| | التاريخ: آب ٢١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | مقاتلو المعارضة ينضمون الى العدو...هل ينجح النظام السوري في استيعاب الميليشيات؟ | موناليزا فريحة
منذ اطلاق النظام السوري عمليات المصالحة مع فصائل من المعارضة برعاية روسية، بدءاً من ريفي دمشق ودرعا عام 2016، سعى الى تشجيع المقاتلين على القاء أسلحتهم والانخراط في صفوف قواته وميليشياته، مقابل السماح لهم بالبقاء في منازلهم ومناطقهم وتجنب الترحيل الى ادلب. ومذذاك، انخرط الاف المقاتلين في صفوف النظام، الا أن شكوكاً كبيرة أثيرت دائماً حول هذه الاستراتيجة وفرص نجاحها قبل نهاية الحرب وفي غياب خطة سياسية شاملة لحل النزاع السوري المستمر منذ سبع سنوات.
شكلت الحروب الطائفية التي شهدها الشرق الاوسط مفرخة للميليشيات الطائفية. ومع وضع تلك الحروب أوزارها من لبنان في تسعينات القرن الماضي الى العراق حالياً، كانت الدعوة الى دمج تلك الميليشيات في الجيش الوطني، وصفة مفترضة لتحقيق المصالحة بين أفرقاء النزاع.
في لبنان، سجل الانتقال من حال الحرب الى حال السلم، نجاجاً نسبياً، تحديداً في التعامل مع قضية حل المليشيات الذي حصل بسلاسة. وتم استيعاب مقاتلين منها بشكل افرادي لا جماعي في الجيش الوطني والمنظومة الأمنية كجزء من الحل، وخضع هؤلاء لدورات جديدة في التربية المدنية اللبنانية. ولكن التجربة اللبنانية أصيبت بشلل بنيوي من ناحية أخرى بسبب الاستثناء في ما يتعلق بـ"حزب الله" واتسمت بطابع مميز أيضاً مع تحول زعماء الحرب أنفسهم رجال الدولة، فغيروا بزاتهم العسكرية ولبسوا ثياباً مدنية، وهم يتبؤون مذذاك أعلى المناصب في الدولة.
ومنذ اطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين، كان تشكيل جيش عراقي بقيادة موحدة خطوة أساسية، ولكن عملياً، اقتصر الضم على ميليشيا مدعومة مباشرة من ايران، الأمر الذي استفز المكونات الاخرى، ولاسيّما بعد حل حكومة نوري المالكي "قوات الصحوة"، التجمعات العشائرية السنيّة التي أنشأتها القوات الأميركية لقتال "القاعدة"، ووقف الحكومة رواتب هذه القوات، من دون أن يتم استيعابهم كما حصل لاحقاً مع قوات الحشد الشعبي. وأثار القرار في حينه ردات عدوانية ساهمت لاحقاً في إيجاد الاجواء التي أدت الى نشوء تنظيم " داعش".
وفي الحالتين العراقية واللبنانية، حصل الدمج كجزء من اتفاقات سياسية شاملة وافق عليها أطراف النزاع . أما في سوريا، فقد اتخذت التجربة منحى مختلفاً، إذ يرغم النظام السوري مسلحي المعارضة الذين يلقون أسلحتهم على الانضمام الى ما سمي اتفاقات مصالحة وقتعت مع فصائل معارضة في مناطق يستعيد السيطرة عليها.
فمنذ 2015، كانت الخطة الروسية للحل السياسي لسوريا، تقضي بتجميد القتال مع الجيش السوري الحر وفك الحصارات المتبادلة، وإجراء انتخابات برلمانية وحكومة انتقالية وانتخابات رئاسية، وفي مرحلة لاحقة ضم الميليشيات الحليفة للنظام إلى الجيش النظامي، ثم دمجه مع "الجيش الحر".
ومع فشل الروس في حشد تأييد معارض للخطة، بدأ تطبيق خطط الدمج على الفصائل المقاتلة المختلفة، بعد أنواع مختلفة من الضغط شملت القصف والتجويع والحصار.
حوافز قصيرة المدى
وكتب الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد "تشاتهام هاوس" حايد حايد، أن النظام السوري يستخدم مذذاك نوعاً من الحوافز القصيرة المدى لحشد العدد الأكبر من مقاتلي المعارضة إلى صفوفه،. وحصل ذلك في كل المناطق التي تمكن من السيطرة عليها. ويقول حايد لـ"النهار" أن مستوى نجاح تلك العمليات يختلف بين منطقة وأخرى "وحتى الآن لا معلومات رسمية عن عدد مقاتلي المعارضة الذين التحقوا بصفوف النظام ولا أسماء الفصائل التي كانوا ينتمون اليها"، وإن يكن يمكن القول إن أفراداً من الفصائل كلها بادروا الى مثل تلك الخطوة.
وتقدر تقارير اعلامية بأكثر من عشرين الفاً عدد المقاتلين من مختلف الفصائل في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق الذين انضموا الى النظام وقواته الرديفة منذ آذار 2018.
