|
|
التاريخ: تشرين الأول ٥, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
صالح وعبدالمهدي رهانان آمنان لواشنطن وطهران |
تفاؤل عراقي بتحالفات براغماتية تتجاوز الخطوط الطائفية |
موناليزا فريحة
بعد خمسة أشهر من التجاذبات السياسية الداخلية، أثار اختيار السياسي الكردي المخضرم برهم صالح رئيساً، وتكليفه بعد ذلك بساعات وزير النفط سابقاً عادل عبد المهدي (46 سنة) تشكيل حكومة، تفاؤلاً بتراجع الولاءات الطائفية التي سادت الحياة السياسية في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، لتحل محلها تحالفات أكثر براغماتية تتجاوز الخطوط الطائفية. ومع ذلك، يبقى الرهان الاكبر تشكيل حكومة تواجه التحديات الكبيرة بعد حرب ضد "داعش "خلفت أضراراً بمليارات الدولارات، وهجرت ملايين العراقيين وزادت الضغط على الاقتصاد الذي يعتمد خصوصاً على النفط.
بدا أن كلاً من صالح وعبدالمهدي يمثّل رهاناً آمناً لطهران وواشنطن اللتين تتنافسان على النفوذ في العراق، الأمر الذي ساهم في تحريك الجمود السياسي الذي استمر أشهراً منذ الانتخابات العامة غير الحاسمة في أيار الماضي. فمع أن منصب الرئيس الذي يتولاه عادة كردي، هو فخري الى حد كبير، الا أن هذا التصويت كان خطوة رئيسية قبل تشكيل حكومة جديدة. ويعتبر صالح، الحائز شهادة في هندسة الكومبيوتر من جامعات بريطانية، الشخصية الكردية الأكثر قبولاً في بغداد، وسبق له أن تولى مناصب عليا عدة، وإن يكن موضع خلاف بين الأكراد المنقسمين، بعد سنة من استفتاء على الاستقلال كانت له تداعيات كارثية. ومع أن الدستور يمهل الرئيس 15 يوماً لاختيار رئيس للوزراء، فقد سارع خلال ساعتين الى تكليف عبدالمهدي، الذي لا ينتمي إلى حزب، تشكيل حكومة، في خطوة عكست تسوية بين الفائزين في الانتخابات العامة التي حل فيها تكتل "سائرون" بزعامة القيادي الشيعي مقتدى الصدر أوّل، وتكتل "الفتح" بقيادة هادي العامري ثانياً.
ونسبت صحيفة "الواشنطن بوست" الى نائب عراقي شارك في المفاوضات أن عبدالمهدي حظي أيضاً بدعم نواب أكراد وسنّة ووافق عليه المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني.
الواضح أن عبد المهدي يحظى بتوافق عريض على رغم عدم انتمائه إلى أي حزب. وصرح الناطق السابق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ لـ"النهار" بأن اختياره يكاد يكون إجماعاً نادراً من طرفي صراع على تشكيل الكتلة الكبرى، وانتقال سلس للمرة الأولى لرئاسة الوزراء في العراق بعد ثلاث حكومات ولدت كلها بعمليات قيصرية عسيرة. وأشار أيضاً الى أنها المرة الاولى في تاريخ العراق الحديث يهنئ رئيس الوزراء السابق خلفه، و"هذا يوحي بأن هناك فرصة حقيقية لبداية تحقيق حكم رشيد يفتقده العراق بعد فشل متواصل بإعطاء أمل للعراقيين الذين يتوقعون الكثير".
ولا ينتمي عبد المهدي الى أي تكتل سياسي، الا أنه ذو باع طويل في السياسة العراقية، كشخصية مستقلة قادرة على مسك العصا من الوسط في العلاقة بين الأطراف الداخليين والخارجيين الحاضرين بقوة على الساحة السياسية العراقية.
وعن هذا الامر، أكد الدباغ أن رجل الاقتصاد والسياسي العتيق سيعتمد على خبرته للحفاظ على الثقة بادارته، خصوصاً أن ليس وراءه حزب يتكئ عليه إذا فشل كما كان يحصل سابقاً. ولكن ثمة من يرى أن عدم انتمائه الى حزب قد يجعل مهمته أشد صعوبة. وفي رأي الباحث مصطفى حبيب أن عبدالمهدي هو الشخص الوحيد الذي يتمتع بمواصفات رئيس وزراء نظراً الى الوضع العراقي المعقد، الا أن عدم انتمائه الى أي حزب يوفر له السلطة داخل البرلمان، قد يشكل عائقاً له ويضطره الى تقديم تنازلات اذا هددته الكتل الكبيرة بسحب الثقة منه .
وأمام عبدالمهدي 30 يوماً بموجب الدستور العراقي لتأليف حكومة وعرضها على البرلمان للحصول على الثقة. وسيكون عليه أن يشكل حكومته بالتعاون مع شخصيات سبق له أن عمل معها في الماضي. وهو سيلتقي حتماً هادي العامري، القيادي القوي لـ"منظمة بدر" المقربة من إيران، وزعيم تحالف "الفتح" الذي حل ثانيا في الانتخابات النيابية. ففي الثمانينات والتسعينات، كانا معاً في المجلس الأعلى الإسلامي، معارضين لنظام صدام حسين.
وسيتعاون عبد المهدي أيضا مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي كاد أن يكون مكانه عام 2010. كذلك سيكون عليه التعاون خصوصاً مع الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي لم يتوان عن عقد تحالفات وكسر أخرى منذ حل ائتلافه أول في الانتخابات النيابية.
وقال الدباغ إن عبد المهدي يتمتع بميزة التشاور، مما يجعله متقبلاً للأفكار المخالفة لآرائه، كما يتميز بقدرة قوية على عرض أفكاره ويمتلك رؤية للعقد التي يعانيها العراق، بما فيها الفساد ورموزه وملفاته الكبيرة، ونقص فرص العمل والخدمات الأساسية. وفي اشارة الى نقاط القوة الاضافية التي يتمتع بها ، تحدث الدباغ عن الدعم القوي من المرجعية الشيعية العليا التي تعطي دعماً ضمنياً "عبر إشارات ذكية في خطب الجمعة من مدينة كربلاء والانحياز الى المواطن الفقير والشارع الذي يشكل عنصرا مسانداً أو عنصراً غاضباً على الأداء الحكومي". والى التسوية الداخلية التي أوصلت عبدالمهدي، يبدو أن الرجل يشكل رهاناً آمناً لواشنطن وطهران اللتين انخرطتا في المفاوضات الدائرة لتشكيل الحكومة. ولاحظ مصطفى حبيب أن كلا من صالح وعبدالمهدي معتدل وبراغماتي، وأفضل من الشخصيات المتطرفة المقربة من طهران.
بينما رأى الدباغ قبولاً إيرانياً وأميركياً لترشيح عبد المهدي، وخلص الى أن الجميع كسبوا في هذه التسوية "وأولهم الإرادة الوطنية التي هي أساس اختياره وترشيحه". وفي دلالة اضافية على مباركة أميركية للتسوية، أفاد مسؤول أميركي بارز طلب عدم ذكر اسمه أن "الخطوات التاريخية التي اتخذت في العراق مشجعة. الرئيس صالح ورئيس الوزراء المعين عبدالمهدي، زعيمان يتمتعان بخبرة ومحترمان في العراق وحول العالم". |
|