التاريخ: شباط ٥, ٢٠١١
 
انتفاضة النيل ضد دكتاتورية الحزب الواحد

بول شاوول

 

كأنه زمن هبوب الحرية ملء الهواء على عالمنا العربي وسواه كإيران وانتفاضتها الخضراء وبقيادة كروبي والموسوي ورفسنجاني وخاتمي.
هذا الهبوب العاصف يحتله الشبّان. شبّان ليسوا من عصر الانقلابات، والثورات العسكرية والدبابات والبيان رقم واحد؛ انهم من عصر لم يعد فيه للأحزاب السائدة والتاريخية حضور أو أثر. هؤلاء الشبان يمثلون أجيال التواصل والأنترنت والفايس بوك وتدفق المعلومات وشفافية العالم... واللا انتماء المقنّن.


في إيران هَبّ ذلك الهواء طرياً عبر ملايين الإيرانيين بعد تزوير الانتخابات وتعيين أحمدي نجاد رئيساً في ظل ولاية الفقيه العادل والشجاع والحكيم! ونظن أن عصف الثورة هذه في الشبان جعلها خضراء، نضرة، تشبه الربيع، وربما كل الفصول لا سيما ما يمكن أن نسميه الفصل الخامس!


نظام ولاية الفقيه كشّر عن أنيابه وشهر آلاته القمعية وأفلت حراسه (الشاهنشاهي بامتياز) على المتظاهرين العُزّل والسلميين، واتهمهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل بمن فيهم قادة الانتفاضة الذين ساهموا في صنع الثورة الخمينية. وأفلت "عسسه" وعسكرة ونصب محكمة سياسية حكم فيها بالإعدام على شباب في العشرين وما دون ذلك أو ما فوق بالإعدام. وأعدم بعض من تظاهر وقطع اتصالات الأنترنت. لكن بقيت الهواتف المحمولة لتكون من الشهود على بربرية هذا النظام ووحشيته وكراهيته لكل نزوع إلى الديموقراطية... إنهم الطغاة! يواجهون ثورات بلادهم بالدم.
الانتفاضة الإيرانية هذه لا يمكن ان تكون، برغم خصوصيتها منفصلة عن ثورة الأرز (وهي من خضرة الشجرة الألفية) من حيث توجهاتها إلى مجتمع مدني، ديموقراطي، تعددي، وحر، رافضين دكتاتورية ولاية الفقيه.


ونظن أن هذه الثورة الخضراء في بلاد عمر الخيام كأنها توأم انتفاضة الياسمين في تونس: ضد الدكتاتورية والقمع والفساد وكما واكبت الانتفاضة الإيرانية ممارسات فظيعة دموية من قبل النظام، فالوقائع ذاتها واجهت شباب تونس حتى بعدما فرّ بن علي، ورهط من حاشيته ومساعديه ومجيء حكومة جديدة تكاد تكون خالية من رموز النظام القديم. ونظن أنّ من الانتفاضات الثلاث: الأرز في لبنان و"الخضراء" في إيران و"الياسمين" في تونس، ها هي انتفاضة شبان مصر البيضاء وكأنها استمرار لما سبقها. وكما واجهت سابقاتها من عنف والميليشيات والأجهزة، ها هي تواجه في ميدان "تحرير" عنفاً بغية تنفيس تحركها وإفشاله.


هبوب متقارب جداً جغرافياً وذهنياً وفكرياً وسياسياً: لا للطغاة ! وهذه الحلقات الأربع أو المحطات الأربع المؤسسة، لن تتوقف. فهي أكثر من عدوى. انها وعي طازج وجديد، ومواجهة من طبيعة جديدة تبشر بزمن جديد زمن ما بعد الأيديولوجيات المغلقة. من بعد الأحزاب السلطوية وما بعد الشعارات التافهة، وما بعد الانخراط في الماضي... الجامد. انه عصر الشبان الجدد في مواجهة الطغاة الأبدي، طغاة التوريث والعائلية والفساد والنهب والاستهلاك والقتل والقوة...


ولا نظنّن أن المعركة سهلة ووردية ميسرة، فهؤلاء الطغاة الذين ما زالوا بالتوريث العنفي والعسكري متربعين على كواهل شعوبهم... سيواجهون كل انتفاضة لشعوبهم بالدم!
فالطغاة هم الدم المفتوح من الأبد إلى الأبد!
وللتذكير: كل الطغاة يواجهون ثورة بلادهم بالدم.