التاريخ: تشرين الثاني ١٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
بيدرسن يستلم مهامه قريباً ... تعب واشنطن وموسكو غير كافٍ
جورج عيسى
على الرغم من أنّ مسار النزاع السوريّ حُسم بشكل كبير لصالح الرئيس السوريّ بشّار #الأسد، لا يزال مراقبون يجدون أنّ تنحيته من الرئاسة شرط ضروريّ للوصول إلى السلام في سوريا. منذ يومين، كتبت جانين دي جيوفانّي مقالاً في مجلّة "فورين أفّيرز" الأميركيّة حثّت فيه الموفد الدوليّ الجديد إلى #سوريا غير بيدرسن على أن يضمّ مسألة رحيل الرئيس السوريّ إلى صلب المحادثات التي سيشرف عليها. لتحقيق ذلك، رأت دي جيوفانّي أنّ لبيدرسن خبرة طويلة في مجال المفاوضات يمكن أن تجعله ينجح في إقناع الروس بأن يتخلّوا عن ورقة الأسد. لكن هل يمكن للموفد الأمميّ أن ينجح في ذلك إن لم يكن يتمتّع على الأقلّ بدعم واضح في هذا الاتّجاه من قبل الولايات المتّحدة؟

تصاعدُ النفوذ الروسيّ في سوريا خلال ثلاث سنوات لم يمنع واشنطن من ممارسة تأثيرها في آليّات الحلّ، وتحديداً بعدما انحازت مؤخّراً إلى عدم حصر مهمّتها بقتال داعش. خلال الأسبوع الماضي، كان لممثّل وزير الخارجيّة الخاص للتواصل بشأن سوريا جايمس جيفري مؤتمر صحافيّ تحدّث خلاله عن عدد من النقاط التي تُعنى بالملفّ السوريّ. فقد رأى أنّ إسقاط الطائرة الروسيّة في أيلول أبرز المخاطر المرتبطة بوجود جيوش أجنبيّة عدّة تعمل على مقربة من بعضها البعض في سوريا. وأشار إلى أنّ بلاده تسعى "حاليّاً إلى تهدئة الوضع ثمّ الانتقال إلى حلّ طويل الأمد". وأمل باستمرار النهج الروسيّ "المتساهل" بشأن الضربات الإسرائيليّة ضدّ الأهداف الإيرانيّة داخل سوريا، لكنّه قال بالمقابل إنّ الأميركيّين "قلقون جدّاً من نشر أنظمة أس-300 في سوريا" متسائلاً عمّن سيتحكّم بها والدور الذي ستؤدّيه.

رسالة وأهداف متشابكة

إنّ إعلان جيفري في وقت سابق أنّ واشنطن لم تعد مستعجلة لسحب قوّاتها يعني أنّ نقاط التماس بين الأميركيّين والروس ستبقى على حالها داخل سوريا في الأمد المنظور. ربّما يشكّل ذلك تأكيداً لما سبق أن قاله وزير الدفاع الأميركيّ جايمس ماتيس خلال مؤتمر دفاعيّ في المنامة أواخر تشرين الأوّل الماضي. فقد ذكر أنّ روسيا لن تكون البديل للولايات المتّحدة في الشرق الأوسط عقب تدخّلها العسكريّ في سوريا. ووصف الالتزام الأميركيّ بقضايا الشرق الأوسط بكونه "طويل المدى، راسخاً وشفّافاً".

مع إعادة الولايات المتّحدة رسم توجّهاتها في الشرق الأوسط، يأتي تصريح ماتيس كرسالة إلى موسكو مفادها أنّ الأخيرة لا تستطيع الاستغناء عن الحوار مع واشنطن حول الملفّ السوريّ. وبغضّ النظر عن كيفيّة توخّي العاصمتين سبل الحوار حول هذا الملفّ، يبدو أنّ واشنطن ستحمّل نفسها وزر تحقيق عدد من الأهداف المتشابكة ضمن رؤيتها السوريّة الجديدة.

