التاريخ: أيلول ٣٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
اتفاق سوتشي... تمهيد روسيّ تركيّ لمواجهة الأميركيين شرق سوريا؟
جورج عيسى
تلقّى الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان الذي يختتم زيارته اليوم لألمانيا إشادات من مسؤوليها بسبب توصّله مع نظيره الروسيّ فلاديمير #بوتين إلى اتّفاق حول محافظة إدلب. نُظر إلى الاتفاق على أنّه انتصار لتركيا التي تمكّنت على الأقلّ من تأجيل الهجوم العسكريّ. لكن بالمقابل، وقع على عاتق أنقرة القسم الأكبر من المسؤوليّة في تنفيذه مع ازدياد المخاطر الناجمة عن ذلك. انطلاقاً من هنا، برزت تحليلات أخرى تقول إنّ الروس وحلفاءهم استفادوا كثيراً من هذا الاتّفاق طالما أنّ تركيا "تبرّعت" لحلّ هذه المسألة عسكريّاً وأمنيّاً بالنيابة عن الروس وحلفائهم من ناحية مبدئيّة.

يضاف إلى ذلك أنّ الاتّفاق تفادى تعرّض الروس لحملة إعلاميّة واسعة كما جنّبهم حرباً طويلة أمكن أن تتحوّل إلى حرب استنزاف. أمّا في حال فشلت تركيا في تنفيذ التزاماتها، فالآلة الحربيّة الروسيّة قد تبقى جاهزة لاستئناف العمل العسكريّ في وقت لاحق. لا شكّ في أنّ طرفي قمّة سوتشي حقّقا نقاطاً إيجابيّة تخدم مصالحهما. لكن مع اقتراب المهلة النهائيّة لتنفيذ أنقرة التزاماتها تبدو الصعوبات العسكريّة في تفكيك "هيئة تحرير الشام" متنامية. من جهة ثانية، يرى البعض إمكانيّة في ألّا تكون بنود سوتشي محصورة بإدلب فقط.

ما تريده أنقرة من واشنطن

خلال مؤتمر صحافيّ على هامش الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، قال الرئيس الأميركيّ دونالد #ترامب إنّ الفضل في تعليق عمليّة إدلب يعود إلى جهده. وأعلن أنّه قال لوزير خارجيّته ولمستشاره للأمن القوميّ: "لا تسمحا بحصول ذلك" ف "توقّف الأمر" معترفاً في الوقت نفسه بأن لا أحد سيعطيه الفضل في ذلك، "لكن لا مشكلة لأنّ الناس يعلمون". وأضاف أنّه وجد "صعوبة في تصديق أنّ أحداً يمكن أن يقوم بذلك بحقّ ثلاثة ملايين شخص".

لو لم تكن العلاقات التركيّة الأميركيّة تعاني من أزمة عميقة، لكان من المحتمل أن يعترف إردوغان بمساهمة ترامب في الحلّ. لكنّ التوتّر في العلاقات الثنائيّة قد يجعل الأتراك مستعدّين لاستراتيجيّة جديدة تجاه الأميركيّين. يبدو أنّ إردوغان لا يراهن كثيراً على دور أميركيّ يمكن أن يقلب موازين القوى في إدلب. صحيح أنّه كتب مقال رأي في صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" يحذّر فيه من تداعيات الهجوم على المحافظة، لكنّه كان يعلم أنّ العبء الكبير من تفادي هكذا سيناريو يقع على عاتق تركيا وأنّه سيكون عليه في نهاية المطاف تدبّر الحلّ في منطقة خفض التصعيد هذه مع الروس. بناء على ذلك، إنّ ما تطلبه #أنقرة من #واشنطن هو تسخير نفوذها في مكان آخر: إدلب. وكان ذلك واضحاً حين نقلت صحيفة "حرّييت" التركيّة عن إردوغان قوله إنّ الولايات المتّحدة لم تلتزم بالجدول الزمنيّ المتّفق عليه لانسحاب وحدات حماية الشعب الكرديّة من منبج.

