التاريخ: آذار ٢٠, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
بربريّة ملاّكي العبيد - حازم صاغية

ثمّة من يقولون بحسن نيّة، أو بخوف من المجهول، أو من الإسلاميّين، إنّ الثورة الوحيدة التي تحرّكهم وتستثير فيهم الحماسة والتأييد، ثورةٌ علمانيّة كاملة الديموقراطيّة، ثورةٌ تحسم الصراع مع النظام سلميّاً، ومن دون أيّ تدخّل خارجيّ.
 
لكنْ لنهبط قليلاً على الأرض. فالمجتمع السوريّ الخارج من ستّة عقود بلا سياسة ليس المجتمع الذي ينتج هذه الثورة المرغوبة والمشتهاة. هذا إذا كان في وسع أيّ مجتمع في العالم أن يرقى إلى مصاف تلك الصورة المصفّاة والمنقّاة عن الثورات.
 
والحال أنّ ما قد تفعله الثورة السوريّة هو تحديداً جعل الشعب يتعاطى السياسة، أي جعله حرّاً في أن يناقش حياته وأن يقرّرها. وهذه سويّة إنسانيّة بالمعنى العامّ والبسيط للكلمة، وهي تالياً سابقة على السياسة بحيث لا تكون سياسة قبل حلّها. فإذا صحّ هذا التقدير، وهو صحيح، بدا أصحاب التشكيك بالثورة مستعجلين أكثر ممّا ينبغي، يكثّرون الشروط الكفيلة بإفشال أيّة ثورة، لأنّهم يعاملونها كفكرة مجرّدة لا يوجد الشعب الذي يحملها وينفّذها، أو أنّهم يستجمعون الأسباب التي تتيح الحكم عليها مسبقاً بمناهضة التاريخ.
 
ذاك المطلب السوريّ، البسيط والطبيعيّ والأوّليّ، الذي يقلّ كثيراً عن العلمانيّة والديموقراطيّة الكاملتين، يدور حول الحقّ في حياة حرّة كريمة. ومن يقف في وجه هذا المطلب لا يمكنه أن يكون فعليّاً مؤيّداً للمطالب المحقّة الأخرى الأكثر تعقيداً والأعلى سويّةً. فمن يرفض الحياة الحرّة الكريمة لطالبيها يصعب أن يكون مع المساواة بين المواطنين، أو مع المساواة بين الجنسين، أو مع مكافحة العنصريّة، أو مع التقدّم بشيوع المعنى والتأويل. وهو حتماً لا يكون ديموقراطيّاً، ولا حتّى علمانيّاً. ذاك أنّ العلمانيّة، بوصفها إزاحة لسلطة الدين من الحياة العامّة، مشروطة بوجود حياة عامّة، كما أنّها بذاتها فرع من فروع سعي البشر إلى التحرّر من كلّ سلطان جائر.
 
والنقد الذي يمكن توجيهه لسوريّين إيديولوجيّين وغير منتفعين، يسلكون هذا السلوك، يتضاعف في حالة لبنانيّين يسلكون السلوك نفسه. فالأوّلون، أو بعضهم، قد يتصرّفون بدافع الخوف المباشر، أو تحت وطأة الوضع الأمنيّ القلِق والمقلق، وتحت تأثير وقائع الدم والأحقاد المتراكمة. أمّا اللبنانيّون المرتاحون نسبيّاً، والذين يتمتّعون بحرّيّات معقولة نجمت عن تكوينهم السياسيّ الطائفيّ، وعن توازن قوى داخليّ راهن ومتعادل، والذين لا يريدون، في الوقت ذاته، الانعتاق للسوريّين، كما يستكثرون عليهم أيّاً من التسلّح أو التدخّل الأجنبيّ، فهؤلاء مثلهم مثل ملاّكي العبيد. وملاّكو العبيد هؤلاء هم أنفسهم الذين يعاملون العمالة الأجنبيّة بالطريقة التي يعاملونها فيها، ثمّ يسخرون منها في برامجهم التلفزيونيّة الفجّة والسمجة. وهم، في هذه الغضون، يرسلون المعلّبات الفاسدة للضحايا السوريّين الفقراء الهاربين من الموت الذين جعلهم سوء حظّهم في ضيافة ملاّكي العبيد.

هؤلاء يتقدّمون إلى العالم كواحة من الأسياد مقيمة في جوار محيط من البرابرة. لكنّهم في دواخلهم العميقة لا ينهلون إلاّ من مياه تلك البربريّة التي يقولون إنّهم يخافونها ويزعمون التفوّق عليها.