التاريخ: شباط ٥, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
البابا وشيخ الأزهر يرسمان درب العيش المشترك
أبو ظبي - موناليزا فريحة
اختزل مشهد دخول البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، يتوسطهما نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ممسكاً بيديهما، الى مؤتمر الأخوة الانسانية، الكثير من دلالات زيارة البابا الأولى لشبه الجزيرة العربية: مسيحي ومسلم يسيران جنباً الى جنب وبينهما نائب رئيس الامارات، التي أشاد بها البابا "تقاطعاً هاماً بين الشرق والغرب".

وما فات هذا المشهد من رسائل، عاد الحبر الأعظم ليشدّد عليها في كلمته، داعياً الى حماية "الحرية الدينية" في الشرق الاوسط، وإلى منح سكان المنطقة من مختلف الديانات "حق المواطنة نفسه"، مندداً بقوة بالعنف الذي يرتكب باسم الدين. وكما في كل حدث كبير، أبرز ضرورة وقف الحروب، بما فيها النزاعان اليمني والسوري، والتصدي لـ"سباق التسلح" و"بناء الجدران".

ولم تكن الرسائل التي وجهها شيخ الأزهر في كلمته بعيدة من هواجس البابا، إذ أكد أن المسيحيين هم جزء من هذا الشرق، وحضهم على الكفّ عن اعتبار أنفسهم أقلية، داعياً المسلمين في الشرق الأوسط إلى احتضانهم والمسلمين في الغرب إلى الاندماج في دولهم المضيفة واحترام القوانين المحلية.

ووقع فرنسيس والطيب في ختام اللقاء "وثيقـة الأخــوة الإنســانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" وهي تهدف الى “تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء الجسور بين الشعوب والتصدي للتطرف"، وتتعهد نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فورا لإيقاف سيل الدماء البريئة، ووقف ما يشهده العالم حاليا من حروب وصراعات وتراجع مناخي وانحدار ثقافي وأخلاقي.

وخلال مراسم التوقيع، أعلن الشيخ محمد بن راشد إطلاق الإمارات "جائزة الأخوة الإنسانية – من دار زايد"، التي ستكرم في كل دورة منها شخصيات ومؤسسات عالمية، "بذلت جهودًا صادقة في تقريب الناس بعضها من البعض". وقال إن الجائزة في دورتها الأولى تمنح للبابا و شيخ الأزهر "لجهودهما المباركة في نشر السلام بالعالم".

استقبال رسمي مهيب

وبدأ البابا اليوم الثاني من زيارته التاريخية للإمارات، باستقبال رسمي مهيب أقيم له في القصر الرئاسي المترامي الاطراف. فمع أن الحبر الأعظم الميال الى التواضع وصل في سيارة "كيا" صغيرة، واكبته جواً مقاتلات تابعة للقوات الجوية الإماراتية نفثت دخاناً باللونين الأصفر والأبيض، لوني علم الفاتيكان. وعلى الارض واكبه نحو 12 من الحرس الإماراتي وهم يمتطون الجياد ويرفعون علمي الفاتيكان والامارات. ويحجم البابا عن ركوب السيارات المصفحة أو الليموزين منذ اعتلائه السدة البطرسية.

ونقلت قناة "أبوظبي" صوراً جوية لوصول موكب البابا بدا فيها القصر الرئاسي أشبه بمتاهة من المباني والحدائق والنوافير. وهناك كان في استقباله ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد.

وبين الاستقبال الرسمي و"لقاء الاخوة" كانت للحبر الأعظم محطة في مسجد الشيخ زايد حيث زار مجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر، وهي الزيارة الاولى من نوعها واعتبرت دليلاً اضافياً على الالتزام المشترك للجانبين لتوثيق العلاقات، والحوار المنفتح.

الصحراء التي ازدهرت

وفي كلمته في "لقاء الأخوة" التي تابعها بطاركة وأئمة وحاخامون وقساوسة في صرح زايد المؤسس المهيب، والملايين حول العالم عبر شاشات، أبدى البابا اعجابه بالخطوات الجبارة التي قامت بها الامارات "بفضل بعد النظر والحكمة" لتحويل الصحراء الى مكان مزدهر ومضياف، ومكان للقاء بين الثقافات والديانات". وقال إن "هذا البلد الذي تعانق فيه الرمال ناطحات السحاب يبقى تقاطعاً هاماً بين الشرق والغرب، بين شمال الأرض وجنوبها، يبقى مكاناً للنمو حيث الفسحات التي لم تكن مأهولة في السابق تقدم اليوم فرص عمل لأشخاص من أمم مختلفة ولقد أزهرت الصحراء هنا ليس فقط لأيام قليلة في السنة إنما لسنوات كثيرة في المستقبل".

وأشاد خصوصاً بالاستثمار الذي تقوم به أبو ظبي في تربيه الشبيبة "لا في استخراج موارد الارض فحسب". كما أشاد بالامال التي توفرها هذه الدولة لأشخاص كثيرين ينتمون إلى شعوب وثقافات ومعتقدات مختلفة، "ومن هؤلاء العديد من المسيحيين، الذين يعود وجودهم في المنطقة إلى القرون الغابرة، وقد وجدوا فرصاً وقدموا إسهاماً هاماً في نمو البلاد ورخائها"، لافتاً الى الاحترام والتسامح اللذين يلقونهما، كما الى دور العبادة الضرورية من أجل الصلاة، ولتي تتيح لهم النضج روحياً بشكل يعود بالفائدة على المجتمع بأسره. وشجع على الاستمرار في هذه الدرب، "كي يتمكن المقيمون والزوار من الاحتفاظ، ليس فقط بصورة الأعمال العظيمة التي أقيمت في الصحراء، إنما أيضا بصورة أمة تقبل وتعانق الجميع".

وندد البابا بكل أشكال العنف، قائلاً خصوصاً وليس لأحد "استخدام الأديان في تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب الأعمى ... أو استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والتشريد والإرهاب والبطش".

وحمل بشدة على سباق التسلح، وتمديد مناطق النفوذ، والسياسات العدائية، على حساب الآخرين. وحذر من أن الحرب لا تولّد سوى البؤس، والأسلحة لا تولّد سوى الموت! وقال: "أفكر بنوع خاص في اليمن وسوريا والعراق وليبيا"، داعياً الى التزام جماعي كأخوة في العائلة البشرية الواحدة ضد منطق القوة المسلحة...ضد التسلح على الحدود وبناء الجدران وخنق أصوات الفقراء". وختم: " لا تستسلموا أمام طوفان العنف، وأمام تصحر الغيرية. والله هو مع الإنسان الذي يبحث عن السلام. ومن السماء يبارك كل خطوة تتخذ على الأرض في هذا الاتجاه".

ويختتم البابا اليوم زيارته للإمارات بقداس يرأسه في مدينة زايد الرياضية، يتوقع أن يحضره أكثر من 120 ألف شخص، على أن يزور قبل القداس كاتدرائية مار يوسف في أبو ظبي.