التاريخ: آذار ١٢, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
المغرب ومكافحة الفساد - محمد الأشهب
لم يحدث شيء من تعهدات وزير الداخلية المغربي المتنفذ إدريس البصري ورفيقه في العدل عبد الرحمن أمالو، يوم أقرا ما أطلق عليه «حملة تطهير» في مواجهة أباطرة المخدرات والتهريب في منتصف تسعينات القرن الماضي.
 
أصبح ذلك جزءاًَ من الماضي. التعهدات ظلت حبراً على ورق، ولم تزد عن كونها استخدمت سياسياً للتلويح بالعصا الغليظة في مواجهة الذين لم يذعنوا لصف الموالاة والمحاباة.
 
لا شيء يجمع بين تلك الحملة وما يعيشه المغرب من تفاعلات في ملف نشر أسماء المستفيدين من أذونات النقل، سوى أن المشاعر تلتهب في كل مرة تلامس فيها اليد مكامن الجراح التي أدت إلى استشراء الفساد. والفارق بين الحالتين أن الإدارة التي تنبهت يوماً إلى ما يمكن أن تجنيه من حملات تطهير، هي نفسها التي كانت طرفاً في معادلة الحكم بالترهيب والترغيب. فقد لجأت إلى انتقائية ضربت اقتصاديات البلاد في مفصل، إذ طاولها الانتقام وتغليب نزعات مريبة انتهت بمتزعميها إلى السجون أو المنافي. ولم يدر في خلد من كان اسمه يثير رعشة الخوف أنه سيقبع في السجن رقماً منسياً.
 
ذلك بعض من تداعيات احتكار السلطة، إذ تهدد الذين يملكون وتسلب آمال من يحملون فقرهم على أكتافهم. وليس صدفة أن الحملات التي اعتراها التعسف وغياب القانون جاءت بعد عقد من عملية اكتتاب ذات مسحة دينية خلفت وراءها الاستياء والتذمر. ومن يومها لم تعد العلاقة بين المال والسلطة تسير في غير الاتجاه الخطأ من هذا الجانب أو ذاك.
 
كما أن الذين ناهضوا أشكال التعسف واستخدام النفوذ لم يكن أمامهم غير الاحتماء بالقانون الذي يكفل تعايش الطموحات والحظوظ، من دون تمييز أو احتكار. وربما لو تزامن نشر قوائم المستفيدين من امتيازات الدولة مع طرح مشاريع قوانين أمام البرلمان بهدف تنظيم العلاقات المتداخلة بين مساعدة المواطنين المحتاجين وحظر أسلوب الامتيازات التي تضرب الحق في المساواة، لكان الأمر أجدى.
 
المبادرة في حد ذاتها لا تقل أهمية عن خلخلة المشهد السياسي، فالمفاجأة لم تكن في مجيء الإسلاميين إلى الحكم فقط، بل في الوفاق التلقائي الحاصل بين تغيير المواقع وملامسة الميل العام نحو هدم قلاع الفساد الحصينة. ولعل التأثير الذي أحدثته الخطوات الأولى في اهتزاز لوبيات الفساد أسطع دليل على أن لا بديل من الشفافية في وضع الرأي العام في صورة ما يحدث حوله.
 
الرسالة واضحة ومفادها أن منطق التساهل في العبث بثروات البلاد ونهب الخيرات يجب أن يتوارى إلى الخلف وأقرب وسيلة إلى ذلك أن يحتكم الجميع إلى روح الدستور الذي أقره الشعب.
 
الوضع الآن يبدو مختلفاً، ليس لأن وزيراً في حكومة عبد الإله بن كيران أقر نشر قوائم المستفيدين من امتيازات وضعت أصلاً لتكون في خدمة أسر الشهداء والمقاومين والمعوزين. ولكن لأن ما من برنامج يحقق التفافاً أكبر حوله، لا تكون الحرب على الفساد في مقدم أسبقياته. فقد ضجر الناس من الوعود التي تتحول إلى سراب. ولا شيء يقض مضاجع المحتاجين والميسورين على حد سواء أكثر من معاينة واقع الإجحاف واستبداد السلطة والمال.
 
دلالات ذلك أن الشارع يضغط بثقل مطالبه المرتبطة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وإذ يبدو مستسلماً إلى حد ما حيال المسافة التي تفصل بين الرغبة والقدرة على صنع المعجزات، فلا أقل من مصارحته بكل الحيثيات التي أدت إلى استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
 
المصارحة بداية الطريق نحو الشفافية التي ترسخ الاعتقاد بأن تغييراً ما قد حدث، فالجمهور لم يتذمر من كلفة الراتب الخيالي لمدرب الفريق الوطني لكرة القدم سوى لأنها تحولت إلى ما يشبه أسرار الدولة. والحال أنه لم يمتعض لإفادة أبطال رياضيين ومشاهير مبدعين من أذونات النقل بقدر استهجانه أن تمنح الامتيازات لمن هم في غنى عنها. ولعل الجدل الدائر في المنتديات السياسية والشارع المغربي حول الخطوات القادمة يعكس الانتقال من الجدل الفكري والحقوقي الذي استغرق مساحات واسعة إلى الإمساك بتلابيب الأوضاع المهترئة. ولم يعد يهم الإشارة إلى من أعد قوائم الأذونات والامتيازات أو من أمر بتعميمها. فقد أفلتت كرة الثلج التي كان يحتفظ بها في سراديب الأسرار. وأصبح التوقف في منتصف الطريق محظوراً كما في الطريق السيار.