التاريخ: آب ١٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
موسكو تضغط لإنهاء «النصرة» وأنقرة تخفف لهجتها إزاء معركة إدلب
موسكو - سامر إلياس
الرياض، أنقرة، واشنطن، دمشق - «الحياة»، أ ف ب، رويترز، وكالة تاس - كان ملف سورية، تحديداً شمالها الغربي حيث إدلب، محور اتصالات ديبلوماسية بين عدد من العواصم الفاعلة. فوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بحث التطورات السورية مع ولي العهد السعودي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع الأمير محمّد بن سلمان، إلى جانب المستجدات في العراق وأفغانستان واليمن. وأفاد بيان لوزارة الخارجية الأميركية بأن بومبيو شكر الأمير محمد بن سلمان «على دعم السعودية الحاجات الملحة لتحقيق الاستقرار في شمال شرقي سورية».

كما استضافت أنقرة محادثات روسية - تركية بحثت التعاون في حل ملف إدلب تحت عنوان محاربة «جبهة النصرة» (المنضوية في هيئة تحرير الشام) المستثناة من اتفاق خفض التوتر الموقع في آستانة.

وفي حين أعرب وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والتركي مولود جاويش أوغلو في مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة أمس، عن أملهما بالتوصل إلى اتفاق لتسوية الأوضاع في إدلب من دون عملية عسكرية ضخمة، أكد الوزيران أن الأوضاع أعقد وأصعب من مناطق خفض التصعيد التي حسم مصيرها سابقاً، بوجود أعداد كبيرة من الإرهابيين في المحافظة انتقلوا إليها من مناطق أخرى.

وشدد لافروف على ضرورة مراعاة تفاهمات آستانة في ما يخص مناطق وقف التصعيد، والقاضية باستثناء التنظيمات الإرهابية من وقف النار. وأكد أن للجيش السوري الحق في استهداف الإرهابيين في إدلب حسب القرار الرقم 2254، وأن الدور حان لإنهاء «النصرة» بعد اقتراب دحر «داعش».

من جهة أخرى، حذر أوغلو من «مجزرة» في حال اقتحام كامل إدلب. وشدّد على أنّ من المهم «التمييز بين الإرهابيين ومقاتلي المعارضة وما يصل إلى ثلاثة ملايين مدني». وأشار إلى أن بلاده أقامت 12 نقطة مراقبة بالتنسيق مع روسيا لضبط الأوضاع، مضيفاً: «السكان المحليون والمعارضون المعتدلون منزعجون جداً من هؤلاء الإرهابيين، لذلك علينا جميعاً قتالهم»، موضحاً أنه لا يمكن تأمين الوضع في شكل كامل في ظل وجود تنظيمات إرهابية. وتعتبر تصريحات جاويش أوغلو حول إدلب «أقل حزماً» من سابقتها، إذ كان هدد في آخر تصريحات له بالانسحاب من اتفاق آستانة عند بدء أي عمل عسكري من جانب النظام أو روسيا.

وعلى رغم أن لافروف لم يُسقط احتمال شن عملية على إدلب، ما قد يتسبب في موجة نزوح كبيرة نظراً إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعيشون في المحافظة، إلا أنه أكد أن الظروف باتت مواتية من أجل عودة اللاجئين إلى سورية. وقال أن الموقف الغربي المناهض لعودتهم فاجأ موسكو، خصوصاً «إخلاء جزء كبير من سورية من الإرهابيين»، مؤكداً أن الظروف باتت مهيأة من أجل عودة اللاجئين السوريين «من تركيا ولبنان والأردن ومن أوروبا إلى ديارهم».

في غضون ذلك، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي عن معارضته عودة النازحين السوريين في «ظل الظروف الحالية واستمرار الأوضاع الخطيرة» في سورية. وأشار إلى أنّ الأمم المتحدة «لا تستطيع ضمان عودة مثل هذا العدد (ما يزيد على خمسة ملايين) في ظل استمرار النزاع».

ميدانياً، واصل النظام السوري استقدام التعزيزات العسكرية إلى مثلث غرب إدلب – جبال اللاذقية – سهل الغاب، مع مواصلة قصفه المنطقة ومحاور في محافظة حلب، في وقت أنشأت الشرطة العسكرية الروسية أربع نقاط أمنية في مرتفعات الجولان السورية.

وتعهّد نائب قائد القوات الروسية في سورية سيرغي كورالينكو تسليم هذه النقاط إلى جيش النظام السوري، في حال عادت قوات حفظ السلام الأممية إلى العمل في المنطقة المنزوعة السلاح.

ووفق مؤشرات ميدانية من شمال شرقي سورية، تُجهز قوات سورية الديموقراطية (قسد) لإطلاق المرحلة الثالثة من حملة «عاصفة الجزيرة» شرق الفرات، للسيطرة على آخر الجيوب التي يسيطر عليها تنظيم «داعش».

روسيا وتركيا لعملية مشتركة في إدلب

اتفقت تركيا وروسيا على ضرورة حل ملف إدلب «في شكل مشترك» ومحاربة جبهة النصرة (المنضوية في هيئة تحرير الشام) المستثناة من اتفاق تخفيف التوتر الموقع في آستانة.

وأشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالجهود التركية من أجل تسوية الأوضاع في إدلب، وأعرب عن استعداد موسكو للتعاون مع أنقرة من أجل تسوية هذا الملف، مع رفض «منع النظام من دخول إدلب»، أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو فأبدى ثقة في قدرة بلاده وروسيا على التوصل إلى حلول للوضع في إدلب، لكنّه حذّر من شن حرب شاملة معتبراً ذلك «مجزرة».

