التاريخ: كانون ثاني ٢٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: جرعة قطرية... والأفق الحكومي ما زال مقفلاً
لتشكيلة الـ ٣٢ وجهان متناقضان يسقطانها
لم يكن اعلان قطر رسمياً، غداة انعقاد القمة العربية التنموية، الاقتصادية والاجتماعية، في بيروت وفي حضور مميز لاميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خارقاً خفض مستوى الزعماء العرب في القمة الذي بلغ حدود المقاطعة الواسعة، عن مبادرة مالية تمثلت في اعتزامها شراء سندات الخزينة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار، تطوراً عابراً اذ اكتسبت هذه المبادرة دلالة بارزة مالياً وسياسياً في ظل التفاعلات الايجابية التي تركتها. الدلالة المالية تمثلت في ان شراء قطر سندات الخزينة بمبلغ نصف مليار دولار يشكل واقعيا جرعة انعاش بارزة للاستقرار المالي الذي يحرص عليه لبنان في ظل الاخطار التي لاحت بكثافة في الآونة الاخيرة وخصوصا وسط تفاقم ازمة تأليف الحكومة التي لا تزال تعتبر سيفاً مصلتاً فوق الاستقرار المالي والاقتصادي. ومع ان المبادرة القطرية لا ترقى الى مستوى وديعة مالية في مصرف لبنان، فان أثرها يعبر ايجابياً من حيث توفيرها عامل الثقة الاستثمارية الخارجية والداخلية بالواقع المالي اللبناني ولا سيما لجهة الثقة بالدولة وماليتها العامة وسنداتها السيادية.

وقد ادرج نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الخطوة في اطار "دعم الاقتصاد اللبناني"، مشدداً على "ان دولة قطر كانت دائما ملتزمة دعم الأشقاء اللبنانيين في ظل التحديات الجمّة التي يواجهونها، وان هذه الخطوة تأتي انطلاقاً من اواصر الأخوة العميقة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، حيث يبقى التزام دولة قطر تجاه الأشقاء العرب ثابتاً مهما تغيرت الظروف".

وتلقفت الاوساط اللبنانية المبادرة بايجابية نظراً الى ما تنطوي عليه من مردود في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي تشهده البلاد. مع العلم ان هذه الخطوة تأتي بعد أيام قليلة من الهزة التي اصابت أسواق السندات الدولية عقب التصريح المثير لوزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل، عن اعادة هيكلة الدين العام، والذي استدعى توضيحاً رسمياً صدر عن الاجتماع المنعقد في قصر بعبدا لتهدئة الجو وطمأنة الاسواق. وكشفت مصادر اقتصادية مواكبة لـ"النهار" ان التوجه هو نحو اعتماد اصدار خاص تكتتب فيه قطر خارج السندات القائمة. وأوضحت ان التواصل بدأ مع المصرف المركزي من أجل تحديد آليات الاصدار وآجاله ومعدل الفائدة، علما ان التوجه هو الى ان تكون الفائدة إما صفر وإما منخفضة جدا وليس بأسعار السوق من اجل ان يؤتي الاصدار هدفه بدعم المالية العامة للدولة. وبهذا، يمكن لبنان ان يستفيد من المبادرة التي تضخ بعضاً من الثقة بفعل التراجع الاقتصادي والخلل البنيوي في المالية العامة الذي أدى الى تعاظم حجم المديونية والعجز، وصولاً الى مستويات غير مقبولة بمعايير صندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الدولية.

لكن تطوراً سلبياً برز ليل أمس حين خفضت مؤسسة التصنيف الائتماني "موديز" تصنيف لبنان من – B الى Caa1 مع رؤية "مستقرة" (اسوة بالعراق واوكرانيا والغابون وزامبيا) بسبب تأخر لبنان في تشكيل حكومة قادرة على وضع السياسات الاصلاحية العاجلة للسيطرة على الدين العام وكلفته ولتحريك عجلة النموالاقتصادي. ويمكن ان يعود التصنيف الى الارتفاع اذا قامت حكومة جديدة باصلاحات مالية مهمة تدعم استقرار الاقتصاد الكلي مع خفض نسبة الدين العام دونما حاجة الى اعادة هيكلته.

