| | التاريخ: كانون الأول ١٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | نشطاء حقوقيون: الدولة السورية تصادر ممتلكات المعارضين | بيروت - رويترز
تلجأ الحكومة السورية إلى قانون مكافحة الإرهاب الأقل شهرة بين القوانين التي سُنَت في السنوات القليلة الماضية لمصادرة أملاك معارضين وعائلاتهم، فيما تستعيد السيطرة على مناطق كانت خاضعة للجماعات المعارضة المسلحة، وفق ما قالت منظمات حقوقية ونشطاء طالتهم هذه الإجراءات.
فمع استقرار المشهد في الصراع السوري، على الأقل في الوقت الراهن، واستعادة الرئيس بشار الأسد السيطرة على كبرى المدن، يتنامى التركيز على أسلوب تعاطيه مع المناطق التي انتفضت ضده عام 2011. وينصب الاهتمام الدولي على متابعة سياسات النظام، على سبيل المثال التشريع المعروف بالقانون، الذي قد يتيح لحكومته انتزاع أملاك سكان في معاقل المعارضة التي تكبدت أكبر الخسائر في الحرب.
وفي حين لم يدخل القانون رقم 10 حيز التنفيذ بعد، يُستخدم قانون مكافحة الإرهاب بالفعل لمصادرة الممتلكات بما في ذلك أملاك أشخاص لم يشاركوا في أعمال عنف، وفق ما قالت منظمات لحقوق الإنسان.
من بين هؤلاء، مهندس معماري شارك في الاحتجاجات ضد الأسد في بداية الانتفاضة ونشر مواد مناهضة للحكومة على الإنترنت فخسر منزله ومكتبه وأرضه الزراعية في الغوطة في جنوب غرب سورية، إضافة إلى سيارته. وقال: «بالأرض إلنا ذكريات من وقت ما كنا صغار. ربينا نحنا وياها سوا. البيت عمّرته بإيدي كل زاوية فيه وكل نقطة فيه ساويتها بإيدي من تعبي ومن شغلي». ويعيش المهندس السوري اليوم في محافظة إدلب في شمال غرب البلاد، عقب فراره مع كثيرين من سكان الغوطة بعد سيطرة الحكومة عليها في نيسان (أبريل).
وطلب الأشخاص الستة الذين تحدثوا إلى «رويترز» عن مصادرة أملاكهم عدم الكشف عن هوياتهم بعدما وردت أسماؤهم في أوامر مصادرة، إذ أنهم معرضون لخسارة ممتلكاتهم نهائياً، وفي كثير من الحالات يعيش أفراد من أسرهم في المناطق التي عادت لسيطرة الحكومة.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي قوائم، تعتقد منظمات حقوقية أنها دقيقة، تثبت صدور مئات أوامر تنفيذية لأحكام بالحجز الاحتياطي قد تطال ربما آلاف الأشخاص.
وتلقى المهندس المعماري للمرة الأولى أنباءً عن إجراءات أمنية صادرة ضده حينما شطبته نقابة المهندسين من عضويتها تنفيذاً لأمر أمني وألغت معاشه التقاعدي. وعلى رغم انضمامه للاحتجاجات ضد الأسد من بدايتها، إلا أنه أكد عدم حيازته للسلاح أو استخدامه في أي مرحلة من مراحل النزاع وعدم مشاركته في الإدارة المحلية في منطقة الغوطة الشرقية التي استعادها الجيش السوري في نيسان.
وفي ذروة حصار الغوطة الشرقية عام 2016، حاول المهندس بيع سيارته. وقال لـ»رويترز» عبر تطبيق هاتفي للرسائل الفورية: «حاولت بيع سيارتي. قلنا السمسار بالشام إنو طلع مكتوب على كشف الإطلاع إنو محجوز على أملاكنا المنقولة وغير المنقولة هو وشركاؤه وأولاده وزوجته لسبب أمني. تفاجأنا مما اضطرنا لبيع السيارة قطع من دون نمرة. بعتها بـ190 ألف ليرة كان حينها الدولار بـ326 ليرة (نحو 580 دولاراً) بسبب حاجتنا للمال».
