التاريخ: كانون ثاني ١٦, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الاحتجاجات تشتعل مجدداً في الخرطوم... وموسكو تنفي مشاركة «مرتزقة روس» في قمع المحتجين
البشير يقلل من أهمية رفض الحركات المتمردة في دارفور التفاوض مع حكومته
الخرطوم: «الشرق الأوسط» لندن: مصطفى سري
عاشت العاصمة السودانية الخرطوم، أمس، نهاراً هادئاً على غير العادة، قبل أن تشتعل المظاهرات مساء في منطقتين تعدان من أكثر مناطق العاصمة كثافة بالسكان، استجابة لدعوة أطلقها «تجمع المهنيين السودانيين»، لمواطني منطقة «الكلاكلة» جنوب الخرطوم، ومنطقة الثورة «صابرين» شمال أم درمان. وفي غضون ذلك نفت سفارة روسيا في الخرطوم تقارير غربية بوجود «مرتزقة روس» يشاركون في قمع الاحتجاجات.

ومنذ تسلمه تنظيم وتنسيق المظاهرات في البلاد، حظيت دعوات «التجمع» بالقبول والاحترام بين شرائح المجتمع والمهنيين، إذ دأب الناس على التظاهر في الزمان والمكان المحددين، رغم التعزيزات الكثيفة، التي درجت الأجهزة الأمنية السودانية على تجهيزها استباقياً.

وبحسب شهود عيان، فقد خرج المئات في ضاحية «الكلاكلة» جنوب الخرطوم في مظاهرة معلن عنها من قبل، ورددوا شعارات وهتافات تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته، وعلى رأسها الهتاف الشهير «تسقط بس». وفرقت الشرطة المظاهرة الرئيسية بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة، والرصاص المطاطي، والرصاص الحي في الهواء، قبل أن تتحول إلى معارك كر وفر بين قوات الأمن والمحتجين. ونقل الشهود أن أعداداً كبيرة من المتظاهرين تم احتجازهم، ولم ترد أي معلومات عن إصابات. فيما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي «فيديوهات» للمظاهرة، حظيت بتداول واسع.

وفي ضاحية الثورة منطقة «صابرين» شمال مدينة أم درمان، خرجت مظاهرة ليلية متزامنة مع مظاهرة ضاحية «الكلاكلة»، التي تبعد عنها بنحو 50 كيلومترا، وردد مئات المتظاهرين الهتافات نفسها، على الرغم من الترسانة الأمنية التي نصبت حول المنطقة الشعبية منذ ليل أول من أمس.

وفي تحد واضح، استطاع المتظاهرون اختراق الطوق الأمني، ورددوا هتافات «سلمية ضد الحرامية»، لكن تصدت لهم الأجهزة الأمنية بعنف لافت، فانتشروا في مظاهرات أصغر داخل الأحياء والأزقة.

وقال متحدث باسم التحالف المعارض، إن الاحتجاجات السابقة كانت كلها منظمة من طرف «الطبقة الوسطى» في الأحياء العريقة والقديمة، ولم تشارك فيها الطبقات العمالية والأحياء الطرفية، لكن بدخول منطقتي «صابرين» و«الكلاكلة» موجة الاحتجاجات تكون الطبقة العمالية قد ألقت بثقلها لأول مرة منذ اندلاع الاحتجاجات، مبرزا أنهم «سيذيقون قوات الأمن ما لم يروه في أحياء الطبقة الوسطى».

وكان «تجمع المهنيين السودانيين» قد حدد جدولاً للاحتجاجات يستمر طوال هذا الأسبوع، معتبراً ذلك تمهيداً لعصيان مدني شامل، يشل مفاصل الحكومة ويسرع بإسقاطها. وفي البيان المشترك بينه وبين تحالفات المعارضة، الذي دعا فيه للمظاهرات الليلية، أعلن التجمع عن تسيير موكب خامس في قلب الخرطوم غداً الخميس، بالتزامن مع مدن «نيالا، والفاشر، والأبيض، وأبو جبيهة»، فيما ينتظر تأكيد مشاركات مدن وعواصم ولائية أخرى.