غموض

سئل جيفري الأسبوع الماضي عمّا إذا كانت واشنطن ستحدّد فترة زمنيّة لبقاء الرئيس السوريّ بشّار الأسد في السلطة، فأجاب: "أوّلاً يتضمّن قرار مجلس الأمن (2254) إشارة إلى أطر زمنيّة معيّنة، ونأمل في التزامها عندما تُشكل اللجنة الدستوريّة وتُنظّم الانتخابات". جاءت الإجابة غامضة لكنّ ما أضافه جيفري قد يحمل بعضاً من التلميح إلى طريقة التفكير الأميركيّة: "في ما يتعلّق بنظام الأسد، تركّز سياساتنا على ما تفعله الحكومة السوريّة وليس على شخصيّات بعينها. ثمّة حاجة إلى حكومة لا تشنّ حرباً إجراميّة على شعبها ولا تستخدم السلاح الكيميائيّ". وأضاف أنّ الولايات المتّحدة مستعدّة للعمل مع السلطة التي ستتصرّف "بالتوافق مع هذه المعايير". كلام كهذا سيثير أسئلة مشروعة عمّا إذا كان المقصود وجود استعداد لدى واشنطن للاعتراف ببقاء الأسد في منصبه طالما أنّه ملتزم ب "المعايير" الأميركيّة.

الأجوبة على أسئلة كهذه لن تكون سهلة. ففي تصريح آخر منذ يومين، تحدّث جيفري عن أنّ ضمان عدم عودة داعش إلى الظهور مجدّداً بعد هزيمته المرتقبة "خلال أشهر"، يتطلّب "تغييراً جوهريّاً في النظام السوريّ وتغييراً جوهريّاً في دور إيران في سوريا واللذين ساهما كثيراً ببروز داعش في المقام الأوّل". ومجدّداً، لم يوضح الممثّل الخاص ما المقصود ب "التغيير الجوهريّ في النظام". حتى بالنسبة إلى إخراج القوّات الإيرانيّة من سوريا، هنالك بعض الغموض في أسلوب تحقيق ذلك على مستوى العبارات المستخدمة في هذا الإطار. فقد ذكر جيفري أنّ إخراج الإيرانيّين من سوريا ليس هدفاً أميركيّاً بل يجب أن يأتي كنتيجة لمسار إنهاء الحرب الأهليّة.

هل رسم بوتين إطار قمّة اسطنبول؟

لا تزال #واشنطن تحتفظ بنظرة الارتياب تجاه الرئيس السوريّ. ماتيس أشار إلى أنّ "انتهازيّة وإرادة #موسكو غضّ النظر عن نشاطات الأسد الإجراميّة ضدّ شعبه يثبتان غياب التزامها الصادق بمبادئ أخلاقيّة أساسيّة". لكن بعيداً من هذه النظرة، يبدو أنّ الإدارة الأميركيّة لا تزال تتحاشى إلى الآن إعطاء تصوّر واضح عن مصير الأسد الذي يحتاج أساساً إلى تطوّر كبير في المحادثات الثنائيّة بين الطرفين وهو ما لم يحصل حتى الآن. ولعلّ أبرز أسباب ذلك هو استمرار شدّ الحبال بين العاصمتين حول مقاربة تمهيديّة لمرحلة ما بعد النزاع. أطلق وزير الدفاع الأميركيّ تلك التصريحات قبل أيّام على انعقاد قمّة اسطنبول الرباعيّة للتأكيد على أنّ الدور الأميركيّ يبقى أساسيّاً في تحديد قسم كبير من معالم الحلّ بالرغم من أنّ واشنطن لم تكن مشاركة في تلك القمّة. بالمقابل، يرى البعض أنّ الاجتماع الرباعيّ تمّ وفق شروط بوتين. فقد نقلت صحيفة "برافدا" الروسيّة عن "دير تاغ شبيغل" الألمانيّة أنّ الرئيس الروسيّ لم يدعُ مسؤولين أميركيّين إلى اسطنبول وأنّه هو من قرّر دعوة أوروبّا للاستثمار بشكل كبير في سوريا.

بغضّ النظر عن هامش المناورة الذي يتمتّع به بوتين في تحديد الجهات المستثمرة في سوريا، سيكون صعباً على بيدرسن تحقيق خروقات واسعة في المفاوضات حين يستلم مهامّه أوائل السنة المقبلة، طالما أنّ المسار التفاوضيّ الذي سيشرف عليه ليس متوازياً مع مسار حوار أميركيّ-روسيّ. ترى دي جيوفانّي أنّ جميع اللاعبين متعبون من النزاع بعكس ما كان عليه الأمر حين استلم دي ميستورا مهامّه وهذا ما قد يجعل ظروف التفاوض ناضجة. لكن لغاية اللحظة يبدو أنّ بيدرسن بحاجة إلى أكثر من مجرّد تعب أميركيّ-روسيّ للانخراط في محادثات مثمرة حول سوريا.