ترددات القمة

في أي حال فان عودة الاتصالات والمشاورات الداخلية حول الأزمة الحكومية غداة قمة بيروت العربية لم تحجب استمرار الاهتمام الديبلوماسي والسياسي بحقيقة العوامل والاسباب التي أدت الى ما يشبه المقاطعة الواسعة للزعماء العرب للقمة واقتصار حضور الرؤساء والامراء والملوك على أمير قطر ورئيس موريتانيا الى جانب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وبدا من المعطيات المتوافرة عن اللقاءات الجانبية التي عقدت على هامش اجتماعات القمة ان خفض التمثيل العربي كان محور أحاديث ومواقف تبودلت بين عدد من المسؤولين العرب المشاركين في القمة والمسؤولين اللبنانيين. وكشفت مصادر ديبلوماسية عربية شاركت في القمة لـ"النهار" ان السبب الحقيقي لعدم المشاركة على مستوى رفيع هو في شكل اساسي عدم تأليف الحكومة اللبنانية انطلاقا من انه يفترض في البلد الذي يدعو الى قمة على أرضه ان يلزم نفسه تأليف حكومة، لأن في مؤشراتها أن البلد مستقر وان هذه مصلحة لبنان ودوره العربي، بحيث ينال العهد كل الفضل في حصول قمة يشارك فيها الملوك والرؤساء. لكن القادة العرب لم يكونوا مستعدين لتغطية تعطيل الحكومة الذي يقع في رأيهم في خانة من يطالب بالثلث المعطل في الحكومة. وليس مفيدا تعطيل الحكومة ونيل تغطية عربية لذلك، بحيث يوظف الفريق المعني بالتعطيل القمة في مصلحته بدل ان يدفع ثمن التعطيل. إذ إن مشاركة الملوك والرؤساء العرب كانت لتعطي الفريق الذي يعطل الحكومة لمصلحته قوة الى القوة التي يستند اليها، وهم لم يكونوا في هذا الوارد، علما أن المعلومات تفيد أن عدد الملوك والرؤساء الذين كانوا أكدوا حضورهم كان محدوداً أصلاً، فضلاً عن ان الاتصالات كانت مستمرة بين الدول العربية من أجل معرفة مستوى المشاركة وتقريرها على هذا الاساس.

الحريري وباسيل

في غضون ذلك، تجددت أمس الاتصالات من أجل البحث عن مخارج للازمة الحكومية، بعدما ألغى الرئيس المكلف سعد الحريري سفره الى سويسرا للمشاركة في منتدى دافوس. وبحث الرئيس الحريري في "بيت الوسط" مع وزير الخارجية جبران باسيل في الوضع الحكومي والافكار المطروحة للتأليف. واكتفى باسيل على الأثر بالقول "إن هناك أفكاراً يتم البحث فيها، وجميعها قابلة للنقاش، والرئيس الحريري أبدى موافقته على أكثر من فكرة، وهناك إمكان حقيقي للعمل كي تشكل الحكومة إذا كانت هناك نيات لذلك، وسيجري الرئيس الحريري الاتصالات اللازمة في اليومين المقبلين لمتابعة الموضوع".

وفي معلومات لـ"النهار" انه تبين أن الاقتراحات تراوح مكانها من دون التوصل إلى مخرج يؤدي إلى التأليف. واختصر مرجع معني المشهد بقوله: "لم يحصل اي تطور.

وأفادت جهات متابعة أن طرح حكومة من 32 وزيراً أي إضافة وزيرين سني وآخر من الاقليات المسيحية الذي طرحه باسيل غير قابل للحياة لانه يخل بالتوازن ويضرب الميثاقية على المستوى الإسلامي ويحرم العلويين حلم الوزير، وفي حال اتباع هذا الطرح سيزيد عدد الوزراء السنة على الشيعة.وهو لا يشبه بالطبع ما أقدم عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما تنازل عن مقعد شيعي لمصلحة السنة وكان من نصيب الوزير فيصل كرامي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

من جهة أخرى، رعى الحريري أمس افتتاح مقر السفارة العمانية في لبنان في منطقة الجناح، في حضور الممثل الشخصي للسلطان قابوس نائب رئيس مجلس الوزراء العماني اسعد بن طارق السعيد والسفير العماني بدر بن محمد بن بدر المنذري وعدد من الوزراء والشخصيات ورؤساء البعثات الديبلوماسية.

