التاريخ: كانون ثاني ٣٠, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
نصر الله يهدئ مع إسرائيل رداً على التهديدات... ومهادنته لا تنسحب على تشكيل الحكومة
مصادر لبنانية تقلل من لائحة دمشق لـ{الإرهاب»
بيروت: محمد شقير
يقول دبلوماسي غربي في بيروت، في معرض تعليقه على ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في إطلالته المتلفزة الأخيرة في ملف الصراع مع إسرائيل، إنه (نصر الله) أحسَنَ تدوير الزوايا، خصوصاً في تناوله استمرار إسرائيل في بناء الجدران على الحدود الجنوبية، والأنفاق التي تربط المنطقة الحدودية مع بعض مناطق الداخل في إسرائيل. ويؤكد الدبلوماسي أن تعاطي نصر الله الهادئ كان «استجابة للتحذيرات الدولية من احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم، التي وصلت إليه من خلال قنوات دبلوماسية دولية وعربية كانت قد أحيطت علماً بوجود نية لدى تل أبيب لاستهداف لبنان».

ويكشف الدبلوماسي الغربي لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي يستعد لخوض الانتخابات النيابية المبكرة يحاول من خلال شن هجوم على بعض المناطق اللبنانية تحسين فرصه في الانتخابات، لضمان عودته على رأس الحكومة، ويقول إنه يصنف ما صدر عن نصر الله في مقابلته على أنه يساوي «صفر تصعيد»، وإن كان قد بادر إلى محاكاة جمهوره بأن الحزب لم يعد في حاجة إلى نقل صواريخ دقيقة إلى لبنان لأن لديه الكمية الكافية التي تتيح له الرد على أي عدوان، لكنه يلاحظ أن تطرق نصر الله إلى الأنفاق والصواريخ الدقيقة جاء تحت سقف التهدئة، وفي معرض الدفاع عن النفس، وإلا لما تحدّث عن عدم رغبته في تغيير قواعد الاشتباك، شرط ألا تبادر إسرائيل إلى تغييرها.

ويرى الدبلوماسي الغربي نفسه أن نصر الله أراد أن يتوجّه بخطاب هادئ إلى المجتمع الدولي، بقوله إنه يقف وراء الجيش اللبناني في تعامله مع الجدران التي تبنيها إسرائيل، وإن القرار يعود له، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النقاط الحدودية المتنازع عليها مع إسرائيل. وهذا الموقف يصدر عنه للمرة الأولى. حتى أن نصر الله في تناوله ملف الأنفاق، أراد أن يترك الباب مفتوحاً أمام الاجتهاد، بقوله إن هذه الأنفاق وُجدت قبل عدوان حرب يوليو (تموز) عام 2006، وأيضاً قبل القرار الدولي 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، من دون أن ينفي أو يؤكد أن بعضها يعود إلى ما بعد هذين التاريخين.

كما أن نصر الله - بحسب الدبلوماسي الغربي - أراد توجيه رسالة إلى الداخل في لبنان، بأنه على استعداد للبحث في الاستراتيجية الدفاعية من دون شروط مسبقة، ويضيف: إن «حزب الله» والدولة اللبنانية أُحيطا علماً باحتمال قيام إسرائيل بشن عدوان على لبنان، وهذا ما أبلغه نتنياهو إلى كبار المسؤولين في سلطنة عمان، الذين نقلوا بدورهم هذا التحذير إلى إيران والمعنيين في لبنان، ويؤكد أن باريس أُحيطت علماً بالتحذيرات الإسرائيلية، باعتبار أنها العاصمة الأوروبية المؤهّلة أكثر من غيرها للتواصل مع طهران و«حزب الله» الذي يلتقي مسؤولون فيه باستمرار كبار الدبلوماسيين في السفارة الفرنسية في بيروت.

لذلك أراد «حزب الله» تعميم رسالة إلى الخارج المعني بالوضع اللبناني، خلاصتها أنه مع تحقيق فك اشتباك، وأنه لن يضع نفسه في موقع الخلاف مع المجتمع الدولي الذي يحرص على تثبيت الاستقرار في لبنان، ومساعدته للنهوض اقتصادياً.

إلا أن قرار «حزب الله» الدخول في مهادنة مع المجتمع الدولي، آخذاً على نفسه تجنُّب التطرُّق إلى العقوبات المفروضة عليه أوروبياً وأميركياً، كما بدا مما قاله نصر الله في مقابلته المتلفزة، يرجع إلى أن التحذيرات جاءته هذه المرة من باريس التي تُعتبر في عداد العواصم الأوروبية الأقل صداماً معه، والتي كانت تترك لنفسها هامشاً للتواصل مع إيران وحليفها «حزب الله».

وعليه، فإن المهادنة التي اتسمت بها مواقف نصر الله جنوباً لم تنسحب على ملف تشكيل الحكومة، كما تقول مصادر مواكبة لمشاورات اللحظة الأخيرة التي يقوم بها الرئيس المكلف سعد الحريري، قبل أن «يبق البحصة» في نهاية هذا الأسبوع، إذا تأخرت ولادة الحكومة.

