التاريخ: آب ٣٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
«المستقبل» ترد الاتهامات عن رئيسها «كأنه هو العقدة»
الحريري قدم تضحيات ولا أحد يمنّنه بالدفاع عنه
بيروت - وليد شقير
قالت مصادر وزارية لبنانية لـ «الحياة» إن تصريحات الرئيس المكلف سعد الحريري أول من أمس وبيان كتلة «المستقبل» النيابية ضد «اللغة التي تستحضر مناخات الانقسام والتعطيل والاصطفاف الطائفي المقيت»، ورفض تحميله تحميل المسؤولية عن تأخير الحكومة، «وضعت النقاط على الحروف قبل لقائه المفترض مع رئيس الجمهورية ميشال عون للبحث في الصيغة الحكومية، بعد الحملة التي قادها فريق الأخير بأن عليه أن يحسم أمره ويتجاوز العقد القائمة أمام التأليف، فضلاً عن الاجتهادات الضاغطة عليه تارة عبر الوصايا القانونية التي أفتت باعتذار الرئيس المكلف( ما صدر عن وزير العدل سليم جريصاتي)، وأخرى بالتلويح بأن عون سيكون له تحرك حاسم بعد الأول من أيلول (سبتمبر)».

ومع أن مصدراً مقرباً من الحريري تجنب الإشارة إلى أن المواقف التي صدرت عنه وعن كتلته موجهة نحو فريق الرئيس عون و «التيار الوطني الحر» فإن المراقبين لفتوا إلى أن الرد على بعض التصريحات الأخيرة المقصود بها ما صدر عن هذا الفريق أكثر من غيره، لا سيما ما جاء في البيان عن «الإسراف في قلب الحقائق وتجهيل الأسباب الحقيقية للازمة».

وسجل المصدر في حديث مع «الحياة» أهمية التعليق الأول الذي صدر حيال تأكيد الحريري وكتلة «المستقبل» في شأن التمسك بسياسة النأي بالنفس، وضد خرقها من «حزب الله» وحلفائه، وهو التعليق الذي صدر عن وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش، من خلال وصفه على «تويتر» بعد أقل من ساعتين على صدور البيان موقف كتلة المستقبل بـ «الإيجابي والمسؤول، الذي يحمي لبنان من الأزمات الإقليمية»، مطالباً كل الأحزاب والقيادات اللبنانية بتأكيد هذا الموقف. وقال قرقاش: «إستقبال الحوثيين في بيروت خروج عن مبدأ النأي بالنفس، ونرفض زج لبنان في المحاور الإقليمية».

كما أن مصادر في «المستقبل» نبهت إلى مغزى الزيارة التي قام بها كل من رئيسي الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي للحريري إثر ما صدر عنه وعن الكتلة، خصوصاً أنهما أكدا أكثر من مرة التمسك بصلاحيات الرئيس المكلف إزاء الضغوط التي تمارس عليه.

وأوضح المصدر المقرب من الحريري أن ما صدر عنه وعن الكتلة، يعود إلى تمادي الحملة التي تحمل الحريري مسؤولية العقد أمام التأليف، كأنه هو الذي بات العقدة فيما العرقلة معروفة أين. فالحريري يسعى إلى حكومة ائتلاف، ولو كان ينوي تأليف حكومة أكثرية وتبقى الأقلية في المعارضة لكان الأمر سهلا ًعليه، وبالتالي فإن كل الفرقاء مسؤولون عن المساعدة في تسهيل التأليف، بينما التمترس وراء مواقف غير قابلة للزحزحة معناه أن هناك من لا يريد حكومة ائتلاف وطني وحتى تشكيل حكومة. وأضاف المصدر: «الحريري أراد تحميل الجميع المسؤولية، ولجهة محددة تتصرف على أن التسوية بينه وبين الرئيس عون انتهت. ولذلك أكدت الكتلة أن التسوية ليست نزهة سياسية».

وذكر المصدر أن الحريري «قدم تنازلات في إطار هذه التسوية، أهمها قانون الانتخاب كما صدر، بعد التنازل الذي قدمه بالموافقة على دعم ترشيح عون للرئاسة، وكل هذا ليس بقليل، وبالتالي لا أحد يمنن الحريري بأنه وقف معه في مرحلة معينة. فالتنازلات التي أقدم عليها كان هدفها عودة النشاط إلى المؤسسات وإلى البلد الذي أصيب بالشلل الكامل لمدة سنتين ونصف السنة».

