التاريخ: كانون ثاني ٢٦, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
فرنسا تحذّر لبنان: الانسداد السياسي يهدّد التزاماتنا
بدا من الصعوبة الجزم بالاتجاه الذي ستسلكه ازمة تأليف الحكومة بعد ايام قليلة في ظل التحركات واللقاءات التي يتولاها الرئيس المكلف سعد الحريري قبل ترجمة تعهده حسم الامر الاسبوع المقبل. واذا كانت الاوساط السياسية المواكبة لهذه التحركات تحدثت عن عدم تراجع الحريري عن اتخاذ قرار حاسم بعد عودته من باريس، فان غياب المعطيات عن طبيعة بعض اللقاءات التي تردد انه عقدها هناك مع وزير الخارجية جبران باسيل الذي عرج على العاصمة الفرنسية من دافوس ومع رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع الموجود في باريس منذ اسبوعين، زاد غموض الترقب السائد في انتظار عودة الحريري الى بيروت. واذ لفتت الاوساط نفسها الى ان الرئيس المكلف يحرص على احاطة تحركه والمعطيات التي تتجمع لديه بسرية كبيرة تجنباً لاحراق مسعاه المتقدم نحو توفير توافق نهائي على التشكيلة الحكومية وانجاحه في المهلة التي حددها لنفسه، أوضحت ان ذلك لا يعني امكان الجزم بان الازمة في طريقها الى نهاية سعيدة مطلع الاسبوع المقبل أو منتصفه (تردد ان الحريري سيعود منتصف الاسبوع) لان شياطين التفاصيل غالباً ما تكمن للجهود الايجابية وتنجح في اجهاضها ما لم تتوافر لها الارادة السياسية الحاسمة بتسهيل الحل والافراج عن الحكومة التي طال انتظارها.

وفي ظل هذا المناخ الغامض تتجه الانظار الى المواقف التي سيعبّر عنها الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله في مقابلة تلفزيونية مساء اليوم بعد طول احتجاب عن الاطلالات، علماً انه يتوقع ان يغلب الجانب الاقليمي على المقابلة ولكن من دون اغفال الجانب الداخلي المتصل خصوصاً بالملف الحكومي وتداعيات أزمة التأليف. واسترعى الانتباه في هذا السياق ما نسب الى مصادر الحزب من أن "جرعات التفاؤل التي يحاول الرئيس الحريري والوزير باسيل ضخها غير مبنية على أي أسس واقعية، بل مجرد محاولات كي لا يقال إن الامور جامدة في المطلق، لكن في الحقيقة لا يوجد أي تطور، وكل ما يشاع لا ترجمة له على الارض، ما دام باسيل لم يبدل موقفه من الثلث المعطل، والحريري كذلك من اللقاء التشاوري"، مشددة على أن "الحل محصور بين الرئيس المكلف ووزير الخارجية وعندما يتنازل أحدهما يفكّ أسر الحكومة". وبعدما نفت المصادر أن "يكون للتطورات الاقليمية أي تأثير على التشكيل"، لاحظت انه "عندما يتنازل الحريري أو باسيل، فان أحدا لن يتدخل من الخارج لعرقلة ولادة الحكومة". وشددت على أن "الثلث المعطل لا يهمنا، كل ما نريده هو ترجمة نتائج الانتخابات النيابية في الحكومة، ففريقنا حاز الغالبية النيابية، لكن الطرف الآخر لا يريد الاعتراف بهذا الفوز ويحاول تزوير إرادة الناخبين"، مضيفة أن "اللقاء التشاوري قدم أقصى ما يمكنه، وتنازل كثيرا، ولكن هناك خط أحمر وهو أن يكون الوزير من حصتنا، وليس من حصة غيرنا".

وكان "اللقاء التشاوري" أبدى أسفه لـ"حال المراوحة التي تخيم على مسألة تأليف الحكومة"، عازياً ذلك الى "مكابرة الرئيس المكلف ورفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية". وجدد في تصريح أدلى به عضو "اللقاء" النائب جهاد الصمد إثر اجتماع في منزله، "تمسكه بتمثيله في الحكومة بواحد من أعضائه أو من الأسماء الثلاثة المطروحة"، رافضاً "ان يكون وزير اللقاء التشاوري الاّ ممثلاً حصرياً للقاء". ورأى انه "لا يجوز ان يكون لدى فريق الثلث المعطل لأن هذا الامر ينتقص من صلاحيات رئيس الحكومة".