وكانت فصائل الغوطة الشرقية الاكثر شراسة في مقاومة النظام قبل أن يشن عليها حرب الارض المحروقة. وشكل اتفاق إجلاء مسلحي حركة "أحرار الشام" من مدينة حرستا فاتحة لاتفاقات أخرى سرعان ما صارت شاملة لكل التنظيمات المسلحة في الغوطة الشرقية، الامر الذي اعتبر إنجازاً استراتيجياً للرئيس بشار الاسد منذ سيطرته على الجزء الشرقي من مدينة حلب في عام 2016.
ولم يكن سهلاً تحقيق اتفاقات المصالحة التي لا يزال سوريون كثر يسمونها تهجيراً قسرياً. فغالباً ما كانت تسبق تلك النهايات "السعيدة" عمليات حصار طويل وقصف عشوائي وتجويع للضغط على مناطق المعارضة للاستسلام. ويشرح حايد أن لجاناً مؤلفة من مؤلفة من وسطاء محليين لهم صلات بالنظام كانت تتولى التفاوض على اتفاقات الاستسلام. وما إن يتم التوصل إلى هذه الاتفاقات، تتولى لجان التفاوض تسجيل أسماء المقاتلين المسلحين والناشطين، وما إذا كانوا يرغبون في الرحيل إو البقاء في مناطقهم. وبعد ذلك، تتولى أجهزة استخباراتية وأمنية متفرقة تحديد من يستطيع البقاء ومن يتعين نقله إلى مناطق أخرى تحت سيطرة المعارضة.
التجنيد الالزامي
وتحدث حايد عن التجنيد الإلزامي "أكثر أساليب النظام شيوعاً في دمج مقاتلي المعارضة السابقين في القوات المسلحة الرسمية". فعند إنجاز اتفاقات المصالحة، يفرض على المقاتلين السابقين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 سنة والذين لم ينجزوا الخدمة العسكرية الإجبارية، الالتحاق بالجيش. ويمنح هؤلاء مهلة ستة أشهر لتسوية أوضاعهم، والتسجيل لدى شعبة التجنيد في المناطق التي تحدد لهم. أما الناشطين الذين لا يتقدمون طوعاً إلى التجنيد في المهلة المحددة فيعتقلون ويساقون قسراً إلى التجنيد. وفي حالات كثيرة، اعتقل كثيرون قبل انتهاء المهلة الرسمية لهم لتسوية أوضاعهم وسيقوا إلى التجنيد.
ويلفت حايد إلى أن هدف ضم هؤلاء المقاتلين السابقين لا يقتصر على توفير قوة بشرية للجيش، وإنما أيضاً لجعلهم يتبنون الموقف السياسي الرسمي للنظام. ويرغم المجندون على الالتحاق ببرامج سياسية لإعادة التوجيه ترمي إلى تلقين هؤلاء إيديولوجيا البعث وتبني رواية النظام عن الثورة.
قوات الدفاع الوطني
الى ذلك، نشطت الوساطات لجذب مقاتلين معارضين سابقين الى ميليشيات مؤيدة للنظام على غرار قوات الدفاع الوطني أو الكتيبة الخامسة بقيادة روسية. ومع أن الخدمة في مثل هذه القوات قد تكون أخطر من الخيارات الاخرى كالالتحاق بأجهزة الشرطة المحلية، فإن الغالبية وافقت طنعاً برواتي أعلى من تلك التي تتقاضاها القوات النظامية من الجيش والشرطة.
وفي ورقته البحثية المنشورة في موقع "تشاتهام هاوس"، يورد حايد أن غالبية المقاتلين المعارضين السابقين الذين بقوا في التل في ريف دمشق قرروا الانضمام الى "درع القلمون" التابعة لقوات الدفاع الوطني.
عودة اللاجئين
أتاحت هذه الاليات للنظام، أو أقله حتى الان، إعادة دمج المقاتلين السابقين في المناطق التي يسيطر عليها. الا أنها قد تؤثر سلباً على عودة اللاجئين السوريين، وخصوصاً في ظل الترحيب النظام بأولئك الذين هربوا من الارهاب فحسب.
ويقول حايد إن تلك الجهود التي تعتمد على آليات قمعية قصيرة الأمد غير قادرة على توفير الظروف الملائمة والمحفزة لعودة اللاجئين والنازحين داخلياً الى مناطقهم. كذلك، يشكل عدم الغاء التجنيد الاجباري عائقاً أمام عودة اعداد كبيرة من الشبان الهاربين منها.
تفتقر آليات الدمج هذه خصوصاً الى اطار أوسع من الإصلاح السياسي والمؤسساتي لعمل النظام السوري ومؤسساته الاساسية، وخصوصاً مؤسسات القوات المسلحة والفروع الامنية التي كانت انتهاكاتها دافعاً اساسياً للسوريين الى التظاهر. ويرى حايد أن الاعتماد على حلول جزئية مثل عمليات الدمج لن تغني عن استراتيجية شاملة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات واحلال العدالة الاجتماعية والسياسية من أجل مستقبل مشترك لجميع السوريين.
وهو يورد اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الفيليبينية و"جبهة تحرير مورو الإسلامية"، الموقع عام 2014 وحقق نجاحاً نسبياً ، نموذجاً يمكن اعتماده في سوريا. | |
|