التاريخ: شباط ٥, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
"حرب الحليفين" تتصاعد ونصرالله يهدئ ويطمئن!
بكثير من الغرابة والدلالات السلبية بدت "حرب الحليفين" رئيس الوزراء سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في انفجارها واستعارها وتصعيدها بمواكبة ولادة الحكومة بمثابة انتكاسة سياسية خطيرة من شأنها ان ترتب خسائر مجانية جديدة على ما تبقى من تحالف القوى السيادية من جهة وحجب ما يمكن توظيفه من ايجابيات في الحدث الحكومي من جهة أخرى. ومع ذلك بدت السرعة التي طبعت عمل اللجنة الوزارية المكلفة صياغة البيان الوزاري للحكومة مؤشراً للتوافق السياسي الواسع على اختصار الوقت واستكمال اجراءات اقرار البيان بسرعة قياسية بما يتيح مثول الحكومة أمام مجلس النواب في جلسة مناقشة البيان والتصويت على الثقة في موعد قريب جداً.

وكما توقٌع عدد من الوزراء الأعضاء في لجنة صياغة البيان الوزاري انجاز دراسة البيان في أسرع ما يمكن، باعتباره نسخة منقحة عن البيان الوزاري للحكومة السابقة، أنهت اللجنة برئاسة الرئيس الحريري امس في جوّ من النقاش الهادئ، المقدمة السياسية لـ"حكومة الوفاق الوطني"، والجزء المتعلق بالسياسة الاقتصادية والبنود الإصلاحية وتلك المتعلقة بمؤتمر "سيدر"، وبالمالية العامة.

وتعود اللجنة في الثانية بعد ظهر اليوم لاستكمال مناقشة ما تبقى من مسودة البيان الوزاري، بما فيها البنود المتعلقة بسياسة النأي بالنفس والمقاومة، والتزام تطبيق الطائف، وغيرها من البنود السياسية.

وأوضح وزير الاعلام جمال الجراح بعد الاجتماع الذي استمر نحو اربع ساعات، ان الفقرة المتعلقة بسوريا ستكون موضع بحث في اجتماع اليوم. كما أوضح ان نقاشاً دار في اللجنة حول موضوع الكهرباء وطلب تنفيذ المشاريع ووضع مواعيد واقعية للتنفيذ.

وأكد الجراح أنه "لم يكن من بنود خلافية اطلاقاً في هذه الجلسة، وخصوصا القضايا القطاعية والانتاجية والاقتصادية، وموضوع الكهرباء وتخفيف عجز الموازنة والانطلاق برؤية اقتصادية جديدة تحفّز على النمو وتخفف العجز وبالتالي تؤدي الى استقرار مالي ونقدي وتقارب المواضيع الاقتصادية، التي كما قال الرئيس الحريري قد آن الاوان لمقاربة جريئة وصريحة وواضحة وسريعة بشأنها".

واتفق الرئيس الحريري مع أعضاء اللجنة الذين يمثلون كل المكونات السياسية في الحكومة، على ان من لديه اعتراض أو تحفظ يمكنه ان يسجله في مجلس الوزراء عند إقرار البيان الوزاري لإحالته على مجلس النواب، تماماً كما جرى عند إقرار بيان الحكومة السابقة.

وأقرت اللجنة البنود الاقتصادية والإصلاحية، بعدما ادخلت عليها تعديلات، منها حذف الأرقام المالية التي كانت موزعة سلفاً على قطاعات محددة في اطار تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر"، على ان يعاد درسها بتأنً، وعلى ان تكون على مرحلتين تمتد كل منهما على اربع سنوات. ونتيجة اعتراض الوزيرين "القواتيين" كميل ابو سليمان ومي شدياق، حذف السقف الزمني الذي كان محدداً بسنة، لتأمين الكهرباء ٢٤/٢٤، وذلك لابعاد الضغط عن القطاع الخاص، ولقطع الطريق على اَي مبررات للصفقات، وليكون الهامش الزمني مريحاً لإنشاء المعامل وإقامة تمديداتها اللوجستية، وكي لا تشكل هذه المهلة خيبة جديدة للناس بوعد قد لا يتحقق في مهلة سنة.

ووزّع البيان الوزاري في نسخته الأولى الـ17 مليار دولار التي رصدت في مؤتمر "سيدر" على القطاعات والوزارات، فاعترض كل من وزراء "القوات" و"امل" و"حزب الله" على هذا الموضوع وأصروا على عدم ذكر أية ارقام وعدم تفصيلها وتوزيعها على القطاعات، كما أصروا على خفض مدة تنفيذ هذه الاستثمارات على مرحلتين من 12 سنة الى ثماني سنوات. وطالب الوزير كميل أبو سليمان بوضع رقم محدد في الموازنة لخفض العجز وهو بمقدار 1 مليار دولار حداً أدنى والعمل على التزامه، خصوصاً أن البيان الوزاري جاء على ذكر خفض العجز بنسبة 1% فقط بالنسبة للناتج المحلي، واصر أبو سليمان على أن تصبح العبارة بما لا يقل عن 1 في المئة. وأنهت اللجنة مناقشة البنود المتعلقة بالبيئة والصرف الصحي والاتصالات، وصولاً الى البنود المتعلقة بالمالية العامة.