لقاء بكركي

وتصدر الملف الحكومي أولويات الاجتماع الذي انعقد في بكركي أمس برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للجنة المتابعة المنبثقة من اللقاء النيابي الماروني والذي وضعت خلاله خطة عمل للإجتماعات المقبلة تضمنت مواضيع تناولها البيان الختامي الذي صدر عن اللقاء الموسع على ان تدرج في جدول وفق الأولويات. وعلمت ""النهار" ان لقاء بكركي لم يدخل في تفاصيل النقاط التي بحث فيها ولكن ادرج العناوين الاساسية وأبرزها الملف الحكومي والمعايير التي يفترض اتباعها منعاً لانتهاكات الدستور، كما طرح موضوع التوظيفات واتفق على عرض ملف في كل اجتماع. وشدد الراعي على ان طبيعة مناقشات الاجتماعات هي وطنية عامة وليست مارونية ولو انها تضم النواب الموارنة.

وجاء في بيان عن اللقاء انه " عرض للمستجدات الإيجابية المتعلقة بملف تأليف الحكومة، وكان تشديد على ضرورة الإسراع في هذا التشكيل وتوحيد الجهود في سبيل ذلك".

باريس: الازمة وايران

وسط هذه الاجواء برز موقف فرنسي اتسم بنبرة حازمة من الازمة الحكومية كما من ايران وتسليحها لـ"حزب الله". وافاد مراسل "النهار" في باريس ان وزير الخارجية الفرنسي جان - ايف لودريان حذر ايران من ان فرنسا سوف تقرّ عقوبات في حق ايران اذا لم ينجح الحوار في شان نشاطاتها الباليستية وزعزعتها الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط.

وقال لودريان ردا على سؤال خلال الاحتفال بتهانيه الى الصحافة الديبلوماسية بحلول السنة الجديدة "لدينا مطلبان، اولا ان تتخلى ايران عن انتاج صواريخ باليستية، وخصوصا تصديرها لتشمل بعض الفصائل المسلحة في الشرق الاوسط. ثانياً على ايران وقف أعمال زعزعة الاستقرار في المنطقة بكاملها". وأضاف: "بموجب قرار مجلس الامن رقم ٢٢٥٤ في شأن سوريا، لا يمكن ان يكون هناك وجود قوات مسلحة اجنبية على الاراضي السورية وهذا يهدد أمن اسرائيل... لقد بدأنا حواراً صعباً مع ايران في هذا الشان ويجب مواصلته ونحن على استعداد اذا لم يكن ناجحاً ان نقر عقوبات صارمة، وهم يعلمون ذلك".

وحذر من "أن موقف باريس سيكون حازماً جداً في ما يتعلق بشحن أسلحة ايرانية الى الجناح العسكري لحزب الله".

واعرب عن اسفه الشديد "لعدم تاليف حكومة في لبنان بعد بضعة أسابيع" (٩اشهر) بعد الانتخابات النيابية التي جرت في ايار ٢٠١٨. وقال "إنها مسؤولية جميع الافرقاء السياسيين اللبنانيين العمل على وضع حد لهذا الجمود السياسي الذي وضعوا لبنان فيه". وتمنى "ان يتخطى اللبنانيون انفسهم هذا الوضع السياسي المتازم لتاليف حكومة في اسرع وقت ممكن... انه الشرط الاساسي ونحتاج الى جهود الجميع ودول المنطقة من اجل ان يجد الشعب اللبناني نوعا من الاستقرار السياسي المفقود."

وقال أيضاً: "لا يمكننا اليوم ان نكتفي بهذا الوضع السوريالي الذي يدوم وألا تؤدي المشاورات الى تأليف حكومة جديدة. نتيجة هذا الانسداد السياسي، لا يمكن تحقيق كل الالتزامات التي قطعناها سابقا للبنان بما في ذلك الالتزامات المالية والعسكرية التي قدمت للجيش اللبناني الذي لا يزال العمود الفقري لتوازن الدولة".

وختم: "هناك العديد من اللاجئين في لبنان والاردن والعراق يجعلون اهتمامنا مستمراً، وفي حال تجدد الاشتباكات في بعض الجيوب السورية، يمكن تدفق اعداد اخرى من اللاجئين، ويعود الى اللبنانيين ان بتحملوا مسؤولياتهم."