التاريخ: كانون ثاني ٢٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
تصاعد الخشية من العبث بالوضع الدرزي والجبل ومشيخة عقل الدروز تطالب عون بـ"احترام الدستور"
"الاشتراكي" يرصد هجوماً على الجبل والطائفة لرفضه التطبيع مع الأسد...
بيروت - "الحياة" اخر تحديث في 22 يناير 2019 / 02:13
قفز ملف تراجع العلاقات الدرزية الرئاسية بما فيه علاقة "الحزب التقدمي الاشتراكي" ورئيسه النائب السابق وليد جنبلاط إلى الواجهة مجددا بعدما صدر بيان عن شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز نعيم حسن يعتبر دعوة شيخ العقل المعين من قبل النائب طلال أرسلان نصر الدين الغريب إلى حضور القمة مع رؤساء الطوائف، مخالفة صارخة للدستور والقوانين، وأيده في اعتراضه نواب في "اللقاء الديموقراطي" الذي يرأسه النائب تيمور جنبلاط.

وإذ كشفت هذه الإشكالية عن تفاقم الصراع داخل الطائفة وتدخل قوى أخرى في تفاصيله على خلفيات مجموعة من الحوادث في منطقة الجبل منذ الانتخابات النيابية في شهر أيار (مايو) الماضي، فإن "الاشتراكي" أخذ يترقب منذ أشهر ما تسميه مصادره لـ"الحياة" محاولات "العبث بالوضع الدرزي الداخلي وبالأمن في مناطق تواجده للضغط على جنبلاط، من قبل مناصري سورية في قوى 8 آذار، و"حزب الله" بسبب مواقف جنبلاط الانتقادية للسياستين السورية والإيرانية في لبنان، وتلميحاته إلى أن كلاً من طهران ودمشق تقفان عبر حلفائهما وراء تعطيل تأليف الحكومة".

أثارت دعوة الرئاسة للشيخ الغريب، حفيظة الشيخ حسن، المعترف به رسمياً كممثل روحي للطائفة، فأصدر بياناً أكد فيه أن "ما بلغته محاولات البعض لضرب ميثاق العقد الوطني الذي يجمع العائلات الروحية اللبنانية في بوتقة الوطن، من مستوى عالي الخطورة، لم يعد وارداً التغاضي عنه بأي شكل من الأشكال، ولا يجوز السكوت إطلاقاً حيال أي ممارسات تتعدى الإطار الدستوري والقانوني وتضرب ركائز العيش المشترك، وتخل بالثوابت والمسلمات الوطنية المعمول بها بين مكونات البلاد وخصوصيات عائلاتها الروحية التي كفلها الدستور وشرعتها القوانين. ونأسف أن يكون لنا بيان في هذا الإطار وما كان دأبنا وعهدنا إلا المطالبة بدولة القانون وصون الدستور والعمل وفقاً لما تقتضيه مزايا الحكم العاقل الرشيد".

يذكر أن الشيخ حسن فاز بالتزكية في انتخابات كانت مقررة في تشرين الأول (أكتوبر) 2006، وفق قانون أقره المجلس النيابي نص على أن "لطائفة الموحدين "الدروز" شيخ عقل واحد يتمتع بذات الحرمة والامتيازات والحقوق التي يتمتع بها رؤساء الطوائف اللبنانية الاخرى"، وينتخبه المجلس المذهبي للطائفة، لمدة 15 سنة. إلا أن النائب أرسلان أصر في حينها، على العودة إلى تقليد جرى التوافق بين الزعامات الدرزية على التخلي عنه منذ أكثر من نصف قرن بوجود شيخي عقل للطائفة واحد جنبلاطي وآخر يزبكي، وعلى رغم صدور قانون يوحد مشيخة العقل. وسمى الغريب شيخاً ثانياً للطائفة مدعوماً من حلفاء سورية و"حزب الله".

وعلى رغم ذلك تعاطت دوائر الدولة والحكومة مع الشيخ حسن باعتباره القانوني، وكذلك ورؤساء الطوائف الأخرى، منذ انتخابه.

