التاريخ: آب ٢٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
زعماء ثلاثة تنظيمات إرهابية يحضون على الوحدة...ماذا تخفي هذه النداءات؟
القاهرة-ياسر خليل 
وجه زعماء ثلاثة تنظيمات إرهابية خطابات إعلامية حظيت باهتمام كبير في أوساط الجهاديين، مستغلين مناسبة عيد الأضحى كإضاءة روحانية تؤثر في نفوس المسلمين كافة، بمن في ذلك عناصر جمعاتها، وأنصارها من المتشددين غير التنظيميين. وكانت الدعوة إلى نبذ الخلافات والتوحد، هي النقطة الأكثر إثارة للانتباه والتساؤلات في هذه الخطابات التي فصل بين صدورها ساعات أو أيام قليلة للغاية.

وبثت أحاديث القادة الجهاديين الثلاثة في تسجيلات صوتية ومصورة، عبر مواقع وغرف محادثة جهادية. وأصدرها على التوالي كل من، أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وأبو بكر البغدادي زعيم "داعش"، وأيمن الظواهري زعيم "القاعدة". وجاء مقطع الفيديو المصور للظواهري، أخيراً ليحمل عنواناً واضحاً يشير إلى دعوة التوحد بصورة مباشرة وبارزة، والعنوان هو "الإرادة والوعي - البنيان المرصوص". 

وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من التكفير المتبادل والمعارك الكلامية والدموية بين التنظيمات الثلاثة، وفي وقت خسر فيه الجهاديون معظم معاقلهم في سوريا والعراق وليبيا ولبنان ومصر واليمن وغيرها، نتيجة حروب دولية وإقليمية ومحلية ضد جماعات العنف والتطرف التي نفذت عمليات دموية مروعة خلال السنوات الماضية.

دعوة للتشرذم

ويرى مصطفى حمزة، مدير مركز دراسات الإسلام السياسي أن "هذه ليست دعوة للتوحد بين الفصائل، ولكنها دعوة كل قائد منهم لبقية الفصائل للانضمام إلى جماعته"، ويقول لـ"النهار": "هذه ليست دعوة لأن يضعوا أياديهم في أيادي بعضهم، بل إنها دعوة للمبايعة".

ويضيف حمزة: "بشكل صريح، جماعة القاعدة تعتبر نفسها أم هذه التنظيمات، فهي أم لداعش التي كانت جزءا منهما، وانشقت عن بيعتها، ويطالبها الظواهري بالعودة إلى البيعة، وكذلك كانت جبهة النصرة، فرعا من فروع القاعدة، قبل أن تنشق عنها، وكان فك الارتباط أول الأمر بالتنسيق مع الظواهري، وكان تنظيميا فقط، لكن ولاءه وفكره يتبع القاعدة، لكن الأمر تغير".

"والجيلاني يرى نفسه أنه قائد الجهاد الفعلي على الأرض"، يقول مدير مركز الدراسات، مضيفاً: "لهذا يطالب الجيلاني الباقين بمبايعته والانضمام إليه". ثم يتساءل حمزة: "لكن كيف يحدث هذا وكل فصيل منهم يرى الآخر مرتداً؟! وهذا يعني أنه يحتاج إلى التوبة والعودة إلى الإسلام من جديد، قبل البيعة! وبالتالي فهذه دعوة ظاهرة التوحد، لكنها في الواقع تعزز الفرقة والانقسام بين تلك التنظيمات، وتؤكد فكرة الجهاد المزعوم، ضد الجهاد المزعوم، والتي تشير إلى أن هذه التنظيمات تنشطر وتنقسم على نفسها أكثر فأكثر".

ويوضح: "بالنسبة لتوقيت بث هذه التسجيلات، فإنه في تقديري، عيد الأضحى. هم يستغلون المناسبات الدينية للحديث خلالها. لكن أعتقد أيضا أن البغدادي حين تحدث في عيد الأضحى، كان هناك إسقاط على واقعة تاريخية، وهي ما فعله خالد القسري، حين ضحى بالجعد بن درهم، وقطع رأسه أمام المصلين في المسجد، وبهذا الإسقاط يدعو أنصاره للتضحية بالعلمانيين والملحدين في هذا العيد".

عودة سفك الدماء

ويطرح عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، سؤالا: "بعد ظهور الجولاني والبغدادي والظواهري هل يعود الدم إلى المشهد العالمي؟" ويقول لـ"النهار"إن "هذا الظهور، أطلق عليه صراع الأضداد، فالثلاثة مختلفون اختلافاً كليا فيما بينهم منذ ثلاث أو أربع سنوات".

ويضيف عبد المنعم الذي كان قيادياً بجماعة "الجهاد" في مصر: "هذا الظهور هو نوع من إدراك أن الصراع وصل إلى مرحلة الذروة، فنحن في مرحلة اصطفاف عربي وإقليمي وعالمي لمواجهة العنف والتطرف والتنظيمات المسلحة. وهو أيضا لالتقاط الأنفاس وتوجه رسالة من القادة للأتباع تقول لهم إننا موجودون، وان السيطرة على الأرض ليست هي الأساس، وإن الأفكار هي الأصل، وهي التي تصل إلى العالمية وقلوب أفئدة الشباب والمناصرين".

