التاريخ: كانون ثاني ٢٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
مظاهرات في الخرطوم... واحتجاجات غاضبة لمشيّعين في أم درمان
مدير الأمن أكد أن موجة المسيرات «بدأت تتراجع»
الخرطوم - لندن: «الشرق الأوسط»
تحول تشييع أحد قتلى الاحتجاجات في السودان، أمس، إلى مظاهرة ضخمة، شارك فيها الآلاف بمدينة أم درمان، وسط هتافات تطالب بـ{القصاص} من قتلته، في حين انطلقت احتجاجات مساء أمس في كل من شرق الخرطوم وغرب أم درمان، ضمن برنامج الاحتجاجات الليلية الذي أعده «تجمع المهنيين السودانيين».

وتوفي عمر النمير، وهو طالب هندسة في جامعة السودان الفاتح، مساء أول من أمس متأثراً برصاصة أطلقت على رأسه أثناء مشاركته في {موكب الشهداء» بحي بري شرق الخرطوم. وفور ذيوع النبأ توافد المحتجون من أنحاء مدينة الثورة وأم درمان، وشيعوه إلى مثواه من منزله إلى مقابر «أحمد شرفي»، قبل أن يتحول التشييع إلى مظاهرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف وتواصلت لساعات حتى فجر أمس، بعد أن تدخلت الأجهزة الأمنية، وفضّتها باستخدام الغاز المسيل للدموع.

وقال شاهد إن ما لا يقل عن 20 ألف شخص شاركوا في تشييع القتيل، على طول شارع «الوادي»، قبل أن تنضم إليهم مجموعات كبيرة، تحركت بعد انتهاء مراسم الدفن إلى منزل أسرة القتيل. وردّد الحشد هتافات حمّلت السلطات مسؤولية مقتله، وأخرى تطالب بالقصاص، إضافة إلى الهتافات المعتادة المطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير.

وأوضح الشاهد أن شوارع مدينة الثورة التي تعد من بين أكثر مدن أم درمان كثافة سكانية، تحولت إلى مكان تكسوه غيوم الدخان الناجمة عن نيران الإطارات التي أشعلها المحتجون، وإلى منطقة مقفولة أمام سيارات الأجهزة الأمنية بمتاريس أقامها المحتجون في الشوارع الرئيسة ومداخل الأحياء.

في السياق ذاته، عاشت الخرطوم ومدن أخرى ليلاً ضاجاً بالاحتجاجات والهتاف، استجابة لدعوات «تجمع المهنيين السودانيين» إلى إقامة مظاهرات ليلية في شرق الخرطوم (الحاج يوسف)، وغرب أم درمان (أم بدة)، واستمرار مظاهرات مدينة «الثورة» عند عزاء النمير.

وقال شهود إن السلطات نقلت {مئات الجنود المدججين بالسلاح والمدنيين الملثمين على سيارات نصف النقل إلى المناطق التي تم تحديدها للتظاهر}.

ونقل متحدث باسم التجمع أن احتجاجات ليلية عنيفة اندلعت في منطقة «أم بدة» غربي أم درمان، وهي منطقة تعد الأعلى كثافة سكانية بين مناطق ومدن العاصمة الخرطوم، في حين شهدت منطقة «الحاج يوسف» شرق الخرطوم، هي الأخرى، مظاهرات ليلية بدأت في الوقت الذي حدده برنامج المظاهرات اليومية.

من جهة أخرى، حكمت محكمة سودانية ببراءة طالب اتُهم بقتل رجل شرطة خلال احتجاجات وقعت قبل أكثر من عامين، وقال تجمع المهنيين في بيان حول تبرئة عاصم عمر إن «صموده الأسطوري ومثابرته ونيله حريته، يمنح الثوار زاداً لطريق الحرية وبشارة للنصر القادم». وأوضح أن {عاصم عمر الذي قضى أكثر من ثلاثين شهراً في الحبس، بتهمة قتل شرطي، لم يستطع النظام إثباتها عليه، بل تحولت محاكمته لمحاكمة للنظام، ويخرج اليوم ليعانق إخوانه وأخواته في الشوارع}.

ونقل بيان صادر عن حزب المؤتمر السوداني الذي ينتمي إليه عمر أنه قرر قبل عودته إلى منزله الذهاب للعزاء في «شهداء انتفاضة ديسمبر» التي أسهم بإشعال شرارتها قبل أن محاكمته بالتهمة التي أسقطها القضاء.

وقال صلاح عبد الله غوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني إن موجة الاحتجاجات التي تشهدها مدن كثيرة في البلاد {بدأت في التراجع}، وكرر اتهام «مندسين» وسط المتظاهرين بتنفيذ عمليات القتل.

ونقل موقع «سودان تريبيون» ليلة أول من أمس عنه غوش قوله إن «الشعب، رغم غضبه على الحكومة، فإنه لم ينخرط في المظاهرات، واكتفى بالتفرج»، مشيراً إلى أنهم استطاعوا {توثيق كل المظاهرات، ونعرف حجم كل واحدة منها، وصور المتظاهرين}. وقال إن {أكبر الاحتجاجات لم يتجاوز المشاركون فيه 2500 متظاهر}، لافتاً إلى أنها «في تراجع».

وحمل غوش«المندسين في أوساط المتظاهرين} مسؤولية ارتكاب جرائم القتل، وقال إن {قوات الأمن تحمي المحتجين، وتفتح لهم مسارات للخروج، ولا تحمل أي أسلحة نارية}، إلا أنها «تكون محمية بقوات تحمل السلاح، مرتكزة في الشوارع الرئيسية، ولا تتدخل إلا إذا دعت ضرورة، وإن دعت الضرورة فإنه لا يتم استخدام السلاح إلا وفق ما يسمح به القانون»، حسب تقرير أوردته وكالة الأنباء الألمانية أمس.

من جهة ثانية، ذكر الإعلام الرسمي السوداني، أمس، أن البشير غادر الخرطوم إلى قطر في زيارة تستمر يومين، وذلك في أول رحلة إلى الخارج منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظامه.

ومن المقرر أن يلتقي البشير كبار المسؤولين في قطر، بحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية، التي قالت إنه سيناقش مع المسؤولين في الدوحة «جهود السلام في دارفور»، الإقليم الواقع في غرب السودان، حيث اندلع نزاع ين القوات الحكومية ومتمردين من أقليات إثنية.