ويراهن المحتجون على موكب غد، الخميس، باعتباره الموكب الخامس المعلن الذي يتحدى فيه المحتجون وتجمع المهنيين والمعارضة، قوات الأمن، وذلك بتحديد مكان وزمان المظاهرة.

من جهة أخرى، دعت «رابطة المهنيين السودانيين»، وهي تنظيم يعلن عن نفسه للمرة الأولى منذ بدء المظاهرات، أعضاءها من المهنيين السودانيين ذوي الكفاءة العالية في جميع أنحاء العالم، لتوقيع تعهد يتقاسمون بموجبه خبراتهم في قيادة عملية إعادة إعمار البلاد، بعيد إطاحة النظام الحاكم. وبحسب البيان الصادر عن الرابطة، فإن «التجمعات الاحتجاجية أصبحت يومية تقريباً، وفي كل مدينة رئيسية، ما يشكل تحدياً خطيراً للنظام».

من جهة أخرى، نفت السفارة الروسية في الخرطوم المعلومات، التي نشرتها صحيفة «التايمز» البريطانية حول «مشاركة مرتزقة روس» في قمع الاحتجاجات السودانية، واعتبرتها مجرد «فبركة إعلامية». ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن الملحق الإعلامي للسفارة فلاديمير تومسك قوله: «نؤكد بكل مسؤولية أن الخبراء الروس من الهيئات غير الحكومية لا علاقة لهم، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام الغربية عديمة الضمير، ولا يشاركون في قمع الاحتجاجات في السودان».

ونقلت «التايمز» في تقرير لها وجود مرتزقة ناطقين بالروسية يشاركون في قمع المتظاهرين، وذكرت أن تقارير وصورا التقطت في الخرطوم كشفت عن وجود «مرتزقة روس»، وأن عناصر من منظمة «واغنر الروسية الأمنية، تنشط في قمع المتظاهرين، وتقدم الدعم الاستراتيجي والتدريب لقوات الأمن السودانية».

في غضون ذلك، قلل الرئيس السوداني عمر البشير من إعلان حركات متمردة في دارفور رفضها التفاوض مع حكومته بسبب الاحتجاجات الشعبية، التي دخلت أسبوعها الرابع والتي تطالب بإسقاطه، كما انتقد رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد نور، بسبب تمسكه برفض الحوار مع الحكومة، مشدداً على أن نور لن يتمكن من السيطرة على منطقة جبل مرة حتى لو عاش مائة عام.

وقال البشير مخاطبا ممثلي القوى السياسية في ولاية جنوب دارفور، مساء أول من أمس، إن الأزمة الأخيرة التي شهدتها البلاد دفعت بعض الحركات لإعلان مقاطعة التفاوض مع الحكومة، وأضاف موضحا: «لقد قالوا إنه لا داعي للاتفاق على سلام مع الحكومة لأنها ستسقط... سيطول انتظاركم... ولن ننتظرهم وسنسعى لتحقيق السلام من واقع مسؤولية الدولة».

ومن جهته، قال الدكتور جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، إن حركته رفضت الجلوس مع الحكومة السودانية في الدوحة، وفق اتفاق برلين الذي وقع في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، مشددا على أنه يرفض أن يخون الثورة السودانية في هذه اللحظة الحرجة، وعبر عن خشيته من استغلال النظام المفاوضات في دعايته لإخماد الثورة.

في سياق ذلك، أشار إبراهيم إلى وجود سيناريوهات يحتمل أن تسفر عنها موجة الاحتجاجات الشعبية في السودان، تتمثل في «إعلان الرئيس البشير حالة الطوارئ والمسارعة إلى تشكيل حكومة عسكرية، وفرض حظر للتجوال في المدن الكبرى. لكن هذه الخطوة لن تحظى بالقبول لأن الشعب على قناعة بضرورة رحيل البشير ونظامه باعتبار ذلك مدخلا لحل كل المشكلات».