|
|
التاريخ: كانون ثاني ١٨, ٢٠١٩ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
صدمة بيروت... قمَّة بلا رؤساء! |
بعيداً من التضخيم والتحجيم في حسابات الأفرقاء السياسيين اللبنانيين حيال أي تطور داخلي أو خارجي، بدا من الصعوبة تقليل الصدمة الدراماتيكية القاسية التي منيت بها الدولة اللبنانية من رأس هرمها الى كل مؤسساتها ومراجعها عبر الانسحابات المتعاقبة للرؤساء والملوك والأمراء العرب من تعهداتهم السابقة للمشاركة في القمة التنموية الاقتصادية العربية في بيروت والتي بدأت الاجتماعات التحضيرية لها أمس. والواقع ان هذه الصدمة شكلت سابقة ديبلوماسية في تاريخ العلاقات اللبنانية مع الدول العربية مجتمعة أو من خلال جامعة الدول العربية سواء في تاريخ القمم الاقتصادية الثلاث التي انعقدت قبل قمة بيروت أو في تاريخ القمم العربية العادية التي تنعقد كل سنة في عاصمة عربية. ومع أن كثيرين لا يعولون كثيراً على نتائج مهمة وملموسة للقمة قد يحصدها لبنان، بدا واضحاً من خلال هذا التطور البالغ السلبية ان ثمة ما يتجاوز "عدوى" خفض مستوى التمثيل الى الانضمام جماعياً تقريباً الى ابلاغ لبنان رسائل ضمنية سلبية حيال ما يشوب واقعه السياسي والديبلوماسي الذي ينعكس بأفدح العواقب على علاقاته العربية. وقد جاء حادث التسبب بمقاطعة ليبيا للقمة ليشكل الذريعة المباشرة للغالبية الساحقة من الدول العربية للعودة عن المشاركة فيها على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء وحتى رؤساء الوزراء وخفض معظم تمثيلهم الى المستوى الوزاري.
ولعل الصدمة تتضاعف مع المعطيات التي تشير الى ان الجانب اللبناني المعني بالتحضيرات الجارية للقمة قد انجز هذه التحضيرات تماماً منذ بضعة أيام وانفقت الدولة مبلغ عشرة ملايين دولار على هذه التحضيرات وتكاليف استضافة الوفود المدعوة. لكن سبحة الاعتذارات عن المشاركة في القمة بدأت واقعياً بعد حادث احراق العلم الليبي على سارية أعلام الدول العربية المشاركة في القمة واطلاق تهديدات تتصل بمنع الوفد الليبي من مغادرة مطار رفيق الحريري الدولي في حال حضوره الى لبنان. ومن أصل 21 دولة عربية وجه اليها لبنان الدعوات الى حضور القمة، كانت ثماني دول أكدت مشاركتها على مستوى القادة ورؤساء الدول وهي: الكويت، قطر، تونس، فلسطين، العراق، موريتانيا، الاردن، فيما أبلغ الصومال لبنان مشاركة رئيسه قبل أيام قليلة. لكن سبحة الاعتذارات عن المشاركة على هذا المستوى كرت بسرعة لافتة في الايام الاخيرة وكان آخرها امس لتونس بعد قطر والكويت وانتهى الأمر الى بقاء مشاركة رئيسين فقط حتى ليل امس هما الرئيسان الموريتاني والصومالي لتغدو القمة بمثابة اجتماع وزاري موسع أكثر منها قمة على المستوى الرئاسي والحكومي.
تداعيات هذا التطور السلبي ستمثل بقوة في المشهد الداخلي في الأيام الثلاثة المقررة للقمة بعد يوم التحضيرات للجان المندوبين أمس، علماً ان يوم غد السبت كان مقرراً فقط لاستقبال قادة الدول. واذ بدا لافتاً غياب أي موقف رسمي من خفض مستوى التمثيل واعتذارات الرؤساء والقادة خصوصاً في قصر بعبدا باعتبار ان رئاسة الجمهورية هي المعنية الأساسية بالقمة فان الصورة القاتمة لتداعيات هذا الخفض لم تغب اطلاقاً عن الكواليس السياسية والديبلوماسية ويخشى ان تشهد مرحلة ما بعد انتهاء القمة مزيداً من التفاعلات السياسية السلبية وتصفيات الحسابات بفعل التراشق بتحميل المسؤوليات التي تسببت بادبار القادة العرب عن القمة. وتعتقد أوساط متابعة للتحضيرات التي اجريت للقمة ان خفض مستوى التمثيل بهذا الحجم الواسع يعكس أسوأ الرسائل العربية الموجهة الى لبنان سواء صح ان السبب الأساسي يتصل بما حصل حيال المشاركة الليبية أم ان الامر أبعد وأوسع ويتصل برسالة اعتراض كبيرة جداً على نفوذ ايران في لبنان.