ومع مغادرتهم إلى إدلب مع آلاف آخرين في إطار اتفاق استسلام الغوطة الشرقية، تركت العائلة النازحة وراءها بيتاً ومكتباً وأرضاً زراعية وضعت الدولة يدها عليها بالكامل. ولكن أصحابها ليسوا بوارد الاستغناء عنها. وقال الابن الأكبر للمهندس الذي يعيش في ريف حلب مع عائلته الصغيرة: «والله شي صعب وصف بيت ربينا فيه كل حياتنا وأرض كبرنا مع كل شجرة زرعناها فيها. ما بخفيك إني مشتاق لبوابه وشبابيكه وحتى عتبة البيت».
وبعد مرور سنة على اندلاع الانتفاضة، عدّل الأسد قوانين مكافحة الإرهاب وأصدر مرسوماً يمنح المحاكم سلطة إصدار أوامر مصادرة أملاك خاصة لأسباب أمنية. في البداية يتم تجميد الأصول المنقولة وغير المنقولة بموجب هذه الأوامر، ما يمنع أصحابها من بيعها أو استخدامها لأغراض تجارية، وفي حال تنفيذ هذه الأحكام تعرض الدولة السورية هذه الأصول للبيع في المزاد العلني.
وقال طبيب من مدينة دوما في الغوطة الشرقية فرّ في نيسان ويعيش الآن في تركيا، إن الحكومة استولت على منزله وأرضه وعيادته وسيارته. وأضاف: «كل ناشطين الثورة اعتبرهم النظام ارهابيين وحاكمهم غيابياً وحجز على أملاكهم». وتقول منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن أوامر تجميد الأصول كانت ضمن عدد كبير من القوانين التي استخدمتها الحكومة السورية لمعاقبة المنشقين والمعارضين السياسيين.
وتنفي دمشق أن تكون قوانين مكافحة الإرهاب تستهدف المنشقين السلميين أو تنزع ملكيات خاصة بصورة غير قانونية، ولكن الحكومة لم ترد على طلب «رويترز» للحصول على تعقيب.
وأوضحت «هيومن رايتس ووتش» أنها لم تتمكن من التثبت من صحة كل القوائم التي انتشرت على الانترنت وضمت أسماء أشخاص طالتهم الأوامر القضائية ولا من حجم الممتلكات المجمدة.
لكنها قالت إنها تأكدت من عدة حالات لأشخاص وردت أسماؤهم على احدى القوائم. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان والشبكة السورية لحقوق الإنسان إنهما تأكدا بدورهما من عدد كبير من الحالات.
وذكرت الشبكة السورية أنها وثقت تعرض 327 شخصاً على الأقل لمصادرة أملاكهم بين عامي 2014 و2018. وقال المرصد إنه سجل 93 حالة مصادرة استهدفت نشطاء في المعارضة، مشيراً إلى وجود عدد أكبر بكثير من الحالات، لكنه لم يتمكن من التحقق منها بسبب خشية أصحابها من التطرق إلى هذا الموضوع.
ويخشى من طالتهم أوامر المصادرة على حياتهم إن هم عادوا بعد وصمهم بالإرهاب لكن خسارة ممتلكاتهم ستحول دون عودة أفراد أسرهم أيضاً يوماً ما إلى أرض الوطن. وقال المهندس المعماري الذي يعيش مع عائلته حالياً في إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة: «طبعا ما ترك للناس يلي تمت مصادرة أملاكها شي لترجع له أو بقي عندها أمل طالما هذا النظام موجود».
ومن المفارقات أن الأشخاص الذين غادروا الغوطة الشرقية هم الأكثر احتياجاً للممتلكات التي تركوها وراءهم، وأحدهم، وهو ناشط سابق، يعيش الآن في فقر مدقع بعيداً عن مسقط رأسه بعد مغادرته الغوطة الشرقية إلى إدلب وسط انعدام فرص العمل تقريباً وعجزه عن الدفع للمهربين المبلغ المطلوب لتهريبه عبر الحدود إلى تركيا.
وتعجز عائلته التي كانت تعيش في رخاء قبل النزاع وبقيت في بلدتها بعد انتهائه عن تزويده بالمال اللازم عن طريق بيع أو تأجير الأراضي بسبب تجميد ممتلكاتهم بعدما اكتشفوا الأمر عند نشر القوائم على الإنترنت قبل فترة وجيزة من استعادة الحكومة السيطرة على الغوطة الشرقية في نيسان. | |
|