التاريخ: تشرين الثاني ٢٤, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: الكباش يشتدّ واستعجال أممي للحكومة
بدا طبيعياً ان تظلل أزمة تأليف الحكومة الاحتفالات بعيد الاستقلال التي ربما كانت قد زادت تعقيدات المشهد السياسي بدل تبديد بعض قتامته نظرا الى اعادة ترسيم المأزق من خلال ابراز عجز اركان الحكم عن احتواء هذه الازمة ودوران الجميع في الحلقة المفرغة. لكن الأسوأ من الايحاءات السلبية التي يتركها هذا العجز الرسمي والسياسي تمثل في معالم تصعيد متدرج يبدو انه جزء لا يتجزأ من نهج متعمد يمارسه بعض قوى 8 آذار لمحاولة محاصرة الرئيس المكلف سعد الحريري وحشره تماماً في خانة ما يسمى "العقدة السنّية " المراد منها ارغام الحريري على التسليم باتجاه قسري الى تمثيل "سنّة 8 آذار" في الحكومة من طريق النواب الستة السنّة لـ"اللقاء التشاوري". وهو اتجاه معروف بانه يخرج عن اطار النتائج الرسمية المثبتة للاستشارات النيابية التي اجراها الحريري عقب تكليفه قبل ستة أشهر اذ كان النواب الستة ولا يزالون موزعين على كتل نيابية مختلفة.

ومع اتجاههم الى ممارسة الضغط على الحريري بدعم ودفع مباشرين وعلنيين من "حزب الله" منذ طرح الحزب شرطه لتمثيلهم رافضاً تسمية وزرائه في التشكيلة التي انجزها الرئيس المكلف قبل نحو ثلاثة أسابيع، لجأ نواب "سنّة 8 آذار" في عطلة عيد الاستقلال وأمس الى اسلوب ضاغط جديد سعياً الى احراج الحريري. وتمثل ذلك في حملة اعلامية مركزة تولاها بعض نواب "اللقاء التشاوري" محورها طلبهم موعدا للقاء الحريري وانتظار جوابه الذي لم يتبلغوه بعد. وتكررت تصريحات نواب من "اللقاء التشاوري " في هذا الصدد بما بدا معه بوضوح ان ثمة نقلة جديدة في النهج التصعيدي الضاغط يراد منها احراج الرئيس المكلف الذي يرفض كما تؤكد أوساط قريبة من "تيار المستقبل" لـ"النهار" أي تسليم باي وسيلة من وسائل الابتزاز والضغط، خصوصا متى تبين بوضوح من يقود هذه المحاولات ولأي مآرب وأهداف.

وكانت الاجواء السلبية برزت اساسا عقب الخلوة التي جمعت في قصر بعبدا أول من أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس الحريري. وصرح بري بعدها ردا على سؤال عن الازمة الحكومية: "ما في شي جديد أبداً". أما الحريري، فمازح الصحافيين بقوله انه لن يخبرهم شيئاً، ثم أضاف رداً على سؤال عما اذا كان سيلتقي النواب السنة المستقلين: "الحل ليس عندي" وتساءل: "النواب السنة المستقلون عمن يا ترى"؟

موعد... لا موعد

وفي محاولة متكررة لرمي كرة الاحراج في مرمى الحريري، قرر النواب الستة السنة لـ8 آذار طلب مقابلته. وكشف عضو "اللقاء التشاوري" النائب عبد الرحيم مراد، أنه اتصل بمكتب الرئيس المكلف مرتين لطلب موعد باسم اللقاء للقائه "وأجابوا سنرد عليك وحتى الساعة لا ازال في انتظار الرد." وقال: "لا يجوز للحريري ان ينفي وجودنا أو ان يرفض لقاءنا، ليسمنا كما يشاء بالشكل أما في المضمون فيجب ان يتخذ موقفاً ويتحمّل مسؤولية قراره، حقنا لن نتنازل عنه وننتظر".

وردت مصادر "بيت الوسط" على طلب نواب سنّة 8 آذار لقاء الرئيس الحريري بقولها: "هم طلبوا موعداً صحيح، ولكن السؤال ما هدف اللقاء؟". وقالت "إنهم اذا أرادوا الحديث في موضوع الحكومة فهي جاهزة منذ ثلاثة اسابيع، واذا ارادوا شرح موقفهم فهم يقولونه مرارا في الاعلام. واذا أرادوا المطالبة بالتوزير فقد سبق للامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله ان طلب ذلك علنا في خطابه ورد عليه الرئيس الحريري في مؤتمره الصحافي الاخير ".

