التاريخ: كانون الأول ٢٣, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
الأحياء البائسة أرض خصبة للتطرّف في مراكش
مراكش (المغرب) - أ ف ب
يبدو حيّ العزوزية حيث أوقف عبد الرحيم خيالي، أحد المشتبه بهم في مقتل السائحتين الاسكندينافيتين في المغرب، بعيداً كلّ البعد عن الأحياء الراقية في مراكش جوهرة السياحة المغربية، بمناطقه السكنية العشوائية وباعته المتجولين وشبابه العاطلين من العمل.

فاطمة خيالي عمّة عبد الرحيم، هذا السبّاك البالغ من العمر 33 سنة الذي أوقف أخيراً إثر الاشتباه بتورّطه في جريمة قتل الطالبة الدنماركية لويزا فيسترغر يسبرسن والنروجية مارين أولاند في منطقة نائية من الأطلس الكبير (الجنوب)، تعجز عن تصديق ما حصل. وتقول المرأة البالغة من العمر 46 سنة في تصريحات لوكالة «فرانس برس» والحزن جليّ في عينيها: «هذه فاجعة لنا وللمغرب. لا أحد يتقبّلها».

ويقع هذا الحي في الضاحية الشمالية الغربية لمراكش العاصمة السياحية للمغرب ويفصله شارع رئيسي معبّد عن منطقة بنيت فيها فيلات محاطة بأشجار النخيل. وفي الجهة المقابلة للشارع تتشّعب أزقّة ضيّقة ملتوية وسط بيوت من طوب اسمنتي عار من أي طلاء تؤدي إلى ساحة صغيرة يتوسطها مسجد.

عبد الرحيم خيالي هو أول الموقوفين في هذه الجريمة التي أكّدت السلطات على «طابعها الإرهابي» وقد ظهر في تسجيل مصوّر إلى جانب ثلاثة مشتبه بهم آخرين أوقفوا بعد ثلاثة أيام، وهم يبايعون تنظيم «داعش» الارهابي. وبحسب السلطات، هم سجّلوا هذا الفيديو «الأسبوع الماضي قبل تنفيذهم الأفعال الجرمية» في موقع يبعد عشرات الكيلومترات عن العزوزية يستقطب هواة رياضة المشي. وقد قُطع رأس إحدى الجثتين، بحسب مصدر مطلع على التحقيق.

ويوضح الباحث محمد مصباح في تصريحات لوكالة «فرانس برس» أن المشتبه بهم الأربعة «هم شباب تتراوح أعمارهم بين 25 و33 سنة يعانون من التهميش الاجتماعي».

وتخبر فاطمة خيالي إنه «كان يعمل سبّاكاً في فندق لكنه قرر فجأة ترك هذا العمل بحجة أن الفندق يقدّم الخمر». وتردف عتيقة الشابة التي ترعرعت معه في الحيّ أنه «بات يرفض إلقاء التحية على النساء والاختلاط معهن في الأعراس».

على بعد 50 مترا، كان يونس أوزياد (27 سنة)، الموقوف أيضاً للاشتباه بضلوعه في هذه الجريمة، يعيش في منزل والديه ويعمل نجّاراً. وهو كان شاباً لا يثير المتاعب «ولم نلحظ أي مؤشرات تنذر بارتكابه فعل كهذا»، بحسب ما قال عبد العاطي بائع الخضر في الحيّ.

ويذكر جيران يونس أنه أطلق لحيته وبات يلبس على الطريقة السلفية منذ سنة أو أكثر قليلاً، وقبل ذلك «كان يدخن»، على حدّ قول جاره نور الدين. ويخبر الأخير «بدأ ينصحنا بالصلاة لكن بكلّ لطف». أما والد يونس، فرفض التحدث مع وسائل الإعلام مكتفياً بالقول «أنا رجل منهار».

وبحسب حسن خيالي قريب عبد الرحيم الذي ينشط في المجال الاجتماعي، استحالت المنطقة قنبلة موقوتة «قابلة للانفجار بسبب تفشّي آفة المخدرات والفقر والبطالة. كل أسباب الانحراف متوفرة هنا». هذه أيضاً حال قرية حربيل على بعد نحو 20 كيلومتراً من مراكش حيث كان يقيم مشتبه بهما آخران هما رشيد أفاط (33 سنة) وعبد الصمد الجود (25 سنة)، وكلاهما بائعان متجولان.

ويعمل أبناء حربيل في الفلاحة يُخيّل للمرء أن القرية خالية من المارة ويرفض سكانها الإدلاء بتصريحات للصحافة. ويقول أحدهم مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: «الناس هنا خائفون، لقد تملّكهم الرعب جراء بشاعة الجريمة وضغط الصحافة». وإضافة إلى المشتبه بهم الأربعة الرئيسيين، أوقفت السلطات المغربية 9 أشخاص آخرين للاشتباه بصلاتهم بمقتل السائحتين الاسكندينافيتين في جنوب البلاد.

وهزّت هذه الجريمة المملكة التي بقيت بمنأى عن هجمات تنظيم «داعش»، فقد شدّد المغرب إجراءاته الأمنية وترسانته التشريعية، معززاً تعاونه الدولي في مجال مكافحة الارهاب، إثر الاعتداء الانتحاري في الدار البيضاء الذي أسفر عن 33 قتيلاً عام 2003، واعتداء آخر استهدف مراكش وأسقط 17 قتيلاً عام 2011. ولكن جريمة القتل هذه «حتى وإن كانت حادثة منعزلة قد تمهّد الطريق لخلايا إرهابية أخرى، خصوصاً في المناطقة المحرومة»، بحسب محمد مصباح.