|
|
التاريخ: كانون الأول ٢٠, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
تداعيات انسحاب واشنطن المحتمل من سوريا... "كابوس" لتركيا؟ |
جورج عيسى
بالكاد مرّ أسبوع على تهديد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالتحرّك العسكريّ شرق الفرات حتى برزت أخبار استعداد الولايات المتّحدة للانسحاب من شمال شرق سوريا. ويبدو أنّ ما يريده ترامب هو انسحاب "كامل" و "سريع" لقوّاته من سوريا وهو قرار من المرجّح أنّه اتّخذه يوم الثلاثاء بحسب شبكة "سي أن أن" الأميركيّة. لكن لو سحبت واشنطن قوّاتها فعلاً، فإنّ خطوة كهذه قد تغيّر موقع تركيا الإقليميّ، وليس بالضرورة للأفضل.
إنّ الردّ الأوّل من الولايات المتّحدة على التهديد التركيّ جاء على لسان ناطق باسم وزارة الدفاع الأميركيّة قال إنّ أيّ إجراء أحاديّ الجانب لأيّ طرف في شمال شرق سوريا يمثّل "مصدر قلق شديد وغير مقبول"، محذّراً من أنّه قد يعرّض القوّات الأميركيّة للخطر. وإذا كان للانتشار الأميركيّ في المنطقة مفعول ضامن للنفوذ الكرديّ من أيّ هجوم تركيّ، فإنّ انتهاء هذا الانتشار لن يعبّر حتماً عن خيارات أفضل بالنسبة إلى الرئيس التركيّ بحسب البعض. لكن على الأرجح، استند إردوغان حين أطلق تهديده إلى بعض العناصر التي رآها مناسبة له.
خلط أوراق
حقّق الرئيس التركيّ مكسباً مهمّاً في 17 أيلول الماضي، حين نجح بتوقيع اتّفاق سوتشي مع الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين والذي جنّب إدلب هجوماً عسكريّاً كبيراً كان سينعكس على بلاده بمئات الآلاف من اللاجئين. بقي الهدوء النسبيّ مسيطراً على تلك المحافظة وجوارها لبضعة أسابيع قبل أن تعود الخروقات العسكريّة من بينها ما يشتبه بكونه هجوماً كيميائيّاً أواخر تشرين الثاني. عودة الخروقات لم تدهور الأوضاع في المنطقة بشكل دراميّ لكنّها سلّطت الوضع على هشاشتها الأمنيّة. على هامش قمّة مجموعة العشرين التي عُقدت مؤخّراً في الأرجنتين، قال بوتين ردّاً على سؤال صحافيّ حول إدلب إنّ الوضع هنالك "مقلق" وأضاف: "نرى أنّ شركاءنا الأتراك لم يتمكّنوا بعد من تحقيق كلّ (ما هو مخطّط له)، لكنّهم يعملون (على ذلك). نرى أيضاً أنّهم يعملون على إنشاء منطقة منزوعة السلاح". وفي تلك القمّة، عرض إردوغان على نظيره الروسيّ عقد قمّة ثانية بشأن المحافظة.
يتبيّن من كلام بوتين ومن عرض إردوغان أنّ تعليق الهجوم ضدّ إدلب غير مضمون في ما يتعدّى المدى المنظور. فالرئيس الروسيّ أعلن بطريقة ضمنيّة أنّه سيعطي الأتراك المزيد من الوقت من أجل "تحقيق كلّ ما هو مخطّط له". لكنّ المدّة المعطاة كانت غير واضحة إلى الآن وقد يزداد غموضها بعد الإعلان الأميركيّ. وإذا كان الرئيس التركيّ مركّزاً على التخلّص من المقاتلين الأكراد شرق الفرات، فسيبقى مهمّاً بالنسبة إليه أن يؤمّن هدوءاً نسبيّاً في إدلب كي لا يكون أمام أكثر من جبهة على حدوده الجنوبيّة. يمكن أن يعني ذلك، استغلال أردوغان للفرصة الروسيّة المعطاة له كي يتحرّك شرق الفرات طالما أنّ الهدوء النسبيّ سيظلّ سيّد الموقف في المحافظة. لكن اليوم، قد لا يعود هدوء الوضع في إدلب كافياً لتحقيق طموحات إردوغان. فرحيل الأميركيّين عن شمال شرق سوريا يعطي الروس مزيداً من النفوذ أكان خلال مفاوضات محتملة لاحقة حول مصير إدلب، أو الأهمّ خلال تحديد مصير المنطقة التي سيغادرها الأميركيّون. فعلى الرغم من أنّ العلاقات التركيّة الأميركيّة لا تزال متوتّرة، كان بإمكان أنقرة أن تحمي دورها الإقليميّ من خلال الموازنة بين نفوذ موسكو وواشنطن في سوريا. لكن بتسليم كامل سوريا تقريباً للروس، يخسر الأتراك جزءاً كبيراً من إمكانيّة المناورة. أمّا الخسارة فقد لا تنحصر في هذه الجزئيّة.
