|
|
التاريخ: تشرين الأول ٢٩, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
"سوريا المُفيدة" من اللاذقيّة إلى الناقورة هل تعود؟ - سركيس نعوم |
ربّما لم تتوقّع روسيا فلاديمير بوتين يوم تدخّلت عسكريّاً في سوريا استجابة لاستغاثة الجمهوريّة الإسلاميّة بعد تأكّدها من عجز "حزب الله" اللبناني عن منع نظامها من الانهيار ورئيسها من نهاية محتومة، وكان ذلك عام 2015، ربّما لم تتوقّع أن تكون مهمّتها سهلة أو بالأحرى ناجحة ولا سيّما بعدما انحسرت الجغرافيا التي تُسيطر عليها الدولة إلى ما بين 20 و30 في المئة. وعزا العارفون والمُتابعون اللبنانيّون والعرب والأجانب ذلك إلى غموض موقف رئيس الولايات المتّحدة في ذلك الحين باراك أوباما من "ربيع سوريا" الذي كان تحوَّل دامياً وقتها، وتردّده في اتخاذ موقف حاسم منه رغم التأييد العارم له من حلفائه في العالم العربي والإسلامي السُنّي في معظمه، والتنديد الشديد للعالم الغربي وتحديداً الأوروبي بالنظام السوري وقمعه "الوحشي" للمدنيّين، وتحميله مسؤوليّة عسكرة "الانتفاضة الشعبيّة السلميّة" ثم تحوّلها إرهاباً من أجل دفع كل هؤلاء الحلفاء إلى إعادة النظر في مواقفهم المؤيّدة لها والمطالبة بإسقاطه. طبعاً ساعد الغموض في اتخاذ قرار التدخّل المحدود بهدف منع الانهيار. لكن التطوّرات التي حصلت بعد ذلك في المنطقة وأبرزها على الإطلاق توقيع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع ألمانيا "الاتفاق النووي" مع إيران، وإصابة أوباما بخيبة كبيرة من القيادة الإسلاميّة فيها بل من نظامها كلّه جرّاء إخلالها بوعد قطعته له في مرحلة التفاوض يؤكّد اعتزامها الانخراط معه ومع إدارته في التفاوض حول سوريا وما يجري فيها كما حول الشرق الأوسط، وهي خيبة جعلته يُحجم عن الضغط عليها لتفي بوعدها ربّما حرصاً على "النووي"، وعن وضع سياسة سوريّة لادارته تتوافق مع رفضه القمع المُمنهج للشعب السوري الثائر، لكنّ هذه التطوّرات أشعرت بوتين بمزيد من الثقة، ودفعته إلى توسيع إطار تدخّله وإلى اعتبار نجاحه في سوريا إذا تحقّق مقدّمة لاستعادة بلاده دوراً فقدته في المنطقة، ولمواجهة السياسات الأميركيّة – الأوروبيّة المُعادية له بعد احتلاله شبه جزيرة القرم، وتحريضه على انفصال شرق أوكرانيا ذي الشعب الروسي الأصل عنها، وربّما لمحاولة استعادة دور دولي أكثر فاعليّة بالتعاون مع الصين ودول كبيرة عدّة في العالم يمكن أن يُنهي الزعامة الأميركيّة الأحاديّة للعالم ويُفسح في المجال أمام عالم مُتعدّد القطب والزعامة. ومن علامات التحوّل في موقف بوتين من التدخّل في سوريا، انتقاله من حماية نظام الأسد من الانهيار إلى تمكينه من استعادة "سوريا المُفيدة" أي سوريا المدن الآهلة وترك المناطق الأخرى الأكبر مساحة والأقل سكّاناً والأكثر ثروات طبيعيّة للثوّار والتنظيمات الإرهابيّة الإسلاميّة والدول المحيطة بسوريا وحتّى لأميركا إذ اعتبرت موقفها "المُحايد" عمليّاً في وقت لاحق. ومن علامات التحوّل