الأفق الحكومي ما زال مقفلاً : لتشكيلة الـ ٣٢ وجهان متناقضان يسقطانها
هدى شديد 
لا حلّ حكومياً، على عكس ما يظن كثر أنّ ملف التأليف الحكومي قد استعاد زخمه ما ان طويت الصفحة الشائكة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية بأقل الأضرار الممكنة. الطرح الذي يسوّقه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل عن حكومة من ٣٢ وزيراً باعتبار انها تنهي مسألة تمثيل نواب "اللقاء التشاوري"، بإعطائهم مقعداً، وتضيف الى حصته وزيراً للأقليات، وضع مجدداً على سكٌة التشاور، انطلاقاً من لقائه مع الرئيس المكلف سعد الحريري. ولكن وفق آخر المعطيات، ان لهذا الطرح وجهيْن: وجه يرفضه الرئيس الحريري ووجه يرفضه فريق الثامن من آذار، وتحديداً الثنائي الشيعي. وفق هذه المعطيات، ان الصيغة الاخيرة المتداولة، والتي يقال إن الرئيس الحريري وافق عليها، هي أن يكون الوزير الاضافي في حصة المسلمين سنياً يعطى لـ"تيار المستقبل"، وأن يكون الوزير المسيحي الاضافي في المقابل للأقليات. ويقال ايضاً ان هذه الصيغة، يعمل باسيل على تسويقها بعدما حصل على موافقة من رئيس الجمهورية، لكنها معدومة الحظوظ، لأن حركة "أمل" و"حزب الله" ليسا في وارد اعطاء مقعد إضافي للسنة وارتضاء الحصة نفسها للطائفة الشيعية. كما ان الهدف الأساسي من هذه الصيغة عندما طرحت وحازت موافقة "الثنائي الشيعي" كان منطلقه تمثيل الأقليات، وهذا ما لن يتحقق بحجب المقعد عن العلويين وإعطائه للسنة، فضلاً عن أنه يؤسس لاختلال في التوازن الطائفي في التركيبة الحكومية، لا يمكن السماح به.

في المقابل، الصيغة كما طرحت في الأساس، بأن يتمثل العلويون بمقعد في الحكومة، ويعطى المقعد المسيحي للأقليات ويكون من حصة الفريق الرئاسي، أي رئيس الجمهورية او تكتل "لبنان القوي"، قبل بها فريق الثامن من اذار، لاسيما "أمل" و"حزب الله"، حتى وان كانت تعطي الثلث المعطل او الضامن للفريق الرئاسي. ولسان حال مصادرهما، "لا هوس لدينا بحصول رئيس الجمهورية او رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل على هذا الثلث، خصوصاً ان أقصى ما يريد استخدامه فيه شؤون داخلية، كالتعيينات على سبيل المثال، في حين أن لا تأثير له في القضايا الاستراتيجية.

ويفهم في هذا المجال، ان هذه الصيغة القديمة - الجديدة التي قبل بها الفريق الشيعي، كان رفضها الرئيس الحريري، وهو لا يقبل اليوم، تحت أي عنوان، تكريس مقعد للعلويين في الحكومات المقبلة، حتى وان تُرك له تعيين العلوي لهذا المقعد في هذه الحكومة، وان كانت تُبقي له حصته السنية كما هي. فهو مقتنع، بأنه بمجرد قبوله هذه المرة، يكون يكرس عرفاً في تركيبة الحكومات سيرتد عليه وعلى فريقه في المستقبل.

من هنا، ترى مصادر مواكبة لحركة الاتصالات الحكومية المتجددة ان الإفراط في التفاؤل ليس في محله، وخصوصا أن كل الاطراف المعنية بالتسوية ما زالت على مواقفها المتباعدة، ولا سيما إذا لم يقبل رئيس الجمهورية ومن خلفه الوزير باسيل بأن يعطي المقعد السني من حصته لواحد من تسعة لـ"اللقاء التشاوري"، أي واحد من النواب الستة او من الثلاثة الذين سمّوهم، أي حسن مراد او عثمان مجذوب، او طه ناجي، بعدما سقط ترشيح جواد عدرا. هنا، يمكن الوصول الى تسوية اذا صفت النيات بأن يكون هذا الوزير مستقلاً، ولا يعود مهماً الشرط الموضوع الآن بأن يكون "حصراً" ممثلاً عن "اللقاء التشاوري".

وفق المصادر المطلعة، ان كل ما يطرح على هامش صيغة الحل هذه، من اخذ مقعد من "القوات اللبنانية" حيناً، او من حصة أحد آخر، بعدما تمّ توزيع الحصص الباقية، ليس الا عودة الى الوراء.

وفي اعتقاد المصادر المواكبة للاتصالات، ان الرئيس الحريري، في حلفه الواضح في كل "كبيرة وصغيرة" مع الوزير باسيل، قادر على تقديم تشكيلة حكومية تكون نتاج تسوية حكومية يصنعانها معاً، لانهما بهذا "الحلف الثنائي" الذي لم يعد خافياً على أحد، لا يحتاج احدهما الى ثلث معطل او ضامن، ومعاً يشكلان اكثرية وازنة. لذلك، مفتاح الحل الحكومي بيدهما، فإذا أرادا أقدما، ويمكن الحكومة ان تبصر النور اليوم قبل الغد، خصوصاً ان المخرج الوحيد المؤدي اليها هو غداً كما اليوم كما بالأمس، بأن يعطى المقعد السني من حصة رئيس الجمهورية.