التاريخ: آب ٢٦, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
تهدئة ومصالحة في غزة... والعلاقة بين «فتح» و «حماس» هي العقبة الأولى
القاهرة - محمد الشاذلي
تتحدث تقارير عدة عن تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة بين الفصائل المسلحة والأذرع العسكرية للحركات السياسية الفلسطينية، وإسرائيل... وعن جهد مصري واضح يُبذل لإنجاز التهدئة وتوقعات لما بعد عيد الأضحى، في اختراق، أو لمزيد من المحادثات التي شملت كل الفصائل ما عدا «فتح»، كما تواصلت خلالها مصر مع إسرائيل.

لكن هل يمكن تحقيق تهدئة في ظل انقسام فلسطيني، ووسط هذه اللوحة من التشابكات في المنطقة، وأيضاً في ظل الأهداف المتعارضة لكل أطرافها... هل يمكن توقيع اتفاق تهدئة... وإذا ما وُقع، هل تكون «المصالحة» بعد ممكنة.

تلاحظ نائبة مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام الدكتورة هالة مصطفى أن الطرفين (السلطة الفلسطينية وحماس) في مأزق بسبب تواتر الحديث عن «صفقة القرن»، والتي مهدت لها الولايات المتحدة، وكانت، كما هو معروف، جولات في المنطقة آخرها لكبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنير ومبعوثه للشرق الأوسط جيسون غرينبلات اللذين زارا إسرائيل والقاهرة وعمان وعواصم خليجية.

وقالت مصطفى إن التصورات الأميركية للتسوية تمت ترجمتها عملياً بنقل السفارة إلى القدس واعتبارها العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل، وهذه خطوة محورية، وليست عملية أو مجرد نقل سفارة، إنما عاصمة إسرائيل، كما يُنص عليه في «صفقة القرن».

وأشارت إلى أن إسرائيل صدقت أخيراً على قانون القومية، والمغزى، اعتبار إسرائيل والأراضي المحتلة دولة يهودية خالصة، وهذا ينفي حل الدولتين الذي طرحه الرئيس جورج بوش الابن ومبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية. ينسف الأمرين معاً ويرد عملياً على حل الدولتين الذي تمسكت به الإدارات السابقة، وعلى مبادرة السلام العربية التي لا يجد العالم العربي غيرها على الطاولة، وما زالت كل قرارات جامعة الدول العربية تجدد التمسك بها.

وارتأت أن القضية الفلسطينية باتت تعاني من جمود شديد تفاقمه الخصومة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإدارة دونالد ترامب، إذ أصبحت القنوات بينهما مسدودة، في حين لم تتقدم أية أطراف دولية بعرض بديل. إذن نحن أمام أزمة يمكن أن تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، والمطروح على الساحة الآن هي «صفقة القرن» فقط.

وأوضحت مصطفى أن العلاقة بين «حماس» و «السلطة» مثقلة بالمشكلات، على رغم محاولات القاهرة رأب الصدع، والطرفان لهما ارتباطات إقليمية وأجندات مختلفة، فـ «حماس» تراهن على دور لإيران وتركيا وقطر، وفي النهاية هي مرتبطة، مهما نفت، بجماعة «الإخوان المسلمين»، وهي في حقيقة الأمر ليست مجبرة على التوصل إلى حل. خصوصاً أن السلطة ليست لديها قدرة ولا الإغراءات التي يمكن أن تقدمها للطرف الآخر (حماس) ليقبل. لأن السلطة نفسها في مأزق التمويل، ودفع الرواتب، والتمويل يأتي من قوى أخرى، وليس في يد السلطة الحل أو المنع، ليس لديها ما تقدمه.

وأضافت إلى ما شرحته من تداعيات قرار نقل السفارة إلى القدس أن الولايات المتحدة امتنعت عن دفع مخصصاتها في منظمة دعم وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، أي أن قضية اللاجئين رُفعت من الحل النهائي، وكل هذه الأمور تشير إلى تطبيق صفقة القرن بالتدريج.

وعن جهود مصر، تقول مصطفى إنها مقدرة، لكن في النهاية المردود ضعيف، ولا توجد أشياء ملموسة، وكل طرف يقول ما يرضي الوسيط المصري، و «حماس» تود أو تهتم بمعابر مفتوحة أكثر من المصالحة. وأتصور أن وفود «حماس» مرتبطة أكثر بالإبقاء على علاقات طيبة مع القاهرة أكثر من استعدادها للمصالحة مع السلطة.

