التاريخ: كانون الأول ٢٣, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
اعتقال 14 من قادة المعارضة السودانية... والمهدي يدعو لتحقيق دولي
زعيم المعارضة طالب المعارضين بنقل الاحتجاجات من التلقائية إلى التخطيط
الخرطوم: أحمد يونس
في تطور جديد للأوضاع في السودان، ألقت سلطات الأمن القبض على قيادات سياسية معارضة ونشطاء في أثناء اجتماع نظمه تحالف «تيار قوى الانتفاضة» أمس، أبرزهم رئيس التحالف المعارض المعروف بـ«قوى الإجماع الوطني» رئيس اتحاد المحامين العرب السابق، فاروق أبو عيسى.

وفي وقت ارتفع فيه عدد قتلى الاحتجاجات إلى 22، في 28 مدينة، دعا زعيم المعارضة السودانية، الصادق المهدي، إلى لتحقيق دولي، بعد استخدام القوة الغاشمة والبطش بمواجهة المواطنين العزل.

واعتقلت سلطات الأمن، إلى جانب أبو عيسى، كلاً من: القيادي في حزب البعث وجدي صالح، والقيادي في الحزب الناصري ساطع أحمد الحاج، في أثناء استضافة حزب البعث للاجتماع في مقره بأم درمان. وبحسب نشرة صادرة عن الحزب، فإن الاجتماع الذي استضافه يخص «تيار قوى الانتفاضة»، ويضم قوى سياسية ونقابية ومنظمات مجتمع مدني، ويهدف للتشاور حول الخطوات العملية لتنظيم الاحتجاجات التلقائية التي انطلقت في البلاد مطالبة بإسقاط النظام، ومنددة بالغلاء والأوضاع المعيشية المترتبة على تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وبحسب النشرة، فإن المجتمعين حددوا يوم الأربعاء المقبل موعداً لتنفيذ إضراب سياسي وعصيان مدني، بيد أن القوات الأمنية حاصرت دار الحزب، واعتقلت بداخله كلاً من فاروق أبو عيسى (85 عاماً)، ووجدي صالح عبده، وساطع الحاج، وطارق عبد المجيد، وأماني إدريس، وعبد المنعم محمد الأمين، ومنيرة سيد، وهيثم تاج السر، وربيع بكري، وعبد الله الهادي، وحنان محمد طارق كانديك أبو القاسم بابكر، وفيصل الرشيد. ويرفض تحالف «قوى الإجماع الوطني» التفاوض مع نظام البشير، ويعمل على إسقاطه عبر ما يطلق عليه الانتفاضة الشعبية والإضراب السياسي والعصيان المدني، على الضد من التحالف الآخر «قوى نداء السودان» الذي يسعى إلى التفاوض مع النظام.

وقال الصادق المهدي، وهو يرأس «تحالف نداء السودان»، في لقاء إعلامي عقده بالخرطوم أمس، إن الاحتجاجات انتظمت 28 مدينة في البلاد، وقتل خلالها 22 شخصاً بالرصاص، وفقاً لرصد أعده حزبه الذي يعد أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد. ووصف المهدي التحركات الشعبية التي اجتاحت البلاد بأنها «مشروعة»، بموجب دستور البلاد والاتفاقيات الدولية المصادقة عليها، ومبررة بدوافع انهيار الخدمات وأسباب المعيشة، وقال: «نؤيد التعبير السلمي عن رفض ظلم وفشل النظام».

وأدان المهدي القمع المسلح الذي واجهت به الأجهزة الأمنية المحتجين السلميين، وأشاد بمن أطلق عليها «القوى النظامية التي امتنعت عن البطش بالمواطنين»، وطلب من «كل القوى النظامية» عدم البطش «بأهلها من جياع ومظلومين».

وجرّم المهدي استخدام القوة الغاشمة والبطش بمواجهة المواطنين العزل، وقال إنه «يستدعي حتماً تحقيقاً وطنياً ودولياً»، وكشف عن وجود لجنة فنية تابعة للأمم المتحدة تراقب الموقف، وأشار إلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بفتح مكتب في الخرطوم لمراقبة حالة الحريات وحقوق الإنسان، وطالب القوى الدولية كافة بالاستجابة لـ«بوصلة صداقة الشعب السوداني المقدمة لهم» باحتجاجاته التي غطت كل أنحاء البلاد تقريباً.