المواجهة

في المقابل، تصاعدت المواجهة الكلامية بين الرئيس الحريري والزعيم الجنبلاطي على نحو حاد ومباشر منذرة ببلوغ العلاقة بينهما مستوى غير مسبوق من التدهور والقطيعة. ومضى جنبلاط في تسديد سهام الانتقادالى الحكومة والى الرئيس الحريري ضمناً، فغرد قبل ظهر أمس: "اول بند في مشروع البيان الوزاري المقترح هو الاستثمار العام وخلاصته استدانة ١٧مليار دولار. يكفي ان يتصدر هذا البند الاولويات كي يتبين الى أي هوة نحن سائرون. لم يعد هناك الحد الادنى من الحياء لجشعهم. اعماهم المال والحكم".

ورد عليه الرئيس الحريري: "الدولة ليست ملكاً لنا حتماً، لكنها ليست مشاعاً مباحاً لأي زعيم أو حزب. مشروعنا واضح هدفه انقاذ الدولة من الضياع واحالة حراس الهدر على التقاعد. التغريد على التويتر لا يصنع سياسة... انها ساعة تخلي عن السياسة لمصلحة الاضطراب في الحسابات. هيك... مش هيك؟".

واتبع جنبلاط تغريدته الاولى بثانية جاء فيها: "لا يا صاحب الجلالة الدولة ليست ملكا لكم او لزميلكم.والدولة ليست دفتر شروط لتلزيمها بالمطلق للقطاع الخاص وفق فلسفة وزير الاتصالات وكما فعل بعض الوزراء وباعوا المصفاة ودير عمار.وقبل توظيف مال اضافي في الكهرباء اياكم وزيادة التعرفة. حصلوا الهدر في الجباية ويقدر بالاربعين في المئة ".

وكان الرئيس الحريري أعلن "انه اتخذ قراراً بالعمل ليل نهار لتعويض المرحلة السابقة الطويلة التي استغرقتها عملية تشكيل الحكومة " وقال: "من يريد ان يقف ويعطل عملية الانتاج فعليه ان يزيح من الطريق واذا لم يفعل فانا مستمر ولو اصطدمت باي كان". ولفت في احتفال أقيم في السرايا تكريما للامين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء سعدالله حمد وعدد من الموظفين في مناسبة احالتهم على التقاعد، الى "اننا لم نبدأ العمل بعد ومع ذلك بدأت المهاترات السياسية"، ملاحظاً ان "المواطن اللبناني قرف من هذه المهاترات وقرف من سماع رأي حزب بحزب آخر"، موضحاً "اننا اذا لم نعمل بفاعلية وننتج ونحقق مطالب الناس ونحلّ مشاكلهم سنذهب كلنا الى بيوتنا".

نصرالله

وسط هذه المواجهة المتصاعدة، برزت نبرة التهدئة "والتطمين" في أولى اطلالات الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد تشكيل الحكومة والتي حرص فيها على تبديد الشكوك والرد على الاتهامات الاميركية في شأن تولي وزير مؤيد للحزب وزارة الصحة.

واذ دعا الى "الهدوء في هذه الفترة بعد تشكيل الحكومة، والابتعاد عن السجالات الاعلامية، وتهدئة المناخ السياسي"، قال إن "أمام الحكومة استحقاقات كبيرة، وفي الوقت نفسه على القوى السياسية الاعتراف ببعض المخاوف ونقاط القلق المطروحة عند بعد الافرقاء في الداخل، وهذه النقاط ليست عند فريق واحد ". وحدد الأولويات وعلى رأسها "الوضع الاقتصادي، ومكافحة الفساد والهدر المالي".

وتمنى على "الشركاء في الحكومة الهدوء والتعاون لإقرار المشاريع التي تهمّ الناس، فالامور في الحكومة مفتوحة ولا تخضع لأقلية وأكثرية ولثلث معطل، وقد تلتقي الافكار وقد تتعارض بين الجميع". وانتقد التحذيرات الاميركية من تولي "حزب الله" وزارة الصحة، مؤكداً عدم تعيين وزير حزبي في وزارة الصحة وقال: "مال الدولة للدولة ولا يجوز شرعا التصرف بأموال الدولة خارج إطار ما يسمح به القانون، وهذا الموضوع محسوم في وزارة الصحة وغيرها، وبالتالي نحن لدينا ضمانات إضافية فلا يقلق الآخرون، وهذه الوزارة كل مالها وما ينفق فيها سيكون مفتوحا للجميع، وسنتعاطى بأقصى شفافية ممكنة".