وتؤكد أنه يتم تغيير الواقع على الأرض، قبل الحديث عن مفاوضات مباشرة، وإسرائيل معنية وبدعم أميركي خالص، بتغيير الوقائع على الأرض، حتى يكون المطروح أسهل لأن يقبله الطرف الفلسطيني. ولا يوجد ضغط من أجل مفاوضات سلام في الوقت الراهن، لكن الولايات المتحدة تجري اتصالات مع ممولين لمشاريع في إطار مشروعها للتسوية «صفقة القرن»: إغراءات مالية، توسيع مساحة غزة من طريق مشاريع، مطار، ميناء، استثمارات، والحل الاقتصادي مرتبط بقوى إقليمية ترى الولايات المتحدة أنه بوسعها أن تساهم في دفع هذه القوى لتمويل صفقتها، وإذا ما أسهمت فإن مساهماتها ستكون سياسية أكثر منها اقتصادية.

انقسام إسرائيلي

ويرى وزير المفاوضات السابق حسن عصفور أن إسرائيل في ما يخص ملف التهدئة منقسمة، الجيش يريد التهدئة لإغلاق ملف غزة نهائياً، أما الساسة وعلى رأسهم الشاباك فهم يريدون تثبيت الانفصال، وأشار إلى بيان رئيس الشاباك من أن أي اتفاق للتهدئة يجب أن يكون مع رئيس سلطة رام الله محمود عباس، وليس مع «حماس».

وقال عصفور إن ما يجري حالياً يتوافق مع خطة شارون التي طرحها عام 1995 والتي عرف بها محمود عباس قبل غيره في مزرعة شارون بالنقب، حيث التقاه وأطلعه على خطته، والتي تضمنت الخروج الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما تم بالفعل بعد عشر سنوات، بالضبط في عام 2005، وتحويل الضفة الغربية إلى مجموعة كنتونات يربط بينها طرق وممرات بشكل ما.

وأكد عصفور أن ما يحدث حالياً هو تطبيق «خطة شارون»، أما «خطة ترامب» فهي نفسها، مع تعديلات في الشكل، واستغرب نسيان الجميع الآن ما كان يشغل مساحات في المفاوضات حول إيجاد تواصل ما بين الضفة والقطاع: طريق ما، ممر تحت السيطرة، ما بين الضفة وغزة، الآن نسوا الطرق وتوقف الجميع عن الحكي عنه.

ولاحظ عصفور أن الانقسام في إسرائيل يطرح نفسه للمرة الأولى إزاء ما يجري، وإزاء الموقف من عباس، «وهم قالوا لعباس بك أو من دونك سنمضي في اتفاق التهدئة، بينما يرى السياسيون الإسرائيليون أن عباس ضرورة لهم، مع إبقاء غزة تحت الحصار وخارج المعادلة».

وأكد عصفور أن هذا هو بالضبط جوهر المشروع الإسرائيلي، وتساءل: «ونحن أمام أزمة معقدة بهذا الشكل هل ستسمح مصر بتمريرها... وهل غزة مفتاح مهم لتطور العملية السياسية في المنطقة أم لا... وهل التطور السياسي الإقليمي مهم للدور المصري؟!..

وأوضح عصفور أن الجميع في مأزق، مشيراً إلى ما أسماه بمأزق عباس الذي لا يستطيع أن يوقع اتفاقاً يضع شرط حل الميليشيات في مواده (سرايا القدس، القسام، والفصائل الأخرى) بينما يقدم خدمات أمنية لإسرائيل ولأميركا... أما مصر فهي في إشكالية إذا خسرت عباس و «فتح» وذهبت بعيداً من دونه، فإنها قد تبدو وكأنها ضد الشرعية الفلسطينية.

وعن المأزق الإسرائيلي يقول إنه الانقسام الواضح ما بين المؤسستين الأمنية والسياسية، فالجيش يريد إغلاق ملف غزة ويرتاح، والساسة يطبقون خطة شارون نحو تثبيت الانفصال... أما مأزق «حماس»، فهو إذا لم توقع «التهدئة» فإن التصعيد ما هو إلا استجلاب حرب على غزة، و «حماس» ليس لديها «مشروع» إنما تملك «شعاراً»... وفي ما خص أميركا، فالإدارة لا تعرف بالضبط ما تريد، فقد طرح ترامب صفقة القرن، ولا أحد يعرف تفاصيلها وأسرارها، هم حكوا عن أفكار، بينما حققوا أهم خطوة فيها وهي خطوة نقل السفارة إلى القدس، ونجحوا فيها وتم تثبيتها. أمر آخر في الصفقة: إرباك الحالة الفلسطينية، وهو ما نشاهده الآن، وتهويد الضفة، وقد حدث، فالقانون الإسرائيلي بدأ يُطبق على الطرق، وتم إلغاء كل اللافتات التي تحمل عبارة السلطة الفلسطينية.

