبرت أمس في بيان لها أن الاشتباكات، التي تشهدها منطقتا غدوة ومرزق بالمنطقة الجنوبية، تهدف إلى فرض ما وصفته بسياسة الأمر الواقع، وإجهاض الحلول السياسية المرتقبة.

من جهة ثانية و في حلقة جديدة من مسلسل التورط التركي في تمويل الإرهاب في ليبيا، نجحت السلطات الجمركية بميناء الخمس (غرب ليبيا)، أمس، في مصادرة شحنة مدرعات وعربات مصفحة ورباعية الدفع قادمة من تركيا، حسبما أوردته قناة «سكاي نيوز عربية»، أمس.

وتتكون الشحنة التركية المضبوطة من 9 سيارات هجومية كاملة التصفيح من نوع «تويوتا سيراليون»، ومدرعات قتالية صنعت في تركيا، وتم ضبطها بعد ورود بلاغ من جهات الاختصاص بالتحري عن الواردات المشبوهة للموانئ الليبية. ووصلت هذه الشحنة من ميناء تركي، دون أي وثائق للجهة الموردة أو المتسلمة، ولا حتى اسم الميناء المنطلقة منه الشحنة المهربة. ورغم أن المصادر الأمنية الرسمية بالميناء الليبي لم تكشف عن مزيد من التفاصيل، فإن مصادر أمنية في المدينة أكدت أن الشحنة استجلبت بواسطة شركة تدعى «التواصل»، وهي «مجهولة الإدارة، ولديها مقرات في تركيا وطرابلس ومصراتة».

جبريل: حضور جميع الأطراف الفاعلة ضروري لإنجاح الملتقى الليبي
رئيس تحالف القوى الوطنية قال لـ«الشرق الأوسط» إن انتشار السلاح هو العائق الرئيس أمام قيام الدولة

القاهرة: جمال جوهر
دعا الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي السابق في ليبيا ورئيس تحالف القوى الوطنية، إلى ضرورة حضور جميع الأطراف الفاعلة على الأرض الملتقى الوطني الجامع، الذي تعدّ له البعثة الأممية في البلاد للانتقال إلى الانتخابات الرئاسية والنيابية، ومن بينهم الجيش الوطني، والمسلحون وبعض أتباع النظام السابق، وشيوخ القبائل الكبيرة، مطالباً بـ«الاستماع لقادة الميليشيات المسلحة، الذين يقبلون إلقاء السلاح»، وقال إن «هؤلاء هم سلطة الأمر الواقع، ويُستقبلون الآن في بعض الدول».

وأضاف جبريل في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن «المؤتمر المرتقب لا بد أن يناقش رؤية ليبية واضحة، بحيث لا نكرر ما حدث في اتفاق الصخيرات (وقّع في المغرب في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015). لقد ذهب الجميع إلى هناك كمستمعين فقط، والذي وقّع على أوراق الاتفاق السياسي هو بيرناردينو ليون، المبعوث الأممي الأسبق».

وأبرز جبريل أن مجموعة من السياسيين طلبوا منه التوقيع على بيان يدعو المبعوث الأممي غسان سلامة إلى ضرورة عقد الملتقى الجامع في الأول من مارس (آذار) المقبل، لكنه قال إنه «كان على الموقعين على البيان عدم تحديد موعد للمؤتمر، وأن يطالبوا بعقده في أقرب وقت ممكن». وتابع موضحا: «أنا أؤيد انعقاد المؤتمر سريعاً. لكننا لا نعلم الظروف التي ستمر بها البلاد مطلع مارس... ويجب تمثيل جميع الأطراف الفاعلة في الملتقى، بما فيهم السياسيون، غير أن من أصدروا البيان اكتفوا فقط بدعوة عمداء البلديات».

ورسم جبريل صورة واقعية للأوضاع على الأرض، حيث تحدث عن ثلاثية السلاح، والمُسلح، والجيش، وقال: «إنهم القوة الفعلية على الأرض... لكن عندما تقول لي إن الملتقى سيحضره سياسيون واجتماعيون، فهذه القضية فيها وجهة نظر».