وكانت التطورات المرتبطة بالقمة محور لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بعيد وصوله امس الى بيروت للمشاركة في القمة. وشكر أبو الغيط الرئيس عون على الترتيبات المتخذة من النواحي التقنية والتنظيمية والامنية والاعلامية وقال انه "عبر له أيضاً عن عميق الاعجاب بالتنظيم اللبناني البالغ المهارة، ونحن شهدنا على تنظيم جيد للغاية وتأمين يفوق أي تصور، والحقيقة أنني كلما أمضيت ولو ساعة إضافية، تيقنت أن هذه القمة ستكون ناجحة".
وحين سئل أبو الغيط: ألا يستحق لبنان الذي نظم قمة كهذه، وعلى المستوى الذي تحدثتم عنه، أن يكون مستوى التمثيل العربي فيها أكبر وأكثر فاعلية؟ أجاب: "إن شكل الحضور لم نتبيّنه بعد وهو لم يحسم بعد، دعونا ننتظر لنرى كيف سيكون الحضور، ولكن بالتأكيد يستحق لبنان جداً كل التكريم لأنه بذل وهو مستعد للبذل". وأكد ان لا توافق عربيا على عودة سوريا الى الجامعة "وهذه حقيقة، وأنا تحدثت بذلك، وإلا ما أسهل أن يتوصل الامين العام الى خلاصة ويقول: هذه هي الخلاصة، وحتى الآن لم أتبين أن هناك حسماً نهائياً في أي من الاتجاهين".
وتوالى توافد الوفود الرسمية المشاركة في القمة، فوصل مساء الى مطار رفيق الحريري الدولي وفد فلسطيني ضم وزير الخارجية رياض المالكي ووزيرة الاقتصاد عبير عوده. كما وصل وفد قطري ضم وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي ووزير المالية محمد الشريف. كذلك، وصل وزير الاقتصاد العراقي محمد هاشم عبد المجيد.
وقام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مساء بجولة في أرجاء مركز "سي سايد أرينا" تفقد خلالها القاعة الرئيسية التي ستعقد فيها القمة التنموية العربية الاقتصادية الأحد، وباقي الأقسام الملحقة، واطلع على التحضيرات والترتيبات المتخذة لانعقاد القمة.
الملف الحكومي
في أي حال، لم تحجب التطورات المتعلقة بالقمة الجانب السياسي الداخلي الذي يتصل بازمة تأليف الحكومة التي يفترض ان تعود الى الواجهة بعد القمة إذ ينتظر ان تتحرك المساعي والمشاورات مجدداً لإيجاد مخرج للأزمة. وبدا لافتاً في هذا السياق ما أعلنه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم من عين التينة أمس من أنه لم يعد معنياً اطلاقاً بالموضوع الحكومي.
وفي هذا السياق التقى الرئيس الحريري مساء في "بيت الوسط" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يرافقه نجله النائب تيمور جنبلاط، في حضور الوزير غطاس خوري، وجرى عرض لآخر المستجدات السياسية، ولا سيما منها ما يتعلق بتأليف الحكومة.
وتفاعلت تداعيات السجال الذي حصل بين رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية والوزير جبران باسيل خلال اللقاء الماروني في بكركي أول من أمس، فغرّد الوزير جبران باسيل ليل أمس عبر "تويتر": "رجع الفصل واضح بين الاستقلاليين والتبعيين. ناس بتقاتل لتحصّل حقوق وناس مستسلمة ومسلّمة على طول الخط، بتقاتل بس يلّلي عم يقاتلوا. طعن ضهر وخواصر، مش بس فينا، بالعالم وحقوقهم... لمتى بدنا نضلّ ساكتين ومتحمّلين". |
|