| | التاريخ: آذار ١٣, ٢٠١٢ | المصدر: جريدة الحياة | | فولكلور؟ نعم ولا - حازم صاغية |
أصوات كثيرة علمانيّة وشبه علمانيّة، وأخرى أقليّةٌ شديدة التحسّس لأقليّتها، تستخدم السلفيّين وصعودهم حجّةً لتأييد النظام السوريّ. ذاك أنّ دعم الأخير قد يبدو اليوم مخجلاً بذاته، يلزمه ما يمنح الخجل جرعة من الشجاعة والمبادرة بحيث يصار إلى تطبيع التأييد. هكذا يلتوي الدعم ويتعرّج ليتّخذ الشكل التالي: إنّ سقوط النظام المذكور سوف يؤدّي حتماً إلى اجتياح سلفيّ تتجمّع غيومه في سموات العرب جميعاً. هذا كذب محض. وأحياناً يسير الكذب جنباً إلى جنب «أحداث» دمويّة مفبركة هنا وهناك، علماً أنّ السلفيّين الجهادين لم يكن لضرباتهم أثرٌ، إبّان قوّة النظام السوريّ، إلاّ في العراق! واقع الحال أنّ السلفيّات العربيّة التي شهدناها «صاعدةً» حتّى الآن لم نر منها ومن صعودها إلا فولكلوراً من الدرجة الخامسة. وقد جاءت عمليّة تجميل أنف السلفيّ المصريّ، ودعوة السلفيّ التونسيّ أن تكون لكلّ رجل جارية، لتتوّجا مجموعة من الفتاوى والمواقف المضحكة المبكية في وقت واحد، التي صدرت عن سلفيّين. وفي هذه الغضون تبيّن على نحو لا يقبل الشكّ أنّ أدنى احتكاك بين المؤسّسات السياسيّة الحديثة وبين السلفيّين كافٍ لإظهار غربتهم عن كلّ ما يتعلّق بالدولة والسياسة وتسييرهما. فهؤلاء، في أحسن أحوالهم، طاقة مهدورة في السخافات التي لا تُصرف اجتماعيّاً خارج برامج الترفيه التلفزيونيّ المبتذلة. لكنْ في مقابل تضخيم السلفيّين ومخاطرهم لتهريب الموقف المؤيّد للوضع القائم، ثمّة ميل إلى الاستهانة بما قد ينتهي إليه السلفيّون. فهؤلاء، وهم أقرب إلى مزحة الآن، ربّما تحوّلوا إلى خطر فعليّ في ظلّ أيّة أزمة اقتصاديّة كبرى. والأزمات الضخمة، في هذه المرحلة الانتقاليّة، وفي ظلّ محنة تضرب الاقتصاد العالميّ كلّه، ليست مستبعَدَة بحال من الأحوال. ونعرف أنّ النازيّين الألمان كانوا، في ظلّ جمهوريّة فايمار، مزحة هم أيضاً. لكنّ تفاقم الأزمة الاقتصاديّة معطوفةً على المذلّة التي أنزلها صلح فرساي بألمانيا، جعل تلك المزحة أخطر ما تعرّضت له ألمانيا، بل أخطر ما تعرّض له العالم في القرن العشرين. والفاشيّة، في آخر المطاف، هي ذاك التلاقي بين فكر بالغ الرجعيّة وأزمة اقتصاديّة بالغة الاستحكام. وفي العالم العربيّ يُخشى أيضاً أن يدفع ضعف التقاليد السياسيّة ووهن المؤسّسات والافتقار التاريخيّ إلى مراكز سلطة مدنيّة تقف خارج الدولة في الاتّجاه هذا. أمّا في سوريّة تحديداً، فاستطالة الأزمة واحتمالات العسكرة تحمل على الخوف من مستقبل قد لا يكون بعيداً، فيما حضور الأقليّات الواسع، وهي دينيّة ومذهبيّة وإثنيّة، تفاقم هذا الخوف وترفع أكلاف احتمال كهذا. وإذا كان نصيب المسؤوليّة الأوفر، وبلا قياس، يعود إلى النظام الذي يتسبّب في ظواهر كهذه، ويخلقها حين تستدعي مصلحته ذلك، كما يفبركها أو يضخّمها خدمةً للمصلحة نفسها، فإنّ الانتفاضة مدعوّة إلى جرعة أعلى من الانتباه والتنبيه، ومحاولة العمل على تأسيس مواقف أشدّ تركيباً يجتمع فيها فضح أكاذيب اليوم والإعداد لغدٍ أدعى إلى الاطمئنان. وقد لا يكون من المبالغة القول إنّ إحدى وظائف العنف الهائل الذي يسلّطه النظام السوريّ على شعبه منعه من تفكير مسائله وإشغاله عن ذلك. لكنّ جزءاً أساسيّاً من التصدّي لهذا العنف يكمن في التصدّي لذينك المنع والإشغال.
| |
|