| | التاريخ: آب ١٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | هل اهتزت صورة الرهبان في عيون الأقباط؟ | القاهرة-ياسر خليل
أثارت حادثة القتل المروعة التي تعرض لها الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مكاريوس، بوادي النطرون، علامات استفهام كبرى، وتركت أثرا عميقا في الرأي العام المسيحي بمصر. ففي الوقت الذي رفض فيه قطاع كبير من الأقباط تصديق أن عملية القتل ارتكبها منتمون إلى الرهبانية، جاء اعتراف الراهب المشلوح أشعياء المقاري بارتكاب الجريمة، وانتشار صورة له خلال تمثيلها، أمس السبت، لتنقل الرأي العام القبطي إلى مرحلة جديدة من الصدمة وإعادة التفكير واثارة التساؤلات المصيرية.
ورغم قسوة الحدث، وصعوبة استيعاب نسبة كبيرة من الأقباط فرضية أن هناك صراعاً وصل إلى حد سفك الدماء بين الرهبان، فإن البابا تواضروس، بطريرك الكنيسة القبطية في مصر، اتخذ قرارا لم يكن يتوقعه الكثير من المحللين والمتخصصين في الشأن القبطي، وهو المصارحة، والمكاشفة، والتحدث عن المسكوت عنه منذ عقود.
وتأتي الحادثة في إطار صراع مكتوم، يدور منذ العام 2012 في أروقة الكنيسة القبطية وأديرتها، بين جناح تنويري من تلامذة الأنبا الراحل متى المسكين، بقيادة البابا تواضروس، وجناح تقليدي من المحسوبين على البابا السابق الأنبا شنودة الثالث. لكن مصادر مقربة من الكنيسة قالت إن التحقيقات كشفت أن الراهب المشلوح أشعياء، ارتكب جريمته بالتعاون مع الراهب فلتاؤس المقاري، بعد كشف رئيس الدير لارتكابهما مخالفات مالية.
وكشفت حادثة القتل الصادمة، أن منظومة الرهبنة ليست كما تصورها الكثيرون، وأنها بحاجة إلى إصلاح جذري، وهو ما دفع رأس الكنيسة القبطية إلى اتخاذ قرارات حاسمة تعيد الرهبانية إلى مسارها الأصيل.
تهيئة الأقباط
يقول يوسف سيدهم، رئيس تحرير جريدة "وطني" الأسبوعية المتخصصة في الشأن القبطي لـ"النهار": "تعرض الرأي العام القبطي إلى حالة من الصدمة والفزع فور الإعلان عن الحادثة، ولم يستوعب أن هذا قد وقع. الصورة الذهنية للأديرة في عقلية الأقباط أنها مناطق هادئة للتعبد، ولهذا استمرت الصدمة وحال الإنكار لبعض الوقت، لكن عظة البابا تواضروس، محت هذه الصدمة، وخففت الجرح الذي خلفته الحادثة".
وأضاف سيدهم: "اعتمد قداسته أسلوب المصارحة والمكاشفة، وتحدث عن المسكوت عنه، واهتم بأن يهيئ الرأي العام القبطي، إلى أن من ارتكب الجريمة قد يكون من داخل الدير، على الرغم من أن التحقيقات ما زالت مستمرة، ولكن هذا التمهيد كان مهما للغاية، سواء أثبتت التحقيقات صحة هذه الفرضية أو نفتها".
وكان البابا تواضروس قال في عظته الأسبوعية، الأربعاء الماضي إن "مصر أصل الرهبنة ولا تنسوا هذا التاريخ، ولا تعتقدوا أنني أتحدث عن أمر قديم مضى، بل سيظل مستمراً بعقيدة التسليم والتسلم من جيل لجيل"
وأضاف البابا: "في ناس بتغلط ومش كل الناس تقدر على الرهبنة، وفي ناس بتيجي تقولي عايز أترهبن وأقول لهم الرهبنة لا تناسبكم، لأن الرهبنة حياة صعبة جدا ولا يقدر عليها أي كان، لذلك تحتاج الى نفسية خاصة وقامة روحية خاصة، فالآباء لا يدخلون الدير لكي يباشروا حياتهم الروحية، بل لكي يستكملوها، والنذر الأول في هذه الحياة هو الفقر الاختياري".
وأوضح رئيس تحرير الصحيفة القبطية أن البابا أشار إلى أن السيد المسيح نفسه تعرض للخيانة من أحد تلامذته وهو يهوذا. كان هناك خائن من بين 12 تلميذاً اختارهم المسيح بنفسه، فهل كان يجهل بوجود خائن بينهم؟ بالقطع كان يعلم، ولكنه اختبار السماء الذي نؤمن به. حين نرى كاهنا يرتكب خطأ، يجب ألا تهتز ثقتنا في الرهبنة. لقد هيأ البابا الشعب القبطي لتقبل ذلك في عظته الأخيرة".