فالحزب - بحسب هذه المصادر - وبلسان أمينه العام، تناول ملف الحكومة وكأنه في موقع المراقب، وليس المقرّر، وحصر كلامه بالحديث عن عقدتين: الأولى تتعلق بتمثيل «اللقاء التشاوري»، والثانية عن إعادة النظر في توزيع الحقائب الوزارية، بدلاً من أن يقدّم نفسه كطرف يضغط لتسريع تأليفها.

ودفع هذا الموقف لـ«حزب الله» من تشكيل الحكومة بالمصادر المواكبة إلى السؤال عن صحة ما يشاع من أنه ليس مضطراً لتسريع ولادتها، وإلا لماذا الإطراء الذي صدر عن نصر الله ممتدحاً الرئيس ميشال عون، وأيضاً رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، مع أنها تحمل الأخير مسؤولية تمديد أزمة التأليف، بإصراره على أن يتمثل بالتكافل والتضامن مع رئيس الجمهورية بـ«الثلث الضامن»، وهذا المشهد السياسي لن يتبدّل إلا إذا تبدّل موقف باسيل في اتجاه الإسراع في تأليف الحكومة، لأن تعثرها سيجر البلد إلى المجهول.

مصادر لبنانية تقلل من لائحة دمشق لـ{الإرهاب»
بيروت: «الشرق الأوسط»
لم يؤدّ خفض مستوى «التمثيل» في القمة الاقتصادية العربية التي استضافها لبنان إلى استرضاء النظام في سوريا كتعويض لغيابها، وكان يفضّل، كما تقول مصادر سياسية مناوئة له في بيروت، أن لا تنعقد القمة ليكون في مقدوره توجيه رسالة إلى الخارج بأن انسحاب جيشه من لبنان إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005 لم ينتزع منه القدرة على إدارة الشأن السياسي في لبنان من دمشق.

وتذكر هذه المصادر أن النظام السوري ازداد غضبه بسبب عدم ترحيل انعقاد القمة الاقتصادية إلى موعد آخر يتلازم مع رفع الحظر عن عودته إلى جامعة الدول العربية، وإلا لماذا لجأ أخيراً إلى إصدار مذكرات «تأديبية» شملت أبرز خصومه في لبنان، إذ أدرج النظام الرئيس سعد الحريري ورئيسي حزبي «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية» سمير جعجع على لائحة الإرهاب ومن ثم ألحقها بملحق آخر في وضعه «تيار المستقبل» وشركة «ألفا» على هذه اللائحة.

ومع أن هذه المذكرات تبقى بلا قيمة لأن من أصدرها - بحسب المصادر - يعرف قبل غيره أن الكثير من رموزه هم الآن على خانة الملاحقة الدولية، وبالتالي فإن مثل هذه التدابير «التأديبية» لن تبدّل في ميزان القوى في المعادلة الداخلية اللبنانية، لا بل تشكّل عائقاً أمام محاولات إعادة تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية التي يُفترض أن تشكّل نقاط خلاف في البيان الوزاري في الحكومة العتيدة، إذا تبدّلت الأجواء في الأيام المقبلة لمصلحة تسهيل ولادتها.

كما أن من شأن هذه المذكّرات أن تُضعف حلفاء سوريا في لبنان ومعهم الرئيس ميشال عون وقيادة «التيار الوطني الحر» في تقديمهم للأسباب الموجبة التي يترتّب عليها إعادة تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية، خصوصاً أنها تشمل قيادات سياسية رئيسية في البلد يُفترض أن تكون حاضرة في هذه الحكومة.

وتستبعد المصادر أن يمتلك هذا الفريق أو ذاك من حلفاء سوريا الجرأة في الدفاع عن تطبيع العلاقات بين البلدين استكمالاً لتبادل السفراء بينهما وإقامة علاقات دبلوماسية، وتعزو السبب إلى إحداث انقسام داخل الحكومة يتجاوز العادي منه إلى الميثاقية. كما ترى أن المسلك الوحيد للدخول في تطبيع العلاقات يكمن في تشكيل حكومة من لون واحد، أي في خروج جميع هؤلاء «المطلوبين» من الحكومة، وهذا أمر ينعكس سلباً على الحكم والسلطة التنفيذية معاً لأن هناك استحالة في إقحام البلد في «مغامرة» لاسترضاء النظام في سوريا.

لذلك تبقى جميع الإحالات على لائحة «الإرهاب» الخاصة بالنظام في سوريا بلا استجابة أولاً وستعيق الانتقال بلبنان من إقامة علاقات دبلوماسية إلى تطبيع العلاقات الثنائية، إضافة إلى أنها ليست أكثر من «ثأر» سياسي غير قابل للتنفيذ لا محلياً ولا خارجياً، لأن «الإنتربول» ليس في وارد تسلُّم إحالات سترتد على من أحالها، ولن تكون لها أي مفاعيل سوى أنها «بهورة» سياسية عبر أوراق إحالات بلا حبر سياسي، معترف به دولياً وعربياً.
وعليه فإن هذه الإحالات لن تقدّم أو تؤخّر في مسار المعادلة السياسية في لبنان وإن كان بعض حلفاء النظام السوري يسعى إلى توظيفها في الحصار الذي تفرضه دمشق على من يعادلها سياسيا.