ضربة مزدوجة؟
يجادل غونول تول وغوناي يلديز في مقال ضمن "معهد الشرق الأوسط" أنّه بغياب المظلّة الأميركيّة عن الأكراد، لن يكون لدى موسكو أسباب كثيرة للاستمرار بسياساتها المناوئة لهم كما حصل حين أعطت الضوء الأخضر لتركيا بالدخول إلى عفرين. عندها سيعود الروس على الأرجح إلى دعمهم الأساسيّ لسوريا فيديراليّة وهذا سيناريو سيشكّل "كابوساً" لتركيا. ويتابع الكاتبان أنّ الانسحاب الأميركيّ سيجعل الوجود العسكريّ التركيّ داخل سوريا أصعب، إذ لن تتسامح روسيا أو إيران أو دمشق مع أنقرة التي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي التركيّة. كذلك، ساعد الوجود العسكريّ الأميركيّ تركيا في إدلب لأنّ واشنطن أدّت دوراً خلف الكواليس لمنع هجوم على إدلب وهو الأمر الذي ساعد تركيا على تأمين اتّفاق "سوتشي".
إذاً، يُحتمل جدّاً أن يطلق الانسحاب الأميركيّ من المنطقة تداعيات سلبيّة جداً على النفوذ التركيّ في شمال سوريا. فالمهلة التي من المرجّح أن يكون بوتين قد أعطاها لإردوغان في إدلب قد تنتهي سريعاً بطريقة تقوّض تأثيرها في المحافظة. وإذا عادت روسيا لطرح النظام الفيديراليّ كحلّ لمستقبل سوريا، فإنّ مقاطعة أو ولاية كرديّة على الحدود الجنوبيّة لتركيا ستضاعف أزمة أنقرة. لكن بحسب مراقبين آخرين، لن يكون الوضع بهذا السوء لتركيا. وبدقّة أكبر، قد تكون روسيا وتركيا كلتاهما مسرورتين في حال انسحبت واشنطن.
الكابوس ليس حتميّاً
يسرد الباحث في "مشروع أمن الشرق الأوسط" التابع ل "مركز الأمن الأميركيّ الجديد" نيكولاس هيراس مجموعة من الملاحظات ل "النهار" يستبعد فيها مواجهة تركيا أسوأ مخاوفها إلّا في حالة وحيدة: "كابوس تركيا سيتحقق إذا عقدت قوات سوريا الديموقراطيّة اتّفاقاً مع الأسد. لقد أوضح الأسد أنّه يريد استعادة السيطرة على جميع الأراضي السوريّة ولن يقبل بمنطقة سيطرة تركية غير محدّدة المدّة في شمال سوريا. إذا سحبت الولايات المتّحدة قوّاتها، واجتاحت تركيا (مناطقها السابقة) فعندها ستحتفظ تركيا بتلك المساحات من شمال شرق سوريا كمنطقة عسكريّة تديرها تركيا إلى أجل غير مسمّى. هذا الوضع سيحبط طموحات الأسد، الأمر الذي يخلق مزيداً من المشاكل لروسيا".
يرى هيراس أنّ "الردّ الروسيّ الطبيعيّ سيكون السماح للأسد بدخول إدلب الأمر الذي سيرسل مئات الآلاف من اللاجئين باتّجاه تركيا. من هنا، ستكون روسيا وتركيا سعيدتين برؤية الولايات المتّحدة تغادر سوريا، لكنّهما ستحتاجان كلتاهما إلى إدارة تداعيات الانسحاب الأميركيّ بدقّة شديدة، وإلّا قد تكون النتيجة الفوضى التي تزعزع أكثر استقرار سوريا وطموحاتهما المتتالية". |
|