التاريخ: كانون الأول ٢, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
مصر: حزب «الوفد» في «صراع جبهات» متطلّعاً إلى تصدّر الواجهة
القاهرة - ميس رضا
يشهد حزب «الوفد»، أعرق حزب سياسي عرفته مصر منذ مئة عام، فترة من الاضطرابات العصيبة والصراعات بين الوفديين القدامى والجدد، في وقت تسعى فيه أحزاب أخرى لصدارة المشهد السياسي في مقدمتها «مستقبل وطن» الذي استحوذ على غالبية رئاسات اللجان النوعية داخل البرلمان. ويتمنى وفديون أن يستعيد الحزب مكانته وقوة تأثيره في الشارع المصري وفق رصيده التاريخي الذي يمكنه من البقاء رغم التوترات التي تشوبه من حين إلى آخر.

ودأب الحزب منذ تولي المستشار بهاء أبوشقة رئاسته على أن يكون نموذجاً سياسياً وواجهة حزبية يحتذى بها في الأوساط الحزبية المتعددة وإيماناً منه بمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص للجميع، ما انعكس بقدر معقول استقراراً داخلياً وخارجياً قبل انطلاق انتخابات اللجنة العليا التي جرت مؤخراً والتي أعقبت نتائجها فصل ستة من المرشحين في الانتخابات وهم (ياسر قورة، محمد الحسيني، محمد إبراهيم، أحمد عطالله، فتحي مرسي، شريف حمودة) بناءً على قرار من أبوشقة وذلك لخروجهم على الالتزام الحزبي ورفضهم لقواعد العمل الديموقراطي والتشكيك في إدارة الهيئة الوفدية (الجمعية العمومية)، حسبما جاء في بيان لرئيس الحزب، واعتبر القرار بمثابة شرارة لفصل جديد من الصراعات لتنقلب الأمور رأساً على عقب ويرتدي الحزب ثوب التجديد بعد فصل المرشحين، وبدأت الخلافات باجتماعات للمفصولين وصدور بيان عنهم يحمل اتهامات مباشرة لأطراف في الوفد، والتشكيك في (الجمعية العمومية) التي حسمت الأمر باختيار 50 مرشحاً لتمثيل الجمعية العمومية في الهيئة العليا، وتقدموا بتظلم بالنتائج التي اعتبروها مزيفة، فيما قابلها أبو شقة ببيان أكد فيه نزاهة وحيادية الانتخابات التي تمت بإشراف كامل للمجلس القومي لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية حقوقية)، ما دعا أبوشقة لعقد اجتماع ضم رؤساء اللجان في المحافظات واتحاد المرأة لوضع خطة لتأمين الحزب ضد أي إجراء يقدم عليه الأعضاء المفصولون وتوعدهم بملاحقات قضائية حال التعرض للحزب. التطورات الأخيرة تبدو أنها كشفت عن ما كان يحمله قرار أبو شقة بفصل هؤلاء الستة الذي قصدهم أبو شقة في حديثه عن المؤامرة التي تعرض لها الحزب من قبل أشخاص راهنوا على عدم استمراره في رئاسة الحزب أكثر من شهرين بسبب حجم التحديات التي يواجهها.

ولم يقف الأمر عند فصل هؤلاء؛ بل تحول لصراع من الرئيس السابق للحزب السيد البدوي وإحالته للتحقيق بأمر من المستشار أبو شقة بعد اتهام موجه له بإثارة الاضطرابات ضد الحزب خلال الانتخابات الداخلية الأخيرة وتشكيل لجنة خماسية للتحقيق معه ليتحول الصراع بين جبهات، ما يُهدد مستقبل الحزب خصوصا مع قرب انتخابات المحليات.

وتولى أبو شقة رئاسة الحزب في منتصف آذار(مارس) من العام الجاري خلفاً للسيد البدوي الذي ترأس الحزب لفترتين كاملتين علماً بأنه (لا يحق له الترشح لفترة ثالثة طبقا للائحة الحزب)، ويعتبر أحد أهم القيادات التاريخية لحزب الوفد وأقدم المحامين الوفديين وعضو مجلس النواب المصري وأكبر الأعضاء سنّا فيه إضافة إلى علاقاته القوية مع الحكومة المصرية، ورفع رئيس الحزب شعار «وفد جديد، لا إقصاء، لم الشمل».