وأوضح سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي مولود أوغلو في أنقرة، أن الطرفين بحثا الأزمة السورية عبر قنوات مختلفة، منها مهمة التغلب على مقاومة الجماعات الإرهابية، ومهمة العودة إلى الحياة السلمية للمعارضة المسلحة التي ترفض الأساليب الإرهابية، وكذلك مناقشة تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بمناطق خفض التصعيد، ويقصد إدلب، معرباً عن أمله بـ «حل مسألة إدلب من خلال التعاون» المشترك.

وفي حين أشاد لافروف بالجهود التركية في ضبط الوضع في إدلب، وأبدى تقديراً إلى أنّه «مع انتشار مراكز المراقبة التركية هناك، هدأت الحالة»، استدرك قائلاً: «لكن، في الآونة الأخيرة حدثت أعمال عدوانية، أولاً وقبل كل شيء، من طرف جبهة النصرة مثل قصف مواقع القوات السورية، وإرسال طائرات كثيرة من دون طيار يومياً لقصف القاعدة الجوية الروسية في حميميم، وكثير من الأعمال الاستفزازية الأخرى».

وأبقى الوزير الروسي احتمال تدخل الجيش السوري قائماً، بقوله أنّ «الجيش السوري له بالطبع كامل الحق في محاربة هذه المظاهر لأنه يوجد على أرضه ويحارب لأجل استقلال بلاده ضد الإرهابيين، وبما يتوافق مع القرار 2254»، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن الوضع في إدلب هو الأصعب بسبب العدد الكبير لمسلحي النصرة الذي يصل إلى عشرات الآلاف، وفق تقديرات الأمم المتحدة. وركّز على أنّ اتفاق «تخفيف التوتر» في إدلب لا يشمل جبهة النصرة.

وفي انتقاد لدور الولايات التحدة في سورية، أضاف لافروف: «من غير المستبعد أن فرض الغرب عقوبات ضد روسيا وتركيا وإيران محاولة للتأثير على نجاح صيغة آستانة حول سورية».

وأكد الوزير الروسي في المقابل أن الظروف باتت مهيأة من أجل عودة اللاجئين السوريين. وقال: «تم إخلاء جزء كبير من سورية من الإرهابيين. وحان الوقت لإعادة بناء البنية التحتية وجميع ضرورات الحياة لبدء عودة اللاجئين من تركيا ولبنان والأردن ومن أوروبا لديارهم».

وقبل أيام من لقاء منتظر بين الرئيس فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل انتقد لافروف موقف المنظمات الدولية والغرب حول الأوضاع الأمنية في سورية المنطلق من أنه لا يزال باكراً الحديث عن عودة المهجّرين بسبب خطورة الأوضاع وعدم استقرارها، وقال أن مفوضية اللاجئين «لا تملك المعلومات الكافية على الأرض التي شهدت تغيرات كبيرة»، وحض البلدان الغربية ومفوضية اللاجئين على دعم عودة السوريين إلى بلادهم.

حلول مشتركة

من جهة أخرى، أعرب وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو عن ثقته في أن روسيا وتركيا قادرتان على التوصل إلى حلول للوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وقال أنه «يجب تحديد الإرهابيين ومحاربتهم ولا يصح شن حرب شاملة على إدلب وقصفها في شكل عشوائي».

وحذّر جاويش أوغلو من أن «قصف كل إدلب والمدنيين بذريعة وجود إرهابيين يعني ارتكاب بمجزرة». وشدّد على أنّه من المهم «التمييز بين الإرهابيين» ومقاتلي المعارضة وما يصل إلى ثلاثة ملايين مدني».

وشدّد على أن بلاده تبذل مساعي حثيثة من أجل تنفيذ التفاهمات مع كل من روسيا وإيران في إطار مسار آستانة، لافتاً إلى أن تركيا اتخذت «إجراءات بهدف تعزيز الثقة بين المعارضة في إدلب والحكومة السورية».

ومع تأكيده أن تركيا أنشأت 12 نقطة مراقبة للإشراف على الوضع الميداني في إدلب، وأنّها «تعمل بكل ما في وسعها لتخفيف حدة التوتر في هذه المنطقة»، شدّد أوغلو على أهمية «وجود تعاون مع روسيا والقوى الاستراتيجية الأخرى لكشف الإرهابيين والقضاء عليهم والفصل بين المتطرفين والمعارضة السلمية. ومكافحة الإرهاب معاً».

وتعتبر التصريحات التركية الجديدة حول إدلب «أقل حزماً» عن سابقتها، إذ كان جاويش أوغلو هدد في آخر تصريحات له بالانسحاب من اتفاق آستانة عند بدء أي عمل عسكري من جانب النظام أو روسيا.

وتشير التصريحات المشتركة للروس والأتراك إلى نيتهم إنهاء نفوذ «تحرير الشام» لكن بصورة محدودة على خلاف المناطق الأخرى كالغوطة الشرقية.

وقال الرئيس السوري بشار الأسد أن قواته ستعيد السيطرة على المنطقة التي أقامت فيها تركيا عدداً من مواقع مراقبة عسكرية.

وركز الجيش التركي في انتشاره في إدلب على اختيار المناطق «الاستراتيجية» اعتماداً على قربها من نفوذ قوات بشار الأسد وحليفته روسيا، أو الجغرافيا التي تشكلها من حيث الارتفاع والإطلالة العسكرية.