| | التاريخ: تشرين الأول ١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | انشغال رسمي بخلفيات تهديدات نتانياهو: تحذير من استغلال مناخ دولي غير موات للبنان | بيروت - وليد شقير
ينشغل الوسط السياسي اللبناني بالتهديدات الإسرائيلية للبنان نتيجة ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن وجود مصانع لـ «حزب الله» لتطوير صواريخ بهدف جعلها أكثر دقة، في منطقة الأوزاعي وقرب مطار رفيق الحريري الدولي، في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، إضافة إلى ما قاله في هذا الشأن الناطق باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي.
والسؤال الأساسي الذي يطرح في هذه الأوساط هو لماذا اختارت إسرائيل إثارة الموضوع في هذا التوقيت بالذات إذا صح أن لديها المعلومات عن هذه المصانع منذ مدة، وما الهدف من الحملة السياسية الإعلامية التي تشنها على الحزب ولبنان الآن بالذات؟
وتقول مصادر سياسية واسعة الاطلاع على الموقف الخارجي إن تزامن الحملة الإسرائيلية مع التصعيد الأميركي ضد إيران ودورها في المنطقة والتحضير لعقوبات جديدة ضدها وضد الحزب يجعل الادعاء الإسرائيلي بامتلاك الحزب مصانع تطوير صواريخ في بيروت محاولة لتبرير أي عدوان في هذه الأجواء الدولية الإقليمية الملبدة، ما يستوجب من السلطات اللبنانية تحركاً يقطع الطريق على تحول هذه الادعاءات إلى أمر واقع دولي. وتسأل المصادر إياها: ما الذي يمنع الدولة اللبنانية والحزب معها من تنظيم جولة للإعلام الأجنبي واللبناني إلى المناطق التي أظهرها نتانياهو في الخريطة التي رفعها في نيويورك لإثبات عدم صحة تلك الادعاءات وتسفيه ما يروجه نتانياهو وأدرعي منذ 3 أيام؟. وترى المصادر أن خطوة من هذا النوع تدعم النفي الذي صدر عن كل من وزيري الخارجية جبران باسيل والشباب والرياضة محمد فنيش، واعتبرا فيه أن ما قالته إسرائيل أكاذيب.
ورأت مصادر وزارية أن إسرائيل تستسهل إطلاق المزيد من التهديدات للبنان في ظل أجواء دولية وإقليمية تزداد تلبداً وفي ظل وجود ما يمكن وصفه بالـ «تعب» من أوضاع لبنان نتيجة عدم مواكبة الطبقة السياسية الجهود الخارجية من أجل تكريس الهدوء فيه وضمان الاستقرار الذي تميز به في المرحلة السابقة، عبر الإسراع في قيام حكومة وإرساء معادلة داخلية تأخذ في الاعتبار هواجس المجتمع الدولي حيال دور البلد في المنطقة، من طريق ما يسميه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقاريره المتكررة إلى مجلس الأمن، «تعزيز» سياسة النأي بالنفس التي التزمتها الأطراف المختلفة والتي كانت شرطاً ومخرجاً قبل سنة لعودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته قبل زهاء ١١ شهراً. وتعطي هذه المصادر الوزارية مثلاً على ذلك إعلان مصدر فرنسي رسمي قبل ٤ أيام أن فرنسا والمجتمع الدولي قاما بواجبهما حيال لبنان عبر مؤتمرات الدعم التي انعقدت لمصلحة الجيش والاقتصاد اللبنانيين في النصف الأول من هذه السنة. وفي معلومات المصادر الوزارية أن المناخ الذي يسود في بعض أروقة بعض المسؤولين الغربيين أنه «طفح الكيل» من عدم تحمل المسؤولين اللبنانيين مسؤولياتهم في القيام بقسطهم من المطلوب لضمان الاستقرار في لبنان، لا سيما لجهة التعجيل في قيام حكومة تبدأ تطبيق مقررات «سيدر» للإصلاحات الاقتصادية والهيكلية. وتشير إلى أن من دلائل هذا «التعب» الدولي من مشاكل لبنان أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يأتِ على ذكر لبنان في خطابه خلال مؤتمر الديبلوماسيين السنوي الذي يترأسه، ولم يلتق الرئيس العماد ميشال عون خلال وجودهما في نيويورك وأن الديبلوماسية الفرنسية اقترحت أن يقتصر التواصل على محادثة هاتفية بينهما فقط.
وتزيد المصادر على ذلك قولها أن لقاءات وزير الخارجية جبران باسيل مع رؤساء الديبلوماسية الغربية اقتصرت على لقاء مع مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد.