وبين ماضٍ عريق وحاضر يشوبه الغموض ومستقبل مجهول هل سيظل حزب الوفد متمسكاً ببقائه وسط الصراعات والخلافات التي تهدده؟ هل سيكتفي برصيده التاريخي أم سيصارع من أجل أن يحتل مكانة تمكنه من اعتلاء السلطة؟

وقال الرئيس الشرفي لحزب «الوفد» مدير مكتبة الإسكندرية مصطفى الفقي إن التوترات الأخيرة التي شهدها الحزب بعد انتخابات الهيئة العليا التي انتهت بفوز خمسين عضواً عن الهيئة العليا وخمسة أعضاء عن السكرتارية لن تؤثر على اتجاه الحزب نحو استعاده مكانته إلى الواجهة السياسية التي عانت فراغاً سياسياً، إضافة إلى سعيه الحثيث بأن يكون ظهيراً ومسانداً لسياسات الدولة ومؤيداً لمسارها الصحيح.

وأضاف الفقي أن حزب الوفد يمعن بشدة في أن يكون قوة مؤثرة في الشارع المصري باعتباره أعرق الأحزاب التي عرفتها مصر ووعاء حركة وطنية تاريخية، لافتاً إلى أن الحزب يضع في أولوياته دعم ومساندة الدولة المصرية في حربها على الإرهاب من خلال القضاء على الفكر المتطرف.

لكن عضو الهيئة العليا لحزب الوفد المفصول شريف حمودة انتقد سياسات أبو شقة، معتبراً أنه «ينتهج قرارات متسلطة» ويتعامل مع كيان الحزب الذي يمثل بيت الأمة على أنه «ملكية خاصة». وأضاف حمودة لـ «الحياة» أن إقصاء رئيس الحزب لرموز تاريخية مهمة فضلاً عن تردي الأوضاع المالية كل هذا سيؤثر على الأداء المنتظر منه.

وأشار إلى أن إجراءات أقدم عليها المفصولون من الحزب، منها التقدم بطلب دعوة لعقد جمعية عمومية لسحب الثقة، وإلغاء قرارات الفصل العشوائية فضلاً عن مراجعة نفقات الحزب.

من جهة أخرى، أكد أحد المتظلمين من نتيجة انتخابات الوفد والمفصولين من الحزب مؤخراً ياسر قورة أن حزب الوفد سيصمد رغم الصراعات ولن تنال منه الإدارة الخاطئة فهو يمثل الشعب المصري وآخر كيان حزبي يدافع عن الديموقراطية الليبرالية وعمود السياسة المصرية، مشيراً إلى أنه لا يمكن إقصاؤه من الحياة السياسية في مصربأي شكل.

وأضاف قورة «أن الإدارة الحالية للحزب تفتقد للشفافية إذ وقع أبو شقة في مخالفات صريحة على رغم أنه رمز قضائي إلا أنه تطاول على لائحة الحزب بدعوته لانتخاب خمسين عضواً فيما تنص اللائحة على انتخاب خمسة وخمسين عضواً شريطة أن يمثل أغلبيتهم فئة الشباب، إضافة على إقدامه على حل الهيئة العليا للحزب دون الالتزام بالإجراءات في حين أنها سارية حتي أيار (مايو) من العام 2019، فضلاً عن عدم تطابق النتائج التي جاءت على نحو أقل مع أصوات الناخبين».

ونبه قورة إلى أن قرار التحقيق مع الرئيس السابق للحزب السيد البدوي يعد تدميراً لنموذج الوفد الذي خرج عنه رموز تاريخية لايغفلها التاريخ أمثال سعد زغلول والنحاس باشا .

ولفت العضو المفصول من الحزب إلى أن عملية الانتخابات التي تمت مؤخراً جاءت منقوصة، موضحاً أنه كان يقتضي إشراف جهات رقابية والتي قامت بدورها لجنة حقوق الإنسان التي تعتبر مراقبا.

تجدر الإشارة إلى أن حزب الوفد يعتبر أعرق الأحزاب السياسية الليبرالية في مصر وأكبرها عدداً إذ يبلغ عدد أعضائه مليون عضو، فيما يبلغ عدد أعضاء الهيئة الوفدية سته الآف وسبعمائة عضو، ومثل الأغلبية قبل ثورة 23 تموز (يوليو) في العام 1952. أسسه سعد زغلول في العام 1918 ولم يعد الحزب إلى نشاطه السياسي إلا عام 1978 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات بعد السماح بالتعددية الحزبية، وظل لفترات طويلة يمثل الأغلبية وأطلق عليه الحزب الجماهيري الكبير أو (بيت الأمة)، وضم أسماء بارزة في تاريخ مصر، مثل سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلى شعراوي وأحمد لطفي السيد ومكرم عبيد وآخرين. وشهد الوفد أزمات متكررة ومحاولات للانشقاق وتكوين جبهات في مواجهة أخرى والتي دعت في إحداها إلى تدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لحل النزاع بين الأطراف إيماناً منه بعراقة حزب الوفد.