"خبر سيّئ ... خبر أسوأ"

ليست مسألة عابرة أن يختار إردوغان أروقة الأمم المتّحدة لتوجيه انتقاده للبيت الأبيض في مسألة #منبج، في وقت أنّه لم تتبيّن بعد نتائج الاتفاق حول إدلب نفسها. وهنا يمكن أن تثار التساؤلات عمّا إذا عاود إردوغان طرح هذا الملفّ بشكل تلقائيّاً أو بشكل منفصل عن قمّة سوتشي. في هذا السياق، رأى البعض منذ ما قبل إطلاق إردوغان لتصريحه أنّ سوتشي ستطلق تحالفاً بين الروس والأتراك قد يتمحور حول مساعدة أنقرة لموسكو في تقويض النفوذ الأميركيّ شمال شرق #سوريا. فعقب التوصّل إلى اتّفاق في سوتشي، أصدرت مديرية الإعلام في الرئاسة التركيّة الإطار الواسع لهذا الاتّفاق بحيث جاء فيه أنّ "حزب الاتّحاد الديموقراطيّ" و "وحدات حماية الشعب" الكرديّة هما "الهيكل الأساسيّ الهادف إلى تدمير وحدة أراضي سوريا والمهدّد للأمن القوميّ لتركيا. أوكار الإرهابيّين هذه في شرق الفرات تفرض التهديد الأكبر على مستقبل سوريا عوضاً عن إدلب".

تعليقاً على هذا البيان، كتبت الباحثة في "معهد دراسة الحرب" جينيفر كافاريلا تغريدة على "تويتر" جاء فيها:

"الخبر السيّئ: إردوغان لا يزال يسعى خلف ‘حزب الاتّحاد الديموقراطيّ‘ /‘وحدات حماية الشعب‘ المدعومين من الولايات المتّحدة.

الخبر الأسوأ: كان بوتين يعدّ أيضاً لهجوم محتمل (كما حذّرنا نحن من معهد دراسة الحرب)

تركيا وروسيا لا تزالان متحالفتين ضدّ الولايات المتّحدة في الشرق".

بالفعل، سبق للمعهد نفسه أن أشار في 25 حزيران وفي 31 آب 2018 إلى أنّ روسيا وإيران ودمشق تستعدّان لمهاجمة الأميركيّين في مناطق نفوذهم، مستخدمة قبائل شرق البلاد إضافة إلى مقاتلين إيرانيّين وغيرهم لمهاجمة القوّات الأميركيّة. كما حذّر من اختراق القوّات السوريّة لبعض مواقع "قوّات سوريا الديموقراطيّة" ومن تعزيز موسكو وطهران لهيكليّة الإمرة والقيادة في شرق البلاد.

في السياق نفسه، لم يخفِ الروس والإيرانيّون والأتراك والحكومة السوريّة نظرتهم السلبيّة لقوّات "قسد" فوصفوا المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتّحدة بأنّهم "جيش إرهابيّ". ولذلك، إنّ تلاقي هؤلاء الأفرقاء على مواجهة الأميركيّين في الشرق السوريّ، بغضّ النظر عن حجم ونوعيّة هذه المواجهة، يمكن أن يكون متزايد الاحتمالات.

ليس بهذه البساطة

من جهته، ذكر موقع "ألمونيتور" كيف تضع تركيا نصب عينيها التحرّك باتّجاه شرق الفرات ناقلاً عن الإعلام التركيّ مثل صحيفة "تقويم" هذه المعلومات مع حديث عن تعزيز للحضور العسكريّ التركيّ بالقرب من الحدود. وقد تكون مناطق مثل تل أبيض ورأس العين وجهت التحرّك التركيّ المقبل. لكن بعكس "معهد دراسات الحرب"، لم يذكر "المونيتور" أنّ روسيا حسمت رأيها بإعطاء الضوء الأخضر لتركيا كي تتحرّك في تلك المناطق. صحيح أنّ لموسكو مصلحة في فرض الضغط على الأكراد كي يتخلّوا عن واشنطن، إلّا أنّها تخاف في الوقت عينه من أنّ توسيع تركيا نفوذها العسكريّ شمال سوريا سيجعلها قادرة على فرض مطالبها داخل المعادلة الجديدة.

إنّ اتّفاق سوتشي، وبغضّ النظر عن نجاحه أو فشله، قد يكون منطلقاً لتوتّرات جديدة في المنطقة لا نهاية لها. لكن يبدو إلى الآن، أنّ الأمر مرتبط إلى حدّ بعيد بالقرار الروسيّ، حيث توازن موسكو بين "إيجابيّات وسلبيّات" دور تركيّ موسّع شمال سوريا.