ويقول القيادي البارز في حركة «فتح» السفير الدكتور حازم أبو شنب إن هناك اتفاقاً للتنسيق الأمني بين «حماس» وإسرائيل تتواتر الأنباء عنه بصورة سريعة، أبرم في الأول من شهر تموز (يوليو) الماضي، وأن هناك طرفاً خليجياً على علم به وحاول الترويج له وحتى الآن لا يوجد ما يؤكد أن ما دار بعدها من سعي نحو اتفاق هدنة أو تهدئة أو وقف إطلاق نار، لا أحد بعد يدري ماذا سمي: هل هو جزء من اتفاق «كفار سابا» أم أنه يتجاوزه، وإلى أن تتضح الأمور نحن ننتظر.

وقال أبو شنب إن «مصادر مختلفة في الأوساط الإسرائيلية، منها سياسية وإعلامية تحدثت بصراحة عن اتفاق «كفار سابا» وعن مضمونه ونصوصه وهي في حوزتنا وطرف عربي تحدث أيضاً في مضمون الاتفاق بين «حماس» وإسرائيل. أما «حماس» فما زالت تستخدم لغة غامضة ولم تقدم تبريراً وهذا ما يفتح لدينا مزيداً من التساؤلات». وأوضح أن مضمون هذا الاتفاق كما أوردته المصادر ملخصه تقديم حلول قليلة على المستوى الإغاثي والمستوى الإنساني مقابل تنازلات سياسية وأمنية وفي الثوابت الوطنية، وهذا لا يمكن أن يقبله أي فلسطيني مطلقاً.

وعما إذا كانت مشكلة «فتح،» كما تردد، أنها لن تترأس وفد توقيع الاتفاق، قال إنه لا يمكن أن يصدر مثل هذا الكلام عن «فتح»، و «ندرك أن اتفاقات في العلاقات الخارجية هي من مسؤولية منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. نحن نعزز مثل هذا الخيار ولا نفعل مثلما يفعل البعض الخارج عن الصف الوطني. إسرائيل أو حكومة الاحتلال الإسرائيلي تبحث دائماً عن إحداث فتن في الساحة الفلسطينية ولم يكن دورها أبداً مراعاة المصلحة الفلسطينية. إنما تصريحات كثيرة ومنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث صراحة عن أنهم يقيمون اتصالات مع «حماس» ويروجون لها في وسائل الإعلام وأي شخص يعرف اللغة العبرية يقرأ ذلك في الصحافة العبرية ويراها في التلفزة الإسرائيلية ويسمعها في الإذاعات العبرية».

وهل ترعى القاهرة اتفاقاً مرفوضاً بهذا الحسم من السلطة الوطنية الفلسطينية؟، قال أبو شنب إن «هذا السؤال قد يوجه إلى مسؤول مصري، وبالنسبة إلي الأمر كالتالي: ثوابت السياسة الخارجية المصرية التي أعرفها تستند إلى التعامل ما بين الجهات الرسمية في الطرفين الفلسطيني والمصري. وتقديري الموثق أن العلاقة إيجابية وعالية ما بين الطرفين الفلسطيني والمصري الرسميين. نحن نريد أن تكون أي اتفاقات في العلاقات الخارجية تمر عبر القنوات الرسمية والقانونية السلمية والمسؤول عن هذا هو منظمة التحرير ومن أهم أسسها حماية المواطن الفلسطيني ومستقبله وأن تشمل كل الفلسطينيين في المناطق التي تخضع للسلطة الوطنية في الضفة وغزة. أما أي حديث عن توقيع اتفاق آخر لمناطق محددة فلا مسؤولية تقع على منظمة التحرير ولا الحكومة الفلسطينية وفي فتح لم نؤيدها ولن نؤيدها».

وشدد على أن «فتح» تتمسك بتطبيق اتفاق عام 2011 للوفاق الوطني والذي وقعت عليه كل الفصائل الفلسطينية بما فيها «حماس» التي لم تلتزم تنفيذ أي بند من بنود الاتفاق وظلت خارجة عن الصف الوطني الفلسطيني. وقال: «نحن نجدد دعوتنا إلى أهمية وضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية وأن تتوب «حماس» عما فعلته وتفعله لعل الشعب يغفر لها، وأن تسعى بشدة لأن تكون جزءاً من الحالة الوطنية الفلسطينية».