واتفق جبريل في هذا السياق مع ما سبق أن تحدث عنه المبعوث الأممي، بقوله «ليس انعقاد الملتقى الجامع من أجل الانعقاد فقط، ولكن يجب التطرق إلى معايير معينة، وفق منهجية متفق عليها، ومن الذين سيحضرون، وماذا سيناقشون؟... هذه هي الشروط التي سبق أن طالبنا بها قبل اتفاق الصخيرات المَعيب».

وبخصوص موقفه من نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، قال جبريل إن «بعض أتباع هذا النظام الذين يتحدثون عن إعادة بناء الدولة، والتداول السلمي للسلطة، ويتحدثون أيضا عن عدم الإقصاء ولجهة المستقبل، لا بد أن يكونوا جزءاً من هذا التجمع المرتقب». موضحا أن المسلح الذي يعنيه «هو من يقبل أن يلقي السلاح ليكون جزءاً من بناء الدولة القادمة... فهؤلاء يبحثون عن شروط إلقاء السلاح، ويقبلون بالتفاوض. لكنهم يبحثون عن الشروط التي يتخلون بمقتضاها عن السلاح، لكن لم يحدث معهم تفاوض»، مستدركاً: «للأسف أصبح كثير من قادة هذه التشكيلات المسلحة هم سلطة الأمر الواقع، ويستقبلون الآن في بعض الدول، ويتم التعامل معهم... وتعقد معهم اتفاقات، فمن باب أولى أن يجلس الليبيون أنفسهم معهم، ويستمعوا إليهم، ويعرفوا ما هي شروطهم لإلقاء السلاح»، مبرزا أنه «طالما وجد السلاح على الأرض، وظلت التشكيلات المسلحة خارج الجيش والشرطة، فلن تقوم دولة ليبية على الإطلاق، ويبقى انتشار السلاح العائق الرئيسي أمام قيام الدولة، وما لم تحل هذه المعضلة فنحن نضيّع الوقت».

وشدد جبريل على ضرورة الجلوس مع قادة الميلشيات، بقوله «هؤلاء لديهم مخاوف، ومراكز نفوذ ومصالح قائمة، ويريدون الحفاظ عليها، وبالتالي فإن التفاوض معهم لا بد أن يتم من منظور كيف يكون هؤلاء الناس بناة للدولة الجديدة، وليس عائقاً في طريقها».

وفي معرض حديثه عن الأطراف الفاعلة على الأرض، وصف جبريل حديث سلامة بأن انعقاد الملتقى سيتطلب تفاهماً على مستوى عال بين الأطراف الفاعلة بـ«العاقل»، وقال: «نحن لا نريد أن نعقد اتفاقاً، ثم يأتي أحد ما يمثل قوة على الأرض وينسفه في لحظة».

ومنذ عدة أشهر بدأت البعثة الأممية لدى ليبيا تجري جلسات استماع ضمن فعاليات الملتقى الوطني في أنحاء مختلفة من البلاد، قبيل انعقاد الملتقى الجامع، الذي تعد له البعثة للأممية، والذي ستدعو له أطرافا كثيرة من «المهمشين وأنصار النظام السابق».

وحول ما إذا كان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قوة فاعلة، ضرب جبريل مثلاً بالاشتباكات الأخيرة في العاصمة طرابلس، وقال: «هل كان للمجلس الرئاسي على هذه المعارك أي سيطرة وتحكم، أو مجلس النواب أو مجلس الدولة؟... إطلاقاً. والنتيجة أن هناك مواطنين يموتون بسبب اندلاع هذه الاشتباكات، التي تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة».

وبخصوص أزمة الأموال الليبية قال جبريل إن «مال ليبيا ينهب جهارا نهارا، فهناك أموال تصرف تحت بند تشكيلات مسلحة، وللأسف ما دمنا لم نحل مشكلة التشكيلات المسلحة فلن يستطيع أي شخص يتولى رئاسة الوزراء فعل أي شيء...نحن فقط سنغير الرهائن... ففي السابق كان الرهين على زيدان، وعبد الرحيم الكيب (في إشارة إلى رئيسي الحكومتين السابقتين)، وبعد ذلك كان الرهين عبد الله الثني (رئيس الحكومة المؤقتة الحالي التابع لبرلمان شرق ليبيا)، ثم الرهين السراج».

