|
|
التاريخ: تشرين الثاني ٣٠, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
السبسي يصعّد ضد «النهضة» ويتهمها بالتدبير لاغتياله |
هددها باللجوء إلى المحاكم واتهمها بامتلاك «جهاز سري» |
تونس: كمال بن يونس
بعد يوم واحد من إعلان المحكمة العسكرية في العاصمة التونسية فتح تحقيق قضائي رسمي حول تهمة محاولة الانقلاب على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، نُسبت إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومدير عام الأمن الرئاسي وعدد من السياسيين، صعّد السبسي بشكل غير مسبوق ضد قيادة حركة النهضة ونوابها في البرلمان، واتهمها بمحاولة قتله.
وقال الرئيس التونسي في كلمة أمس (الخميس)، بمناسبة ترؤسه اجتماع مجلس الأمن القومي، بحضور رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل، إن قيادة حركة النهضة، تقوم بممارسة ضغوطات عليه، وتهديده بسبب استقباله قبل أيام وفداً عن مجموعة المحامين الذين رفعوا قضية ضد حزب النهضة واتهامها بمحاولة اغتيال قائد السبسي والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند في 2013.
وعرض قائد السبسي أمام الكاميرات مجلداً كبيراً تسلمه من المحامين، تضمن مؤيدات الشكوى التي رفعوها ضد قيادة حركة النهضة، واتهموها بتشكيل «جهاز سري» له امتدادات في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وكانت له علاقة بأحداث العنف التي شهدتها تونس قبل 5 أعوام، وبينها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد والبرلماني القومي محمد الإبراهمي.
وكان المحامي اليساري رضا الرداوي ورفاقه أعضاء هيئة الدفاع عن الفقيدين بلعيد والإبراهمي أدلوا بتصريحات لوسائل الإعلام بثها الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية اتهمت قيادة «النهضة» بإحداث «جهاز سري» وبالتجسس على مؤسسات الدولة السيادية والضلوع في العنف السياسي وفي التحضير لاغتيال الباجي قائد السبسي ورئيس فرنسا الأسبق في 2013.
وردّ المكتب التنفيذي لحركة النهضة على تلك الاتهامات بقوة، وانتقد بلهجة غير مسبوقة مؤسسة رئاسة الجمهورية واتهمها بعدم احترام الدستور وبالخروج عن الحياد بين الأطراف السياسية والحزبية. كما تعرضت مؤسسة الرئاسة إلى انتقادات حادة من قبل عدد من نواب حركة النهضة في البرلمان، بينهم وزير العدل السابق نور الدين البحيري، ورئيس المكتب السياسي السابق عامر العريض، ورئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الوزير السابق عبد اللطيف المكي.
وقد حذّر المكي والبحيري والعريض؛ الرئيس التونسي من المقربين منه، وبعض مستشاريه الذين ورطوه في الخروج عن الحياد السياسي الذي يفرضه عليه الدستور. كما نفى رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمام البرلمان؛ تهمة مشاركته ومدير عام الأمن الرئاسي وشخصيات سياسية أخرى في محاولة الانقلاب على رئيس الجمهورية بدعوى افتكاك موقعه. واستدل الشاهد بكون الدستور التونسي يمنح صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة والبرلمان وليس لرئيس الجمهورية.
وتعرض قائد السبسي ومستشاروه إلى انتقادات في وسائل الإعلام القريبة من الحكومة والخاصة. وشارك في الانتقادات سياسيون من بين المقربين إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد مثل الوزير والبرلماني السابق الأزهر العكرمي وزعيم الحزب اليساري الوسطي الوزير السابق محسن مرزوق. وقد كان مرزوق والعكرمي من أقرب الشخصيات السياسية إلى قائد السبسي خلال انتخابات 2014 وفي الحكومة الأولى التي شكلها مطلع 2015 برئاسة الحبيب الصيد.
واتهم العكرمي الأمين العام الجديد لحزب نداء تونس ورجل الأعمال المثير للجدل سليم الرياحي بافتعال أزمة سياسية جديدة بعد أن نجحت حكومة يوسف الشاهد الجديدة في الفوز بثقة نحو ثلثي أعضاء البرلمان. وقلل الأزهر العكرمي، المتهم بدوره بالضلوع في المحاولة الانقلابية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من جدية الحديث عن تفكير رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومدير عام الأمن الرئاسي وشخصيات سياسية وطنية في محاولة الانقلاب على قائد السبسي، بهدف إبعاده عن الحكم مطلع العام المقبل.
وطالب رئيس الحكومة الأسبق البرلماني علي العريض كل الفرقاء السياسيين بعدم السقوط في فخ تبادل الاتهامات بالعنف والمحاولات الانقلابية وبالتفرغ لدعم حكومة يوسف الشاهد التي حصلت على دعم نحو ثلثي مجلس النواب أواسط الشهر الحالي، لكن المستشار السياسي نور الدين بن نتيشة ردّ على الانتقادات الموجهة إليه وإلى الرئيس.
وأورد بن نتيشة، في تصريح رسمي للصحافة الوطنية باسم قصر قرطاج، أن قائد السبسي لم يرتكب خطأ عندما استقبل محامين يساريين معارضين بقوة لحركة النهضة أو غيرها من الأحزاب السياسية وسمح لهم أن يوجهوا من داخل قرطاج اتهامات خطيرة إلى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، من بينها محاولة الاغتيال وترؤس تنظيم سري له امتدادات أمنية وعسكرية. وقد سبق لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن نفى أن يكون للحركة تنظيم سري بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في 2011. وأورد في اجتماع مع نحو ألف من كوادرها في أحد الفنادق السياحية أن كل الهياكل السرية وقع حلها منذ 23 عاماً.
لكن قائد السبسي أبدى تفهماً لمنتقدي حركة النهضة والمحامين الذين رفعوا قضية ضدها بتهمة محاولة اغتياله قبل 5 أعوام، وحذر قيادة حركة النهضة مما وصفه بتوجيه تهديد إليه عندما اتهمه بيانها بـ«إقحام مؤسسة الرئاسة بأساليب مُلتوية، بهدف ضرب استقلالية القضاء وبمسايرة التجاذبات السياسيّة والـمُتاجرين بدم الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي رحمها الله».
في المقابل، ذهب قائد السبسي إلى أبعد من ذلك، فتبنى رواية المحامين الذين شكوا قيادة النهضة إلى المحكمة العسكرية بسبب ما أسموه «الجهاز السري» التابع لحركة النهضة، وأورد في كلمته الرسمية إلى الشعب أنه وجد كلام هؤلاء المحامين «معقولاً». وأضاف: «ملف الجهاز السري أصبح مفضوحاً ولم يعد سراً... العالم أجمع أصبح يتكلم عنه»، ثم أعلن أنه لن يسمح لحركة النهضة أن تهدده وسيتابع الأمر مع المحاكم. ثم خاطب قيادة النهضة قائلا: «إذا خلا لك الجو فبيضي وفرّخي...»، في إشارة لبيت شعر للشاعر العربي طرفة بن العبد الشهير «خلا لك الجو فبيضي واصفري».
والسؤال الكبير اليوم في تونس؛ هل وصلت العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية من جهة، وبين قائد السبسي وقيادة «النهضة» من جهة ثانية إلى القطيعة النهائية، أم أن الأمر لا يتجاوز لعبة تصعيد الضغوطات بهدف تحسين شروط التفاوض حول المشهد السياسي المقبل وأسماء أبرز المرشحين لانتخابات 2019 الرئاسية والبرلمانية؟ |
|