العقدة الدرزية... مسيحية

وتابع المصدر المقرب من الحريري رداً على سؤال لـ «الحياة» أنه حرص على توضيح موقفه قبل أن يزور الرئيس عون، لا سيما من زاوية تمسكه بالتسوية بينهما، إذ أنه لا يريد الاصطدام به، لأن بعض من يطالبه بالحسم في الموقف من تأليف الحكومة يريده أن يصطدم بالرئيس عون.

وسأل المصدر: «هل يعقل تعليق البلد على حقيبتين؟ حقيبة للمسيحيين وأخرى درزية؟». ثم استدرك بالقول: «المشكلة الأساس هي في التمثيل المسيحي. والعقدة الدرزية هي في خانة التمثيل المسيحي وخلفيتها مسيحية ويجب ألا يلتبس الأمر على أحد في هذا الصدد، فهناك جهة مسيحية تريد توسيع تمثيلها نحو طوائف أخرى».

وعما إذا فاتح الحريري عون ببعض ما قاله أو صدر عن الكتلة قال المصدر لـ «الحياة» إن الاتصال الذي جرى بينهما لم يتطرق إلى التفاصيل لكن المواقف التي صدرت رسالة إلى الجميع.

وأوضح المصدر أن ثمة من اقترح على كتلة «المستقبل» أن تصدر دراسة قانونية مضادة للدراسة التي صدرت عن الوزير جريصاتي وتضمنت مخالفات دستورية فاضحة، لكن الكتلة والحريري لا يريدان إدخال البلد في جدال قانوني بيزنطي، لأن المشكلة سياسية وليست قانونية، وبالتالي فإن دراسة جريصاتي غير صالحة للاستخدام.

وحين سئل المصدر عن سبب تعرض البيان إلى تنامي خطاب يتعارض مع مفاعيل التسوية التي وضعت حداً لفراغ استمر لأكثر من عامين في الرئاسة، قال المصدر المقرب من الحريري لـ «الحياة» إن قاعدة التسوية الأساسية هي تهدئة الصراع في البلد، وحمايته من تطورات المنطقة وتفعيل عمل المؤسسات، ولذلك كان الموقف الصادر في الكتلة حول النأي بالنفس، وحول المحكمة الدولية ومع التمسك بالعدالة. ومفاعيل التسوية تنطبق ليس فقط على الرئيسين، بل أيضاً على رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي انتخب الرئيس عون أيضاً، وبالتالي الجميع معنيون يتسيير الأمور وتسهيلها على القاعدة المذكورة. أما الإعلان أن التسوية غير صالحة فهذا يرتب مشكلة في البلد. كما سأل المصدر: «نتيجة هذا الواقع هل يعقل أن نشكل حكومة بالآلة الحاسبة، أم يجب أن يتم ذلك بالحوار بين المكونات السياسية؟ بدعة الآلة الحاسبة تخلق أعرافاً غير مقبولة».

الرؤساء الأقوياء

وعما إذا كانت الحسابات هدفها تكريس مقولة العهد القوي الذي لا يريد إفشاله عبر الحكومة قال المصدر: «هذا كله يحصل بإسم السباق المسيحي وعرض العضلات. وكل المصطلحات التي نسمعها من الرئيس القوي والجمهورية القوية ولبنان القوي، مصدرها السباق على الساحة المسيحية. ومقابل الرئيس القوي هناك أيضاً رئيس البرلمان القوي ورئيس الحكومة القوي. والتسوية قامت على أساس أنها بين أقوياء. وإذا كان هناك فريق يعتبر أن ميزان القوى لمصلحته فإن للآخرين قوتهم أيضاً. وإذا كان صحيحاً أن حصة هذا الفريق النيابية أكبر لكن هناك فريقاً ليس ضعيفا في المقابل ولديه أفضليات. هذا سجال يدخل البلد في دوامة السباق».

كيف ستترجم المواقف الأخيرة للحريري وكتلته؟ يقول المصدر إنها ستترجم في توجهات أساسها تحميل القوى السياسية كلها مسؤولياتها. هل يريدون حكومة قريباً أم يريدون تجميداً للوضع إلى أجل غير مسمى سيكون له ضرر كبير على البلد الذي سيدفع الثمن؟

وختم المصدر المقرب من الحريري بالقول: «إلا أن الثمن ستدفعه مع البلد القوى السياسية قاطبة. هناك أثمان اقتصادية واجتماعية كبرى، وهناك أثمان سندفعها بالعلاقة مع المجتمع الدولي الذي قدم لنا هدية عبر مؤتمر «سيدر» للنهوض بالاقتصاد وإنقاذه، فيما نحن نسلى بأمور أخرى.