التاريخ: شباط ٥, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
غياب القيادة قد يتحوّل عائقاً أمام حركة الشارع في مصر

ساهمت عناصر من "الإخوان المسلمين" في إدارة عيادة لمعالجة المتظاهرين المصابين. وسحق عمّال بناء من جنوب مصر صخوراً من أجل استخدامها في حماية ميدان التحرير.
وتولت لبنى الشوكي ونورا أبو سمرا، وكلتاهما في الخامسة والعشرين من العمر، تكنيس النفايات ووضعها في كيس بلاستيك. وقالت أبو سمرا: "أحضرنا أيضاً طعاماً ومياهاً".
وقطع طبيب أسنان من أسوان يدعى محمد مصطفى، مسافة 600 ميل ليشارك في التظاهرات المناهضة للحكم. قال: "توقّعت أن أجد أن الوفد أو الإخوان يقودون الاحتجاج" في إشارة إلى اثنين من أشهر التيارات المعارِضة في مصر، لكنه أردف أن ما وجده أفضل بكثير "ليس هناك أي قادة على الإطلاق".


بعد تسعة أيام من تحرّك مجموعة متنوّعة من المحتجّين عبر الإنترنت واحتشادهم بالآلاف في ميدان التحرير، بحيث أثارت أعدادهم صدمة للبلاد وللمتظاهرين أنفسهم، يبدو أن حملتهم لطرد الرئيس (حسني) مبارك قد صمدت، بصورة غير متوقَّعة، من غير أن يكون على رأسها كادر معروف يُصدر الأوامر.


تبقى المجموعات التي تقف وراء النجاح الأوّلي للاحتجاجات، مثل حركة "شباب 6 أبريل"، الجهة المنظِّمة الأساسية. وقد أجازت مجموعات عدّة من المتظاهرين للديبلوماسي (محمد) البرادعي التفاوض باسمها. ولكن لم تظهر أي شخصية بارزة وشعبية في موقع القيادة المعترَف بها لحركة الاحتجاج.


ربما سارت الأحداث بسرعة كبيرة بحيث تعذّر البحث عن امثال هؤلاء القادة. بعد يومَين من الهجمات التي شنّتها القوى الموالية للنظام، تبنّت حركة الاحتجاج وضع تأهّب استعداداً للحرب، وباتت تخوض الآن معركة للبقاء في ميدان التحرير المعروف أيضاً بميدان الحرية. يبدو أن القادة الحقيقيين الوحيدين هم الشبّان الذين لا ينفكّون يعودون إلى المتاريس منذ أيام. قال جورج إسحق رئيس "الجمعية الوطنية للتغيير" التي أسّسها البرادعي لتكون بمثابة تجمّع للمعارضة المصرية: "دافع أولئك الشبّان عن مصر. لقد وضعوا أنفسهم في الواجهة".


يقول أنصار الحركة الآن إن هيكليتها اللامركزية هي مصدر قوّتها الأكبر، ولكن قد تتحوّل قريباً عائقاً أمام الحركة في مواجهتها مع نظام محنَّك جداً في سحق التنظيمات المعارضة.
ففيما تستمرّ الاحتجاجات، يتخوّف بعض المتظاهرين من أنهم إذا فشلوا في إطاحة مبارك أو في إحداث تغيير جدّي في حكومته، سيكونون أول من سيدفع الثمن. وثمة مخاوف أيضاً من أن يضيق مصريون آخرون ذرعاً بالاحتجاجات وينقلبوا على المتظاهرين.


لكن النجاح الذي حقّقوه حتى الآن – قُطِع وعد بإجراء تغيير في الحكومة المصرية، ولو لم يحصل وفقاً لشروطهم – استقطب في الوقت الراهن دعم الشخصيات المعارضة الأساسية في البلاد التي سعت إلى أن تستمدّ بعض الطاقة من الثورة. يوم الخميس، سار قياديون يمثّلون الشيوعيين و"الإخوان المسلمين" والجمعية الوطنية للتغيير بقيادة البرادعي، عبر ميدان التحرير يداً بيد، في مسيرة تضامنية صوّرها المتظاهرون على هواتفهم الخلوية.