وبخصوص مطالبة نحو مائة شخصية ليبية المبعوث الأممي سلامة بعقد المؤتمر الوطني الجامع مطلع مارس المقبل و«تحصينه من المفسدين»، قال جبريل إن «المفسد الحقيقي هو من لا يريد لم الشمل، أو لا يريد حل الأزمة الليبية ليستفيد من سفك الدماء وإهدار الأموال وتأخير إعادة بناء الدولة».

ودافع جبريل عن المبعوث الأممي بعد الهجوم عليه من أنصار الجيش الوطني في شرق ليبيا، وقال: «هذه الهجمة ترجع إلى الإحاطة التي تقدم بها المبعوث الأممي إلى مجلس الأمن، والتي أسيئ فهمها ربما، رغم أنه أعاد تصحيح الأمر»، ومضى يقول: «مشكلة الدكتور غسان أن كل واحد من الأطراف المتنافسة أو المتصارعة يريده بجانبه، لكن بحكم مسؤوليته فإنه لا يجوز أن يكون بجوار طرف ما لأنه ينظر لكل الأطراف في البلاد على أنها في عملية صراعية، واهتمامه هو أن يحل الأزمة المعني بها... فهو لا ينظر إلى هذا على أنه شرقي، أو غير شرقي».

وأضاف جبريل موضحا: «للأسف نحن في ليبيا ننظر للمبعوث الأممي على أنه إذا لم يتحدث عني بكلام طيب دائما فهو ضدي، والمفروض أنه لا يقول كلاماً طيباً في حق أحد لأنه لا بد أن يبقى على الحياد». مبرزا أن «طبيعة غسان سلامة، والمبعوث الأممي عموماً تظل غير مفهومة لجميع أطراف الصراع في المشهد السياسي بشكلها الصحيح، لأنه ينظر إليهم جميعا على أنهم أطراف في عملية صراع، ولا ينظر إليهم على أنهم شرقي أو غير شرقي»، في (إشارة إلى شرق ليبيا).

وحول موقفه من اتفاق الصخيرات، قال جبريل، إنه «اتفاق معيب بشكل جذري، عمق الأزمة في البلاد، وزاد من مشكلة الليبيين... ولو نقارن بين ديسمبر (كانون الأول) 2015 وفبراير (شباط) 2019 ونشاهد الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وكمية الأموال التي نهبت، فإنه سيتبين لنا حقيقة الصخيرات».

ومضى جبريل يقول: «طرابلس ليس بها سيارة تجمع القمامة من الشوارع، وديوان المحاسبة في تقريره الأخير قال إنه تم إهدار 270 مليار في الخمس سنوات الماضية»، وزاد متسائلا: «من يحاسب على هذه الجرائم؟... إذا كان هناك متهمون فهل هناك دولة تستطيع محاكمة هؤلاء بأنه ليس لدينا دولة؟... إن هذا هو نتاج التشخيص الخاطئ لبيرناردينو ليون في اتفاق الصخيرات»، واستدرك قائلا: «كان يظن أن في ليبيا صراع سياسي، بينما كان الخلاف على الموارد المالية في ظل عدم وجود دولة».

وذهب جبريل إلى أن «تركيبة البلاد قبلية، وينتشر فيها السلاح وفيها أموال كثيرة، وأجواء الحرب الأهلية متوفرة، لكن السيد بيرناردينو كان يتعامل على أن هؤلاء أطراف تتصارع سياسيا حول من يحكم ومن يقصي من، في ظل وجود دولة. لكن الدولة كانت غير موجودة كي نتصارع في ظلها!».

وانتهى جبريل قائلا: «دائما نقول نشكل حكومة قبل أن نقول ماذا ستقدم الحكومة... وما دمنا نتحدث في (من) قبل (ماذا) فإن المشكلة تبقى مستمرة».