نقلة للكنيسة
وتقول النائبة في مجلس الشعب المصري الدكتورة إليزابيث شاكر: "حادثة مقتل الأنبا أبيفانيوس كانت صادمة لجميع الأقباط والمسلمين في مصر، لأننا لم نعتد على مثل هذه الحوادث داخل الأديرة. الشعب القبطي لم يستوعب فكرة أن يكون الحادث ارتكب من الداخل، لكن أنا على المستوي الشخصي كنت أعلم أنه من الصعب جدا اختراق الدير أمنيا. في النهاية نحن بشر، ووارد جدا أن يخطئ البشر".
وأضافت النائبة: "اعتقد أن هذا الحادث سيكون نقلة في حياة الكنيسة. ما حدث هو أن الشر الخارجي دخل إلى الكنيسة وتقمص الشخص الذي ارتكب الجريمة، هذا غريب بالنسبة لتاريخنا الحالي، لكن المسيح نفسه تمت خيانته وتم تسليمه بواسطة تلميذ من تلاميذه وهو يهوذا".
وترى شاكر "أن الجريمة ليست جديدة في تاريخ المسيحية، ولكنها جديدة علينا نحن في العصر الحالي، ولكن أعتقد أن تداعياتها ستكون ايجابية، وتتجه نحو إعادة تقويم الموقف ككل. الدير ليس مكاناً لهروب الأشخاص الفارين من مواجهة الحياة، أو المعقدين نفسيا، ويجب أن يكون للأشخاص الذين يرغبون في التفرغ لعبادة ربنا. ولهذا اعتقد أن قرارات البابا حكيمة جدا، ونحن كمسيحيين كنا في حاجة إلى مثل هذه القرارات، ونحتاج إلى أن نراجع وندقق في علاقتنا مع الله".
الشباب القبطي
وتفاوتت ردود الشباب القبطي على الحادث وتطوراته، فقد استطاعت نسبة كبيرة منهم تجاوز الأزمة بواقعية، وتقبل ما تجلى حتى اللحظة من الحقيقة، كما سعى البعض للتفكير في حلول لما بعد الصدمة وتوابعها.
ترى كريستينا عياد، وهي صحافية شابة أن "هناك حالة فتور روحي أصابت الكنيسة" بعد الحادث، وتقول لـ"النهار": "اعتقد أن الحل السريع كي يتخطوا تبعات الحادث.. أن تستعيد الكنيسة دورها الأساسي في الحياة الروحية للناس".
وأضافت: "مع أن خبر قتل الأنبا أبيفانيوس المقاري مؤلما، فإن معرفة أن قاتله كان يعيش معه في نفس الدير، أكثر ألما وإزعاجا، وهذا سوف يفهمه من يعرف حياة الرهبنة. سوف نحتاج وقتا كبيرا جدا كي نداوي الجرح الذي أصابنا، وكي تستعيد الكنيسة روحانيتها التي تربينا عليها".
أما صفوت بسيطة، وهو شاب أسس مؤخرا صفحة تهتم بالشأن القبطي تحت عنوان "مجلة الأقباط اليوم"، فيرى أن "حياة الراهب الزاهد الذي اختار الفقر الاختياري، تبدلت في أيامنا هذه، ولم تعد تلك الحياة التي سمعنا عنها، وشاهدناها في الأفلام".
ويقول بسيطة لـ"النهار": "بات من المعتاد أن ترى راهبا له صفحة على فايسبوك، ويحمل أحدث موبايل (آي فون)، ويركب أفخم السيارات، وتبدو عليه معالم الثراء، وينزل إلى العالم كل أسبوع مرة. وأنا أرى بعض الرهبان بصفة دورية في العالم. وبالتأكيد هذا كله يفسد حياة الراهب، وهذا ما خلق الصراعات التي شهدتها بعض الأديرة، حتى في عهد الأنبا شنودة. القرارات التي اتخذها البابا تواضروس، سوف تضبط كل هذا، وتعيد الرهبنة إلى طريقها الصحيح".
ويؤكد الشاب القطبي "أن ملامح الفساد والخل هذه معروفة لنا، ولكن ما أحدث صدمة، أن هذه أول حادثة قتل في العهد الحديث يرتكبها راهب. ويجب أن نعترف أننا لدينا مشكلة في انشغالنا بما سوف يقوله عنا الآخر (المسلمين)، ولهذا حدثت حالة رفض لفكرة أن تكون الجريمة وقعت من داخل الدير نفسه، لكن علينا أن نتقل الحقيقة، ونعترف بالمشكلة كي نستطيع حلها". | |
|