|
|
التاريخ: تشرين الثاني ٢٣, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
تونس: أكثر من نصف مليون موظف يحتجون على تجميد الزيادات في الأجور |
تونس: المنجي السعيداني لندن: «الشرق الأوسط»
نفَّذ الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، أمس، إضراباً عاماً عن العمل في قطاع الوظيفة العمومية، شمل وزارات الدولة ومؤسسات التربية والتعليم والصحة والنقل، إثر فشل جلسات التفاوض مع الحكومة حول الزيادات في الأجور، مما خلف شللاً شبه كلي لعمل المرافق العمومية.
وشارك في هذا الإضراب نحو 670 ألف موظف، يمثلون جميع الوزارات والإدارات المركزية والجهوية، التابعة لتلك الوزارات، باستثناء أقسام المستعجلات داخل المستشفيات العمومية، وخدمات النقل. كما شمل الإضراب جميع الموظفين في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ووزارتي الدفاع الوطني والداخلية، وعمال مجلس نواب الشعب (البرلمان).
وفي ظل حضور أمني مكثف تحسباً لاستغلال الإضراب في أعمال تخريبية واحتجاجات اجتماعية يطبعها العنف، تجمَّع رجال الأمن أمام آلاف العمال في ساحة باردو المقابلة للبرلمان، وهي الساحة التي شهدت نهاية سنة 2013 خروج حركة النهضة من الحكم بفعل ضغط «اعتصام الرحيل»، الذي قادته أحزاب يسارية بدعم من قيادات حزب النداء، التي توجه تهماً متعددة للحكومة الحالية، وفي مقدمة هذه الاتهامات أنها «حكومة النهضة»، في إشارة إلى دعمها لحكومة الشاهد منذ أشهر، والتدخل لإنقاذها من السقوط بحجة «الحفاظ على الاستقرار السياسي».
وقال منعم عميرة، الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل المكلف الوظيفة العمومية، إن الإضراب سجل نجاحا بنسبة 95 في المائة، خصوصاً أنه تزامن مع اجتماع عمالي أمام مقر البرلمان بالنسبة لعمال ولايات تونس العاصمة وبن عروس وأريانة ومنوبة، وتجمعات عمالية أمام مقرات الاتحادات الجهوية للشغل.
لكن سرعان ما تحولت تلك التجمعات إلى مسيرات احتجاجية في سائر مناطق البلاد، احتجاجاً على تردي مستوى العيش.
وأشرف نور الدين الطبوبي، رئيس نقابة العمال، على فعاليات التجمع العمالي أمام البرلمان، وهدد بمزيد من التصعيد واتخاذ إجراءات جديدة، قد تصل إلى حد الإضراب العام في جميع مناحي الحياة خلال الفترة المقبلة، وقال بلهجة متحدية: «سنصعِّد ولن نستسلم»، مشيراً إلى أن اتحاد الشغل سيعقد اجتماعاً يوم غد (السبت)، لاتخاذ «قرارات نضالية تصعيدية»، على حد تعبيره.
ويطالب اتحاد الشغل بالزيادة في أجور موظفي الوظيفة العمومية، الأمر الذي لم تتمكن الحكومة من تلبيته، وفق تصريحات مسؤولين في الحكومة، فيما تتهم عدة أحزاب معارضة الحكومة بالخضوع لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي، الذي سبق أن دعا الحكومة التونسية إلى تقليص كتلة الأجور الحكومية إلى 12 في المائة، عوضاً عن 14 في المائة.
ورصدت ميزانية تونس خلال السنة المقبلة نحو 14.1 في المائة للأجور. لكن في حال موافقة الحكومة على الزيادة في أجور موظفي الدولة، فإن النسبة سترتفع من جديد، وهو ما سيعطل مفاوضات تونس مع الصندوق حول الحصول على أقساط جديدة من قرض مالي متفق بشأنه مع الحكومة التونسية.
وتسبب إضراب أمس في تأجيل البرلمان للجلسة العامة التي كانت مخصصة يوم أمس لمناقشة مشروع قانون المالية الجديد، كما أشارت مصادر إعلامية من رئاسة الجمهورية إلى إمكانية إشراف الرئيس الباجي قائد السبسي على اجتماع اليوم (الجمعة) لمجلس الوزراء، وذلك بحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي سيُخصص لطرح مبادرة قانون المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وكذا قانون تنظيم حالة الطوارئ، وهو ما يعني حسب مراقبين إشارة خفية إلى استمرار الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس (رئيس الدولة ورئيس الحكومة).
في غضون ذلك، أقر إياد الدهماني، المتحدث باسم الحكومة في تصريح إعلامي، بتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وقال إن الحل «لن يكون فقط من خلال الزيادة في الأجور... الحل قد يكون من خلال حزمة من الإجراءات الاجتماعية»، على حد تعبيره.
وأوضح الدهماني أن الحكومة «ليست في قطيعة مع اتحاد الشغل، كما أنها ليست في مواجهة معه، وأنا متفائل بالتوصل إلى تفاهمات مع مختلف الأطراف الاجتماعية».
في سياق متصل، حمّل حمة الهمامي، زعيم الجبهة الشعبية المعارضة، البرلمان والحكومة مسؤولية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وقال الهمامي المنسق العام للجبهة الشعبية، التي تمثل ائتلافاً يسارياً في البرلمان، إنه من حق الشعب أن يخرج إلى الشارع، ويحتج أمام البرلمان وكل مؤسسات الدولة، وأن يطالب بحقوقه. وأضاف الهمامي، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أثناء الوقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان، أمس، أنه «باستثناء الأقلية المدافعة عن مصالح الشعب، فإننا نعتبر البرلمان فاسداً، وقد كنا طالبنا بانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة».
وخلال مظاهرات أمس، رفع المحتجون لافتات تطالب بزيادة في الأجور ومحاربة الفساد، والدفاع عن «القرار الوطني»، في إشارة إلى ضغوط صندوق النقد الدولي والمنظمات المالية الدولية المقرضة، التي تطالب بإصلاحات اقتصادية عاجلة.
وأوضح الهمامي أن «الجبهة الشعبية تطالب بالسيادة الوطنية، والدفاع على تونس، والاعتراض على الاتفاقيات المضرة بالبلاد، وفي مقدمتها اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي (الأليكا)».
ومن جهته، حذَّر الاتحاد العام التونسي للشغل، إثر فشل مفاوضاته مع الحكومة بشأن الزيادات في الأجور، من ثورة «البطون الخاوية» في حال استمرت الأوضاع الاجتماعية في الانحدار، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
وكان التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الحالية قد أكد أن تونس تحتل المركز الأول من بين الدول الأخطر على مستوى الاضطرابات الاجتماعية، وعدم الاستقرار الاجتماعي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أكد تقرير «مخاطر الأعمال الإقليمي» أن تونس تعد من البلدان التي ترتفع فيها درجات المخاطر المتعلقة بالبطالة، وقال إنها باتت من القضايا الملحة في المنطقة ككل. |
|