وترى المصادر أن هذا المناخ معطوفاً على كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي أسقط سياسة النأي بالنفس وأعلن التضامن مع إيران إزاء العقوبات الأميركية المقبلة عليها، يشكل ظرفاً مناسباً لإسرائيل كي توجه تهديداتها. وتعتبر أن تبديد المناخ الدولي غير المواتي للبنان يتطلب خطوات واضحة من «حزب الله» بإبعاد لبنان عن الصراع في المنطقة، خصوصاً أن هناك مراقبة دولية للمداخلات حول تأليف الحكومة ودور «حزب الله» فيها ورفض واشنطن وعواصم أخرى أن تزداد حصته فيها في شكل يؤشر إلى توسيع الغطاء الذي يتمتع به لسياسته الانخراط في أزمات المنطقة.
وترى مصادر وزارية أخرى أن التهديد الإسرائيلي للبنان هو نوع من التحذير بعد إعلان نصر الله تضامنه مع طهران، بألا يلجأ إلى أي عمل لمصلحة الأخيرة في مقابل تزايد الضغوط عليها، من دون أن يعني ذلك التمهيد لضربة عسكرية لمواقع الحزب في لبنان. وتقول المصادر إياها إن المعطيات لم تتغير بأن التركيز الإسرائيلي ما زال على الوجود الإيراني في سورية.
هل تكفي هذه التفسيرات لخلفية التهديد الإسرائيلي لفهم أسبابه؟
الأجوبة تتعدى هذه التفسيرات وتتعدد كالآتي:
- إن نتانياهو أراد الرد على الخطوة الروسية بتقييد حركة الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية بعد إسقاط الطائرة الروسية «إيل ٢٠» عبر تسليم سورية بطاريات صواريخ أس ٣٠٠ للقول لمحور دمشق طهران إن عليه عدم الاستقواء بهذا التطور وأن الأسلحة الإيرانية التي يستهدفها في سورية يمكنه استهدافها في لبنان أيضاً.
- إنه إذا فكرت إيران التي أعلن رئيسها حسن روحاني أن بلاده لا تريد حرباً مع الولايات المتحدة، باستخدام «حزب الله» في نطاق «الحرب بالواسطة» التي يجيدها الجانب الإيراني في المنطقة، فإن تل أبيب تنبه إلى أي تحرك بأنها ستشن حرباً على الحزب ولبنان في هذه الحال.
- إنه رد على إعلان نصر الله امتلاك الحزب للصواريخ الدقيقة الذي اعتبرته أوساط لبنانية عدة متعجلاً ويعطي إسرائيل الذرائع.
وفي وقت تحصر هذه التفسيرات للتهديدات الأمر في نطاق الإنذار، فإن المصادر الوزارية تعتبر أنه على رغم ذلك يجب عدم الاستهانة بخطورتها. وتأتي في هذا السياق أيضاً دعوة وزير الإعلام ملحم الرياشي إلى أنها باتت سبباً إضافياً لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد للضرورة كما يقترح حزبه «القوات اللبنانية»، لدراسة الأمر على أن يليه انعقاد مجلس الدفاع الأعلى للغرض نفسه.
وفي المقابل تشير الأوساط السياسية المراقبة إلى جملة مؤشرات رافقت وجود الرئيس عون والوزير باسيل في نيويورك، منها تأكيده في حديثه إلى صحيفة «لو فيغارو» التزام سياسة النأي بالنفس بالنسبة إلى أزمات المنطقة ولا سيما سورية. كما أن هذه الأوساط تلاحظ أنه للسنة التالية يتجنب الرئيس عون لقاء الرئيس الإيراني أو أي مسؤول سوري على رغم أنه في الأشهر الماضية كان يدعو إلى فتح العلاقة مع النظام من أجل إعادة النازحين وتصدير الإنتاج اللبناني عبر سورية. وحتى الوزير باسيل لم يلتق نظيره السوري وليد المعلم كما فعل السنة الماضية. ولا تستبعد الأوساط ذاتها أن يكون عون أراد في ذلك عدم إثارة حفيظة الدول الغربية، من باب الحرص على إبقاء المظلة الدولية فوق لبنان لمنع أي تهديد له.
وتعتبر الأوساط أنه على رغم الملاحظات الكثيرة للدول الغربية على موقف لبنان الرسمي حيال سورية والدور الإيراني، فإن المظلة الدولية لضمان استقراره ما زالت قائمة. لكن تقديرات الأوساط تتساءل عن مغزى إثارة إسرائيل هذه الاتهامات في هذا التوقيت.
| |
|