وأفاد عضو كتلة "المستقبل" النائب سامي فتفت أن "الرئيس المكلف غير مستعد لاستقبالهم ككتلة وأبواب بيت الوسط مفتوحة لهم كأفراد، ولكن كلقاء تشاوري غير ممكن استقبالهم، لما يشكل ذلك من اعتراف بهم، فانضواؤهم في اللقاء لم يحصل خلال الانتخابات، أو خلال استشارات التكليف، بل بعد أسابيع من بدء مفاوضات التشكيل". ولاحظ أن "النواب الستة ممثلون سياسياً ضمن الكتل التي ينتمون إليها، أما المطالبة بتمثليهم طائفياً فهذا أمر آخر قد يفتح الباب على مطالب أخرى لباقي المذاهب، ما يدخلنا في مأزق أكبر من الذي يعيشه البلد اليوم".

وفي المقابل، مضى "حزب الله" في محاولة تحميل الحريري مسؤولية الازمة، فقال عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق إن "الرئيس المكلف بإصراره على التنكر لحقوق السنّة المستقلين أصاب الجميع بالضرر، وأصاب العهد والحكومة المرتقبة والإقتصاد اللبناني والمناخات السياسية التي زادت فيها نسب التوتر والإنقسام". واعتبر ان "الحل أولاً وأخيراً عند الرئيس المكلف وكل تلكؤ وتجاهل لمسار تمثيل جميع القوى السياسية لمسار الإبتعاد عن الإقصاء والإلغاء إنما يزيد المشكلة مشكلة". وتساءل: "هل من مصلحة الحكومة والشعب واللبنانيين والقوى السياسية أن تشكّل حكومة انقسام سياسي أم حكومة وفاق سياسي؟".

الراعي من الفاتيكان

وسط هذه الاجواء شدد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على ان "أحداً لا يحق له ان يلعب بمصير اللبنانيين ". وقال في اطار لقاءات اليوم الرابع من زيارة الاعتاب الرسولية في الفاتيكان التي يقوم بها على رأس اساقفة الكنيسة المارونية ووفد من المؤسسة اللبنانية للانتشار يضم نوابا:" أعلم ان النواب متألمون، لقد مر نحو ستة أشهر على انتخابهم ولم يتمكنوا من ممارسة دورهم التشريعي أو محاسبة أو مساءلة في ظل غياب الحكومة. ولكننا لا يمكننا ان نبقى مكتوفين، سنرفع صوتنا عالياً لنقول: لا يحق لأحد ان يلعب بمصير شعب او وطن ايا يكن هذا الشخص أو هذه الجماعة. كونوا على مستوى هذا الوطن وشعبه الذي يستحق منكم الافضل ولو كلّف هذا الامر بعض التضحيات، فكلنا أصغر من لبنان".

غوتيريس

الى ذلك، أهاب الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس بالقيادات السياسية وجميع الأحزاب في لبنان أن " تعجِّل بما تبذله من جهود لتشكيل حكومة تكون شاملة للجميع"، مشدداً على "ضرورة تجديد الحوكمة المؤسسية ليتسنى للبنان الاستفادة تماماً من خريطة الطريق المتعلقة بالدعم الدولي التي صيغت في المؤتمرات التي عُقدت في روما وباريس وبروكسيل". ودعا إلى "نبذ الخلافات وتكثيف الحوار وتغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات السياسة الحزبية".

وجاءت مواقف غوتيريس في تقريره التقييمي الشامل الذي يقدمه إلى مجلس الأمن كل ستة أشهر، عن تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 خلال الفترة من 21 حزيران إلى 26 تشرين الأول 2018، وناقشه مجلس الأمن الأربعاء الماضي. ودعا الامين العام في تقريره إلى التحلي بالرغبة في التسوية لإيجاد قاسم مشترك، وتجنب خطر تجدُّد الشلل المؤسسي والتعجيل في تشكيل حكومة تصون التوازن المكرَّس في اتفاق الطائف والدستور ". وأهاب بـ"السلطات المقبلة أن تواصل سياسة النأي بالنفس التي يتبعها لبنان، بما يتفق مع إعلان بعبدا للعام 2012"، داعياً جميع الأطراف اللبنانيين إلى "الكفّ عن الإنخراط في النزاع السوري وباقي النزاعات في المنطقة". وشدّد على أن "امتلاك أسلحة غير مأذون بها خارج نطاق سيطرة الدولة، باعتراف متكرر من حزب الله نفسه وجماعات مسلحة أخرى من غير الدول، في انتهاك للقرار 1701، يثير قلقاً بالغاً ويشكّل تهديداً خطيراً لاستقرار لبنان والمنطقة "، مشيراً إلى أن "استمرار ورود ادعاءات عن عمليات نقل غير مشروع للأسلحة إلى الجماعات المسلحة من غير الدولة في لبنان، هو أمر يثير قلقا بالغاً". وقال: "ليس في وُسع الأمم المتحدة أن تتحقق من مدى صحة هذه المعلومات بطريقة مستقلة، غير أن عمليات النقل هذه، إذا ثبتت صحتها، ستشكّل انتهاكا للقرار 1701".