واعتبر الشيخ حسن في بيانه تعليقاً على دعوة الشيخ الغريب إلى القمة، والتي أطلقت انتقادات للرئاسة أول من أمس، "أن ما حصل في القمة العربية الإقتصادية في بيروت لناحية تخطي الأعراف والتقاليد ومبادئ العمل البروتوكولي عبر عدم اقتصار الدعوة إلى جلسة القمة على الرئيس الروحي للطائفة التوحيدية حصراً، إنما يشكل انتهاكاً فاضحاً للقيم والمفاهيم الوطنية، ويمثل مخالفة صارخة للدستور والقوانين والأنظمة؛ ويعد تدخلاً مشبوهاً في الشؤون الخاصة بطائفة الموحدين الدروز التي أولاها الدستور حق تنظيم وترتيب أمورها، وتكرس ذلك بالقانون الصادر عن المجلس النيابي عام 2006 الذي حصر التمثيل الرسمي لطائفة الموحدين بالمجلس المذهبي المنتخب وبمشيخة العقل، كمرجع رسمي شرعي وحيد للطائفة".

أضاف البيان: "إن مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز إذ تهيب بالمعنيين عدم أخذ الأمور إلى ما يتخطى أركان العقد الاجتماعي والوطني، تؤكد أن ما حصل من خلل خطير يستدعي التصويب بشكل حازم؛ وتضع الأمر برمته برسم رئيس الجمهورية الذي تقع على عاتقه مهمة احترام وصون الدستور وتطبيق القوانين وحماية العيش المشترك واحترام خصوصيات النسيج الروحي الذي يتشكل منه لبنان".

الرئاسة ترد

وردت رئاسة الجمهورية ببيان عن مكتب الإعلام فيها على بيان مشيخة العقل "منعاً لأي استثمار خاطئ"، فأكد "أنّ دعوة ايّة شخصيّة دينيّة او غير دينيّة الى احتفالٍ رسميّ، لا يعني بأيّ شكل من الاشكال "انتهاك رئاسة الجمهورية القيم والمفاهيم الوطنية"، ولا يمثّل استطراداً "مخالفة للدستور والقوانين والانظمة". وبالتالي فإنّ الرئاسة حريصة على احترام الدستور وصونه وتطبيق القوانين، بقدر حرصها على وحدة الطوائف اللبنانية واحترام مرجعياتها، وتمثيلها في الاحتفالات والمناسبات الرسمية".

حماده وشهيب والتقسيم الداخلي

وأعلن وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال مروان حماده، في بيان صادر عن دعمه "الكامل للبيان الصادر عن مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز الذي حمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مسؤولية خرق الدستور والتعدي على القوانين والإعتداء على الأعراف والتقاليد التي تحمي في لبنان أسس العيش المشترك والإحترام بين الطوائف".

وقال: "بالإضافة الى سوء إدارة القمة العربية الإقتصادية والإجتماعية والتنموية، قبل إنعقادها وخلال مداولاتها وبعد إنتهائها، من قبل المعنيين بهذه التظاهرة العربية العزيزة، نكتشف أن هؤلاء لا يحترمهم أحد في الخارج ولا يحترمون أحدا في الداخل. إن سلامة لبنان لا تتلازم مع الإمعان في التقسيم الداخلي واللعب الصبياني غير المسؤول بمصير علاقاتنا العربية والدولية".

وقال عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب أكرم شهيب: "أن يدعى أي رجل دين إلى القمة العربية الاقتصادية فهذا شأن المنظمين، أما أن يدعى لأهداف سياسية مبيتة تسهدف طائفة مكونة لهذا الوطن، فهذا أمر غريب وغير مقبول وخطير".

وطالب "المنظمين والحريصين بتوضيح لما جرى، سيما أن ما ذيلوه بكتاب الدعوة يخالف القانون والأصول المرعية، ويصيب الشريحة الأكبر من طائفة مؤسسة حريصة على شرعية المؤسسات والسلم الأهلي وحماية وصون القوانين".

أرسلان

وكان أرسلان توجه "بأسمى آيات التقدير والعرفان والاحترام إلى الرئيس عون لدعوته الشيخ نصرالدين الغريب لحضور القمة العربية التنموية"، معتبراً أن ذلك يدل على احترام فخامته للتنوع والديمقراطية في خصوصية الطوائف والمذاهب وعدم الخضوع لسياسة الإلغاء والهيمنة والتسلط... وهذا ليس بمستغرب عن العماد ميشال عون وأخلاقياته العالية...".