ودعا المهدي إلى تسيير «موكب جامع»، تشترك فيه القوى السياسية والمدنية كلها، وبأعلى ممثليها، وتقدم خلاله مذكرة و«مشروع النظام الجديد البديل»، للانتقال بالاحتجاجات والمظاهرات من التلقائية إلى التخطيط.

وقال إن المذكرة التي يقترحها تسعى لتحقيق مشاركة واسعة للقوى السياسية والفكرية والمدنية والنقابية والأكاديمية على أعلى مستوياتها، وتحديد البديل لتحقيق «سلام عادل شامل، وتحول ديمقراطي كامل»، لتضع النظام أمام خيارين: إما «أن يقبل النظام مطلب الشعب، أو يواجه غضب الشعب»، وتابع: «لقد قلنا، ونؤكد، إن النظام الحاكم أمام خيارين: أن يستجيب للمطلب الشعبي، ويوافق على انتقال سلمي للسلطة، أو أن يرفضه، مما يفتح الباب لمواجهة بين النظام والشعب، مواجهة خاسرة للنظام، وتصاعد إخفاقاته، وانسداد آفاقه».

وسخر المهدي من حجب الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وإغلاق المدارس والجامعات، وقال إنها لا تجدي «مع دوافع الغضب الشعبي»، وأضاف: «أمام النظام تجربة الفريق الراحل إبراهيم عبود، رحمه الله، وتجربة العناد المايوي، ولكن الحقيقة الكبرى أمامه هي أن ما فشل في تحقيقه في ثلاثين عاماً هو الأساس لاعتبار أن التاريخ قد قال كلمته، والعاقل من اتعظ بغيره».

ورداً على تصريحات حكومية ألمحت إلى صفقة بينه وبين النظام، قال المهدي: «حزبنا حريص على النهج القومي، ولا مجال للانفراد، ولا وجود لاتفاقات سرية بينه والنظام»، وأضاف: «نحن شفافون، ولا يوجد لدينا باب سري»، وتابع أن النظام دعاه للمشاركة في كتابة الدستور والانتخابات، بيد أنه اشترط وقف العدائيات، وتهيئة مناخ الحوار، بإطلاق سراح المعتقلين، وكفالة الحريات، وبحث القضية الدستورية في مؤتمر قومي دستوري، وإتاحة الاستحقاقات الانتخابية، الممثلة في تشريع قانون انتخابات قومي يضمن كفاءتها ونزاهتها، وإنشاء مفوضية انتخابات قومية مستقلة، وتابع: «حزبنا حريص على حل مشاكل البلاد بـ(اليد، وليس بالسنون)، وهذا معلن».

وعزا المهدي عدم دعوته لمستقبليه للخروج في احتجاج إلى توخي الحكمة، بقوله: «أنا أرصد كيف تعاملت كثير من القيادات التاريخية في ظروف الضرورة، وكيفية اتخاذ قرار؛ يتخذون القرارات دون التنازل عن المبادئ»، وتابع: «أنا مسرور من موقف جماهير الحزب المتحمسة، وأعضاء الحزب الذين قرروا تجميد عضويتهم أو استقالوا من الحزب لأننا لم نطلب الخروج من الشارع، لأنه يكشف للنظام أننا نواجه ضغطاً من جماهيرنا لنكون أكثر حماسة، بما قد يجعله أكثر تجاوباً مع المطالب الشعبية».

وحذر المهدي من أيلولة الأوضاع في البلاد إلى أوضاع شبيهة بالأوضاع التي عاشتها بعض بلدان «ثورات الربيع العربي»، وتحول الاحتجاجات إلى حرب أهلية، وقال: «لقد حدثت بطريقة مفاجئة، واستطاعت بلوغ غايتها، لكن لأنها كانت ضاغطة، فشلت في عمل الاستبدال الصحيح، لأنها كانت أشبه بالتلقائية»، مشيراً إلى ما سماه «تخندق» الأنظمة في بقية البلدان، مثل سوريا واليمن وليبيا، التي تحولت فيها الثورات إلى حروب أهلية. وأوضح المهدي أنه لا يمانع الحديث مع نظام الرئيس البشير على أسس ثنائية، لكنه يشترط على من يتفاوض ثنائياً أن يكون تفاوضه قائماً على الأجندة القومية.