أيضاً نجاح الأسد بمساعدة روسيا وإيران و"حزب الله" وميليشيات شيعيّة عدّة في استعادة قسم كبير من جغرافيّة بلاده. واستعاد بذلك حماسته لقرار استعادة سوريّا كلّها وللإحجام عن قبول تسوية تضعفه ونظامه و"الأقليّة" التي ينتمي إليها. أمّا بوتين فقد شجعه نجاحه على الاستمرار في تطوير أهداف طموحه السوريّة والإقليميّة والدوليّة والاقتصاديّة وتكبيرها، لكن السؤال الذي يطرح هنا هو: هل يستطيع انجازها؟ ربّما يُشجّعه على التفاؤل وصول ترامب إلى رئاسة أميركا قبل أقلّ من سنتين. فهو أعلن أكثر من مرّة اعتزامه الانسحاب من سوريا ولا يزال يُكرّر موقفه بين الفينة والأخرى. وهو معروف بأن أهدافه متنوّعة وواسعة جدّاً لكنّه لا يمتلك خطّة لتحقيقها لأنه يفتقر إلى العقل الاستراتيجي وإلى حكمة التخطيط ولا يهتمّ إلّا بالحفاظ على قاعدته الشعبيّة، فضلاً عن بعد مفهومه لمصالح أميركا من مصالحها الحيويّة والاستراتيجيّة. لكن العارفين والمُتابعين المتنوّعين المُشار إليهم أعلاه يلفتون إلى "أميركا المؤسّسة" (الاستابليشمانت)، وإلى انها قد لا تسمح في الوقت المناسب بخسارة أميركا دورها ووجودها الكبير في العالم وبتصوير ذلك لشعبها إنجازاً هو "الانعزال والحمائيّة". لذلك يعتقد هؤلاء أن أزمة سوريا لم تنتهِ بعد، وأن العراق لم يستقر بعد، وأن سيطرة إيران على شرقي المتوسّط لن تستمرّ بوسيلة أو بأخرى. وهذا أمر يعرفه بوتين في رأيهم. ولهذا السبب فإنّهم يُرجّحون عودته إلى نظريّته الأولى أي "سوريا المُفيدة". والسؤال الذي ينطلق من ذلك هو: هل تفيد "سوريا المُفيدة" لبنان؟ والجواب هو كلّا، فهي تنطلق، استناداً إلى مُعطيات قديمة وأخرى أحدث، من اللاذقيّة وتمرّ في لبنان لتصل إلى الناقورة جنوباً. ويعني ذلك أنّها ستشمل بعض الشمال والبقاع والجبل والجنوب، علماً أن لا شيء يمنع شمولها كل لبنان. وطبيعي أن تكون السيطرة لبنانيّاً لـ"حزب الله" وشعبه فيكون ذلك نصراً لبوتين وجائزة ترضية لإيران جرّاء خروجها من شرقي المتوسّط عسكريّاً. وطبيعي أن تكون إسرائيل مستفيدة من ذلك، إذ أن الوصول إلى هذه المرحلة سيكون إشارة إلى انهاء الصراعات والحروب في هذه المنطقة وإن بقي السلام بين الفلسطينيّين وإسرائيل غائباً. و"سوريا المُفيدة" هذه المعادية "فعلاً" لإسرائيل ستكون ضامناً واقعيّاً عسكريّاً وأمنيّاً للحدود التي تفصل بينها وبين لبنان كما بين لبنان وسوريا. ولبنان هذا مُفيد لروسيا بنظامه المالي والاقتصادي وبكونه منصّة ضروريّة لإعادة بناء سوريا التي لن تبدأ إلّا بعد انهاء حربها و"الأزمات" في المنطقة.
وتلافياً لظنّ البعض أن في هذا الكلام ترويجاً أو تهويلاً يؤكّد المُتابعون والعارفون أنفسهم أن اتصالات أجرتها روسيا من دمشق مع جهات شعبيّة وربّما غير شعبيّة في الجزء اللبناني من "سوريا المُفيدة". فهل تستيقظ "شعوب" لبنان من غفلتها واستسلامها لقادة طوائفها ومذاهبها وأحزابها وشهواتهم وتحمي البلاد بإقامة دولة أم تدخل المجهول الذي يفيد هؤلاء ويؤذيها؟ |
|