"هو أيضا إشارة إلى أن هذه التنظيمات أدركت أن وصلت إلى مرحلة الواقع المهترئ" يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، مضيفاً "أن تلك التنظيمات يجب أن تنظر إلى أفكارها، والمآلات التي انتهت إليها. إنها إنذار ضعف كبير، وحالة من الانقسام التنظيمي، والتشظي الحركي".

ويقول عبد المنعم: "لو هم جادون في دعوتهم للتوحد، والالتقاء على مائدة علماء الإسلام، فإنها قد تكون بداية لصحوة ربما تكون صحيحة، لكن هناك سؤال مهم قبل القفز إلى هذه النتيجة، وهو: من هم العلماء الذين تعترف بهم تلك التنظيمات؟ هناك فجوة كبيرة بين من تعتبرهم هذه التنظيمات علماء، وبين العلماء الحقيقيين".

ويرى الباحث أن "هذه فرصة لأن نطرح عدة أسئلة على تلك التنظيمات: من هم علماؤكم؟ وما هي مؤهلاتهم كي يصبحوا علماء؟ وهنا لا اقصد الدراسة الأكاديمية، ولكن أقصد كل من لديه أهلية للإفتاء ونشر الدعوة".

ويضيف: "مطلوب منا أن يكون لدينا الجرأة أن نطرح مفاهيم مشتركة مع تلك الجماعات، ولا نقول إنهم وهابيون ونتركهم...يجب أن نجلس معهم على مائدة مشتركة، ونقول لهم: طرحتم مواجهة ضد أميركا وفشلت، وطرحتم فكرة السيطرة على سوريا والعراق وفشلت، وتطرحون فكرة الخلافة وسقطت. كيف تتعاملون مع هذا الواقع الجديد؟ لا خلافة، ولا وجود لدولة إسلامية، هناك الكثير من التساؤلات التي يجب أن يجيبوا هم عنها".

ويتساءل: "ما هي البدائل التي تطرحونها؟ المرأة المجاهدة... وأشبال الخلافة؟ هل توقف العقل الجمعي لهذه التنظيمات عند هذه الأفكار؟ هل هذه القضايا التي تحتاج إلى مجامع فكرية كبيرة يمكن أن يأخذها شخص واحد ويفتي فيها، مثل أبو محمد المقدسي الذي أعلن أنه لن يفتي مرة أخرى، وقد أخرج مجموعة من الفتاوى التي ضلت وأضلت عن سواء السبيل؟ هذه هي المعركة الحقيقية التي يجب أن نخوضها معهم".

فخ الانهيار

ويرى الباحث في شؤون الإسلام السياسي ، عمرو فاروق، "أنه من خلال قراءة التصريحات الصادرة عن كل من البغدادي والظواهري والجولاني، يظهر بوضوح أن كلاً من قيادات التنظيمات الثلاثة يشعر بضعف وارتفاع وتيرة الانشقاقات الداخلية".

ويقول فاروق لـ"النهار": "إن خروج القيادات الثلاث بهذه التصريحات المتزامنة مع بعضها، يؤكد حقيقية الانهيارات والخلافات الداخلية لكل منها، واشتعال الصراع حول الاستقطاب بين الكيانات الثلاثة. إنهم يشعرون بالهزيمة، الأمر الذي دفعهم لمحاولة توجيه خطاب إعلامي متعدد التأثيرات في أكثر من اتجاه، يبدأ من تحفيز عناصر التنظيم، والتحريض على المزيد من العنف، مع توجيه النقد المبطن للأطراف الأخرى، واعتبارها السبب الرئيسي في عملية الانهيار التام للتيار الجهادي المسلح".

واعتبر الباحث في شؤون الإسلام السياسي "أن محاولة توجيه الخطابات تجاه قضية التوحد وتكوين كيان مشترك مدعوم من مختلف التيارات المتطرفة والمتشددة، هو محاولة للعودة الى الساحة واعتلاء قمة الحياة الجهادية، في ظل أفول هذه الكيانات وهزيمتها على أيدي قوات التحالف الدولي والاستخبارات الدولية".

ولفت فاروق إلى أن "الخطابات الثلاثة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية في المنطقة العربية وأوروبا، إضافة إلى احتواء المزيد من العناصر التي تفلتت من الكيانات خلال المراحل الأخيرة".

ويرى "أن الرابح الأكبر في هذه المعركة سيكون الظواهري، نظراً لقوة الأطراف المحسوبة على القاعدة في ظل انهيار داعش في سوريا والعراق بشكل كامل تقريباً، الأمر الذي سيضع الظواهري في مقدمة المشهد، واحتواء الخلافات المتصاعدة بينه وبين مرجعيات القاعدة بسبب حمزة بن لادن، الساعي لخلافة والده في قيادات التنظيم المتطرف خلال المرحلة المقبلة، وتنحية الظواهري عن المشهد بشكل كامل".