|
|
التاريخ: كانون ثاني ٢٥, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
هل يستطيع إردوغان تحويل شمال سوريا إلى شمال قبرص؟ |
عن الطموحات التركية في سوريا، كتب ديفيد غاردنر في صحيفة "الفايننشال تايمس"، أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا قد دفع تركيا إلى تصعيد حملتها على المقاتلين الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة في الشمال السوري.
قال غاردنر، إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يدعي أن ترامب شجع أنقرة على إنشاء "منطقة آمنة" بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية قبالة الحدود الجنوبية لتركيا.
وأضاف أنه سواء أدى ذلك إلى تسوية للسياسة الأميركية في سوريا أم لا، فإن ترامب حذر أيضاً أنقرة من مهاجمة حلفاء واشنطن الأكراد في هذا البلد. وقد زار إردوغان موسكو الأربعاء حيث أجرى محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شأن سوريا والمناطق العازلة. ومعلوم أن تدخل روسيا في سوريا، إلى جانب إيران، أدى إلى انتصار نظام بشار الأسد، فضلاً عن عودة موسكو المظفرة إلى الشرق الأوسط . ولا تظهر أي إشارة على رغبتها في التخلي عن قبضتها على البلاد. وجدير بالذكر أنه بمباركة بوتين، تمكن إردوغان من إنشاء منطقتين عازلتين تديرهما تركيا في شمال غرب سوريا: واحدة من خلال عملية "درع الفرات" عام 2016، التي قضمت جيباً يمتد من جرابلس على نهر الفرات إلى أعزاز في الغرب، والثانية عبر عملية "غصن الزيتون" التي غزت من خلالها تركيا الكانتون الكردي في عفرين.
ورأى الكاتب أن الضوء الأخضر من بوتين، أكثر أهمية من سيل التغريدات الترامبية، وهو ما يحتاج اليه أردوغان في محاولته إنشاء منطقة عازلة في المناطق التي تخطط الولايات المتحدة لإخلائها في شرق الفرات والتي تمثل أكثر من ربع مساحة سوريا والخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وميليشياته. فهل يحصل اردوغان على إذن من روسيا؟ وكانت تركيا ضمنت موافقة روسيا على عملية "درع الفرات" عام 2016 مما أسفر أيضاً عن إعادة ترتيب التحالفات في سوريا وبلاد الشام. وحيث كانت موسكو تدعم نظام الأسد، كانت أنقرة في الجانب الآخر من الحرب الأهلية، إذ دعمت مجموعة متنوعة من المقاتلين الجهاديين ضد الأسد. ومن الواضح أن بوتين رأى فرصة بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة ضد حكومة أردوغان في تموز 2016، لجذب تركيا إلى فلكه، وشكل قوة ثلاثية بإضافته تركيا إلى التحالف مع إيران.
ولاحظ أنه كان هناك ثمن. فقد حصلت تركيا على ضوء أخضر للغزو بعدما تخلت عن حلفائها السنة في حلب، آخر معقل مديني للثوار السوريين، والتي شكل سقوطها في أيدي النظام أواخر 2016 نقطة تحولٍ في الحرب. وعلى نحوٍ مماثل، بدت روسيا سعيدة بغزو عفرين قبل سنة، ما دامت تتقاسم العبء مع روسيا من أجل السيطرة على محافظة إدلب المجاورة المليئة بالمقاتلين الجهاديين، وآخر معقل للمعارضة.
ولفت إلى ان التفجيرات الأخيرة التي تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ضد القوات الأميركية والكردية في غرب سوريا وشمال شرقها، قد تبدو حجة جاهزة لتركيا لتعزز إنشاءها المنطقة العازلة، ومن جهة أخرى، خسر جيش المعارضة الذي تدعمه أنقرة مواقعه لمصلحة المقاتلين الجهاديين الموالين لتنظيم "القاعدة". وفي المقابل، أثبت مقاتلو الأكراد السوريين تفوقهم العسكري في الميدان، ولهذا دعمتهم واشنطن ضد "داعش". وتحدث عن اعتبارات غامضة حول طموحات تركيا في سوريا. وقال إنه لا شك في أن الهدف الاستراتيجي الأسمى لأنقرة هو سحق النزعة الانفصالية الكردية في شمال سوريا وشمال العراق، وهما المنطقتان اللتان تعتبرهما منطقتين آمنتين لعدوها المحلي، المتمثل في "حزب العمال الكردستاني" الذي يقاتل في جنوب شرق تركيا منذ 30 سنة. ومن وجهة النظر التركية، يقاتل "حزب العمال الكردستاني" انطلاقاً من قواعده في جبال قنديل بشمال العراق ومن خلال التنظيم السوري الشقيق، المتمثل في حزب الاتحاد الديموقراطي وميليشياته. الآن تنوي أميركا مغادرة سوريا، ويبدو من المنطقي بالنسبة إلى أنقرة أن تقيم حاجزاً احتياطياً، جزءاً من كفاحها ضد "حزب العمال الكردستاني".
وذكر إنه بعد عملية "درع الفرات"، شرع إردوغان في إحياء المزاعم التاريخية عن أحقية تركيا في حلب والموصل. وإذا ما اعتبر هذا الكلام من قبيل المبالغة، فإن تركيا تزرع جذوراً في الجيوب التي أنشاتها في شمال غرب سوريا: مدارس تعلم التركية، ومستشفيات ، فضلاً عن إداريين من مدينة غازي عنتاب التركية الجنوبية يتولون شؤون هذه الجيوب، كما أسست تركيا جامعات. ويقول عالم سياسي مستقل في اسطنبول: "إنهم (الأتراك) يخططون للبقاء في سوريا بالطريقة عينها التي بقوا في شمال قبرص" منذ غزوها عام 1974.
لكن ثمة أسباباً قوية للاعتقاد أن إعادة إحياء العصر العثماني سيفشل في شمال سوريا وشرقها، إذ أن بوتين يريد عودة نظام الأسد للسيطرة على كامل سوريا. إن خطة أردوغان لإقامة منطقة عازلة ستدفع الأكراد السوريين إلى عقد صفقة ما مع الأسد، تكون لمصلحة روسيا وإيران. كما ان الزعماء العرب لن يقبلوا بإحياء العثمانية الجديدة بزعامة أردوغان. فضلاً عن أن سوريا ليست قبرص. |
|