|
|
التاريخ: كانون الأول ٢١, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
الإنسحاب الأميركي من سوريا... من يملأ الفراغ؟ |
سميح صعب
منذ لحظة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره المفاجئ بالانسحاب من سوريا، وسيل التكهنات لا يتوقف عن الجهة التي ستملأ الفراغ العسكري والسياسي الذي سيخلفه سحب ألفي جندي أميركي يتمركزون عموماً في مناطق شرق سوريا وشمالها الشرقي.
لا يبدو ترامب مهتماً من حيث الشكل بالقوى التي ستحل محل القوات الأميركية، وهو يكتفي بالتعميم عند الإشارة إلى المسألة ويقول "الحلفاء". لكن من هم هؤلاء الحلفاء؟ هل هم المقاتلون الأكراد الذين سيقعون الآن بين ناري "داعش" والرئيس التركي رجب طيب إردوغان؟ أم هم الفرنسيون الذين يبقى وجودهم رمزياً إلى حد كبير في منطقة انتشار الجيش الأميركي؟ أم أن هناك قوات أخرى من التحالف الدولي جاهزة للانتشار في بقعة جغرافية ساخنة من سوريا وعلى امتداد الحدود مع العراق؟
السؤال هنا يبقى بلا إجابة. لكن الأنظار تتجه إلى غير الحلفاء أو إلى قوات من خارج التحالف الدولي. والمعني بذلك روسيا وتركيا وإيران. بعد ساعات من إعلان الإنسحاب الأميركي، حط الرئيس الإيراني رحاله في أنقرة ضيفاً عزيزاً على إردوغان. وتوقيت الزيارة لا يخلو من دلالات سياسية نظراً إلى التطورات المصاحبة لها. ولن يكون الدور التركي في تخفيف عبء العقوبات الأميركية على طهران وحده محل البحث. ومن المؤكد أن سوريا في مرحلة ما بعد الإنسحاب الأميركي هي أيضاً مادة رئيسية على طاولة المحادثات.
ولا يرقى الشك إلى أن إردوغان كان الأكثر سعادة بالانسحاب الأميركي، لأنه سيسهل المهمة التركية في دحر مقاتلي "وحدات حماية الشعب" الكردية في شرق الفرات إنطلاقاً من منبج وحتى الحدود السورية مع العراق. ومجدداً سيكون الأكراد على موعد مع خيبة جديدة من خيبات التاريخ. الأميركي خذلهم في سوريا كما خذلهم في العراق، كما خذلتهم القوى الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وكذلك في جمهورية مهاباد بعد الحرب العالمية الثانية. والإنسحاب الأميركي يعطي متنفساً لإيران فوق الساحة السورية، على رغم أن إسرائيل المستاءة من الخطوة الأميركية لوحت بتصعيد ضرباتها للمواقع الإيرانية في سوريا. لكن هل تكون إسرائيل مطلقة اليدين بعد القيود الروسية المعروفة منذ 17 أيلول تاريخ إسقاط طائرة استطلاع روسية خطأً بنيران مضادات سوريا خلال غارات إسرائيلية على اهداف في اللاذقية؟ وماذا لو أدى الاشتباك الاسرائيلي - الإيراني فوق سوريا إلى حرب أوسع نطاقاً قد تستخدم فيها سوريا صواريخ "إس-300" المتطورة التي تسلمتها من روسيا في الأشهر الأخيرة؟ وليس خافياً أن روسيا لا تريد مثل هذه المواجهة. وهذا عامل من شأنه ضبط التصعيد الإسرائيلي. وبطبيعة الحال إيران ستكون مستفيدة من الإنسحاب الأميركي لأنه يسهل عليها التواصل البري بين الفصائل العراقية التي تدعمها طهران وتلك الموالية لإيران في سوريا. هذا الوصل الجغرافي طالما كان هاجساً يقض مضاجع واشنطن وإسرائيل. وبعد الإنسحاب الأميركي من التنف، الممر البري من طهران إلى المتوسط سيصير أكثر سهولة!
هنا يبرز دور روسيا. ولا تجد واشنطن مفراً من إيكال مهمة ضبط التوازن فوق الساحة السورية إلى موسكو. وسيبرز الدور الروسي السياسي أكثر بعد الإنسحاب الأميركي. ولطالما اشتكى المسؤولون الروس من أن الوجود العسكري الأميركي يقف حائلاً دون تقدم جهود الحل السياسي في سوريا. ولم يتأخر الكرملين في التعليق على الإنسحاب الاميركي، بأنه سيكون عاملاً مساعداً على إيجاد التسوية. وعليه فإن مسار أستانا مرشح لأن يتعزز وقت تبدو روسيا هي القادرة الآن على ضبط إيران وتركيا وحتى حماية الأكراد بعد خيبتهم الأميركية.
وبعد هذا المنحى المتسارع للأحداث في سوريا، تقع على روسيا الآن مهمة المضي في رحلة البحث عن الحل السياسي من جهة، والقضاء عسكرياً على ما تبقى من بؤر لـ"داعش" في الشرق السوري. وهذا ما سيعطي زخماً لتفعيل اتفاق سوتشي حول إدلب وحرمان "جبهة النصرة" الوقت المستقطع الذي كسبته من جراء التقاعس التركي في تنفيذ الاتفاق. وبالنسبة الى روسيا، مقاتلة "النصرة" ستكون أهم بكثير من ذهاب إردوغان إلى شرق الفرات. وعلى الرئيس التركي ألا يبالغ كثيراً في الاحتفال بالإنسحاب الأميركي وأن يعزوه مثلاُ إلى مكالمة هاتفية بينه وبين ترامب! |
|