إنهم حفنة صغيرة من الشخصيات المعارضة الكثيرة التي تظهر بطريقة خاطفة في ميدان التحرير – وهي زيارات يتعامل معها المتظاهرون بحذر.
قال أحمد نجيب الذي يتولّى التنسيق مع الصحافة لمصلحة المتظاهرين: "يحاول بعض السياسيين القدامى أن يفرضوا أنفسهم على الوضع. ليس هناك قائد". وأضاف أن هذا الفراغ ولّد تحدّيات لوجستية بما في ذلك في توزيع الطعام وحماية عشرات المعتقلين الذين قبض عليهم المتظاهرون المناهضون للحكم.
وعلى رغم ذلك، يسود النظام بطريقة لافتة الجزء الأكبر من ميدان التحرير، من حواجز التفتيش الموزَّعة على مراحل عند المداخل إلى منظومة التحذير المصنوعة من قضبان معدنية تصطدم بالمعدن فتُحدِث صوتاً عندما يلوح خطر هجوم وشيك من القوى الموالية للنظام.


يُهرَع بالمصابين إلى واحدة من العيادات المتعدّدة التي يعمل فيها متطوِّعون مثل أحمد محمد، (26 سنة)، وهو طبيب جرّاح قطع رحلته إلى آسيا للمشاركة في الجهود.
علّق: "يقول الناس إننا قد نُقتَل. في المستقبل، سيقولون إن هؤلاء الأشخاص صنعوا التاريخ".
وصلت الأدوية التي تبرّع بها متعاطِفون مع المتظاهرين، في أكياس تسوّق، وقد فرزتها مجموعة من الشبّان المتخصّصين في الصيدلة، ووضّبتها بسرعة.
قالت إحداهن وتُدعى أميرة مجدي، (22 سنة): "لا نحتاج إلى قائد. هذه المنظومة جميلة".
بيد أن التنظيم غائب في التعامل مع الأشخاص الذين يعتقلهم المتظاهرون ويتّهمونهم بأنهم متسلّلون ومحرِّضون موالون للحكومة. فقد تعرّض العديد منهم للضرب فيما كانوا يُجَرّون عبر الحشود على رغم النداءات التي أطلقها متظاهرون كثر لمعاملتهم بطريقة سلمية.


بينما تحاول المعارضة ركوب موجة الاحتجاجات، وتدرس العلاقات الجديدة مع الحكومة، ليس واضحاً، إذا كانت أهدافها ستستمرّ في الالتقاء مع أهداف المتظاهرين في الشوارع. وقال حسام بهجت، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان: "إنهم يواجهون الآن الانقسامات والأجندات الداخلية التي كانت موجودة في الأصل". واوضح أن البعض يريد التحاور مع الحكومة، والبعض الآخر يرفض. واضاف في إشارة إلى عمر سليمان ونائب الرئيس الجديد: "هناك من يعتبرون أن الوقت مناسب للتقرّب من سليمان ونيل حظوة عنده. يبقى أن نرى ما إذا كان البعض في الإخوان المسلمين مستعدّين للتحاور مع النظام لأول مرة".


وقال اسحق إنه لن تكون هناك مفاوضات قبل رحيل مبارك. وأضاف: "سوف نتفاوض مع عمر سليمان حول المرحلة الانتقالية. نريد أن يكون الشبّان هم من يشكّلون لجنة تفاوضية".
وقال عمر عز، أحد مؤسّسي حركة "شباب 6 أبريل"، إن أعضاء حركته "سيستمرّون في سلوك المسار نفسه". واعتبر أن من يقولون إن المصريين قد يضيقون ذرعاً بالاحتجاجات مخطئون، ذلك انهم "لم يكونوا هناك. لم يروا أشخاصاً يموتون أمام اعينهم".
يوم الخميس، بدا أن الحكومة تستعيد ثقتها بنفسها. وقد اعتقل احمد عز والعديد من زملائه، بحسب أعضاء آخرين في حركة "6 أبريل".

كريم فهيم ومنى نجار
(بمشاركة ديفيد د. كيركباتريك)
(عن "النيويورك تايمس")
ترجمة نسرين ناضر