التاريخ: تشرين الأول ١٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
عائلات في الرقة أضناها البحث عن مفقوديها منذ طرد «داعش»
الرقة (سورية) - أ ف ب
عند طرد تنظيم «داعش» الإرهابي من مدينة الرقة قبل عام، ظنت أماني أنها ستتلقى أخيراً جواباً طال انتظاره عن مصير زوجها الذي غيبته زنازين التنظيم قبل ثلاث سنوات. إلا أنها وبعد مرور عام كامل، لم تتمكن مع أبنائها الثلاثة من تحديد مكان وجود زوجها عبد الإله اسماعيل.

وتقول أماني، وهي موظفة في مجلس الرقة المدني: «توقعت رؤيته بعد تحرير الرقة فوراً لكنني لم أتلق خبراً واحداً، حياً كان أو ميتاً، لم يفدني أحد بشيء».

وخلال سيطرته على المدينة التي شكلت معقله في سورية لحوالي ثلاث سنوات، اعتقل التنظيم وعاقب كل من خالف أحكامه وقواعده الصارمة أو من شكّ بانتمائه وولائه لجهات أخرى.

وتروي أماني أن التنظيم اعتقل زوجها بتهمة التعاون مع «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، المؤلفة من فصائل كردية وعربية تمكنت قبل عام من السيطرة على المدينة بالكامل بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

وبعد طرد «داعش»، تقول أماني إنها تواصلت مع جهات عدة في «مجلس سورية الديموقراطية»(مسد) وفي التحالف لمعرفة مصير زوجها، من دون أن يأتيها الجواب. إلا أن ذلك لم يدفعها إلى الاستسلام ولا تزال تبحث عنه من دون كلل أو ملل.

خلال رحلة البحث، حصلت على أخبار متناقضة، إذ أبلغتها بعض المصادر إنه قُتل، وقالت أخرى إن التنظيم نقله إلى سجن في بلدة هجين، آخر جيب تحت سيطرة «داعش» في محافظة دير الزور (شرق سورية)، ويتعرض لهجوم من «قسد» منذ أسابيع. وتأمل أماني أن يصار الى تشكيل لجنة إدارية لتسهيل المتابعة على أهالي المفقودين. وتقول: «أصعب ما في الأمر هو الانتظار. أريد فقط أن أعرف هل هو ميت أم على قيد الحياة».

وتتهم عائلات ومنظمات حقوقية «قسد» والتحالف الدولي بالتقاعس في تحمل مسؤولياتها ازاء ملف المفقودين، الذي يُعد من الملفات الأكثر تعقيداً التي خلفتها الحرب منذ اندلاعها في العام 2011.

قبل عامين، داهم مقاتلو التنظيم منزل عائلة حنان محمد (22 عاماً) واعتقل شقيقتها رزان التي تكبرها بعامين، متهماً إياها بـ»التعامل» مع النظام باعتبار أنها كانت تتابع دراستها الجامعية في دمشق. ومنذ ذلك الحين، لا تعرف حنان شيئاً عن شقيقتها التي اعتقلت مع سبعة من صديقاتها بالتهمة ذاتها. وتقول حنان: «إلى هذا اليوم لا نعلم شيئاً عنها، لم تبق جهة لم نتواصل معها لكن من دون جدوى». وتضيف: «قد يكونوا قتلوها، أو قد قُتلت في القصف، أو جراء الجوع خلال الحصار (تعرضت له الرقة لأشهر)، أو ربما أخذوها على غرار كثيرين دروعاً بشرية».

وتحول أسباب عدة من دون معرفة عائلات كثيرة في الرقة ومحيطها لمصير أبنائها، إذ نقل التنظيم قبل سيطرة «قسد» على المدينة في 17 تشرين الأول (أكتوبر)، المساجين لديه إلى مناطق أخرى تحت سيطرته في شرق سورية، ولا يُعرف حتى الآن مصير هؤلاء. كما قُتل الكثير من المعتقلين، وفق «المرصد السوري لحقوق الانسان»، في الغارات التي شنها التحالف الدولي على سجون التنظيم في الرقة. ونتيجة المعارك الضارية التي شهدتها المدينة طوال أربعة أشهر فضلاً عن القصف العنيف وما خلفته من أضرار جسيمة، لا تزال مئات الجثث مدفونة في أنحاء المدينة.

وتقدر منظمة «هيومن رايتس ووتش» وجود ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف شخص مصيرهم مجهول، ممن كانوا معتقلين في مناطق سيطرة التنظيم سابقاً في شمال سورية وشرقها، بينها الرقة. وتقول الباحثة في المنظمة سارة كيالي: «تكمن الصعوبة في أن العديد من السجون قُصفت خلال المعركة»، ما يزيد احتمالات مقتل معتقلين، مشيرة أيضاً إلى احتمال ايجاد المفقودين في المقابر الجماعية المنتشرة في أنحاء الرقة. وتضيف: «الأمر محبط جداً بالنسبة للعائلات التي ظنت أن استعادة السيطرة على الرقة من داعش تعني العثور على الاجابات التي يبحثون عنها». وتوضح أنه «ليس هناك أي جهة تذهب إليها تلك العائلات للحصول على إجابات، ولا حتى آلية لتسجيل أسماء المفقودين».

في الرقة، ينهمك يومياً «فريق الاستجابة الأولية»، وهو فريق محلي صغير وغير مجهز، بإخراج جثث القتلى من المقابر الجماعية ووضعها إلى جانب بعضها البعض في أكياس بلاستيكية زرقاء. وتمكن الفريق من سحب 2500 جثة حتى الآن، وفق منظمة العفو الدولية التي حذرت الجمعة من عدم توفر الإمكانات اللازمة لدى الفريق لمواصلة عمله. ويوضح المسؤول في الفريق ياسر الخميس: أنهم تلقوا حتى الآن 360 طلباً من عائلات تبحث عن أبنائها.

وفي أحيان كثيرة، يرافق أهال يفتقدون أحباءهم «فريق الاستجابة الأولية»، على غرار ظريفة نزال (50 عاماً) التي تبحث عن ابنها موسى. وتقول: «أذهب للبحث عنه، علّي أتعرف عليه من الشامة بين حاجبيه أو من ندب في رجليه ناتجة عن حروق قديمة».