وتوجه الى عون قائلاً: "لن نتغير ولن نتبدل، وستبقى حامي الجمهورية من العابثين بأمن وسلامة ورقي الوطن... هؤلاء الذين نهبوا وسرقوا خيرات لبنان وشعبه وسنبقى وإياكم بالمرصاد لكل فاسد ومفسد".

حلفاء سورية و"حزب الله" وحشر جنبلاط

وتقول مصادر "الاشتراكي" إن قيادته ترى خطة ممنهجة من أجل التدخل في الوضع الدرزي، يتناغم فيها حلفاء دمشق الدروز و"حزب الله"، و"التيار الوطني الحر" بدءاً من الانتخابات النيابية والهجوم الذي بدأه النائب أرسلان على جنبلاط خلالها، ومقتل الناشط في الحزب علاء أبو فرج، وتهريب المتهم بالعملية إلى سورية، والضغوط التي تمارس على التحقيق في الجريمة، وسعي "التيار" إلى تمثيل أرسلان في الحكومة بافتعال كتلة نيابية له، وصولاً إلى العراضة المسلحة التي قام بها الوزير السابق وئام وهاب في بلدة المختارة وما نتج عنها من تفاعلات قبل أسابيع.

وأشارت المصادر الاشتراكية إلى أنه على رغم مرونة جنبلاط بقبوله حلاً وسطاً في ما يخص ترك الخيار للرئيس عون في تسميته، وضغوطه على أنصاره في الجبل من أجل التهدئة، بعدما استنفروا في وجه مناصري وهاب، فإن الحملة تصاعدت ضد جنبلاط.

وتعتبر مصادر قيادية في "الاشتراكي" أن وقوفه ضد التطبيع مع النظام السوري سبب لحوادث أمنية تحصل في الجبل للعبث بالاستقرار الأمني فيه عبر بعض الأدوات، بأسلوب كانت تعتمده المخابرات السورية في السابق، ويجري استكمال محاولة حشر جنبلاط والضغط عليه لتعديل مواقفه عن طريق هذه الأساليب، إذ رفعت قيادة الحزب مستوى التنسيق مع أرسلان وأرسلت الوفود إلى وهاب، وعملت على مصالحة الأخيرين وتوحيدهما في جبهة واحدة، فضلاً عن زيارات السفيرين الإيراني محمد جلال فيروزنيا والسوري علي عبد الكريم علي لهما، على رغم أن فيروزنيا عاد فزار جنبلاط. كما أن مصادر نيابية في "اللقاء الديموقراطي" أشارت إلى كل الجهد الذي بذله جنبلاط للتهدئة السياسية والإعلامية مع "التيار الحر" يقابل باستمرار التصعيد ضده والانحياز إلى فريق في الطائفة يسعى إلى افتعال الصدام معه.

وأوضحت المصادر لـ"الحياة" أن جنبلاط بعث برسالة إلى قيادة الحزب بأنه مستمر في سياسة تنظيم الخلاف معه حول الموقف من سورية والعلاقة مع بشار الأسد، لكن الحزب لم يتحمل انتقاداته للسياسة الإيرانية في لبنان وسورية. وسبق لجنبلاط أن قال إنه تلقى رسالة من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، بأنه يتمنى عليه الكف عن انتقاد إيران.

وكان قياديون في "حزب الله" اتهموا أطرافاً بأنها تراهن على أميركا في لبنان ضد الحزب، ملمحة إلى جنبلاط. وهذا ما دفع الأخير إلى القول في تصريح له أول من أمس "إننا لم نراهن على ​اميركا​ ولا على الغرب ورأينا كيف خذلوا ​الثورة السورية​ السلمية وتركوها بعد الاتفاق على الكيميائي ورأينا لاحقا كيف جرى تدمير ​سورية​ أرضا وشعبا ولن أسترسل من اجل مبدأ تنظيم الخلاف ولكن أعفونا اذا ممكن من هذه ​اللغة​ الجافة في التخاطب، مع احترامي ومحبتي".