التاريخ: آب ٤, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
النظام أراد "تأديب" السويداء... ريما فليحان: نحن أحفاد سلطان باشا الأطرش
محمد نمر
لو لم ينقل النظام السوري دواعش "جيش خالد بن الوليد" من حوض اليرموك غرب درعا إلى بادية السويداء الشرقية، هل كانت وقعت التفجيرات الدموية في السويداء؟ هل كنا شهدنا عملية خطف النساء؟ هل كان وضع السويداء تصدّر المشهد من جديد؟ أسئلة لم يستطع النظام الخروج منها بريئاً، بل راح إلى القنابل الإعلامية الدخانية المعتادة التي لم تقنع فئة كبيرة من الموحدين الدروز، ومنها ما قاله ممثل النظام في المفاوضات بشار الجعفري: "إن الإرهابيين الذين نفذوا هجوم السويداء أتوا من منطقة التنف التي تسيطر عليها القوات الأميركية". وأول من أمس شهدت السويداء اعتصاماً أمام مبنى البلدية تضامناً مع ضحايا المجزرة والمخطوفين، لكنهم أيضاً لم يخفون موقفهم من التنديد بقيام النظام بنقل الدواعش إلى ريف المحافظة عبر اتفاق بين الطرفين. 

المشهد الدموي في السويداء جاء بعد أسابيع من استعادة النظام السوري بمساندة الروس والإيرانيين الجزء الأكبر من درعا، وجاء أيضاً بعد نقل الدواعش إلى ريف المحافظة، وبعد زيارة وفد روسي للسويداء (حزيران الماضي) واجتماعه بمشيخة عقل الدروز وقيادات أمنية. وكانت شبكة "السويداء 24" ذكرت أن الاجتماع عقد في مبنى المحافظة وناقش الأوضاع الداخلية في السويداء، وتطرق الى الجهات المسلحة الفاعلة على الأرض من الفصائل المحلية، اضافة الى البحث في أوضاع الريف الغربي وحماية المدنيين. ولم تخفِ مصادر الشبكة أن الروس تحدثوا عن منظمات "إرهابية" في المحافظة، والأهم أن التفجيرات حصلت بعد سبع سنوات من الحياد استطاعت السويداء أن تتميز بها عن بقية المحافظات، حاميةً أكثر من 40 ألف من شبابها من خدمة الموت العسكرية إلى جانب النظام ومبعدةً العسكرة والأسلمة عنها، فيما اللافت أن كل طلبات "داعش" مقابل الافراج عن المخطوفين هي من النظام وليس من أهالي "الكرامة"، كالافراج عن معتقلين دواعش أو وقف استهداف حوض اليرموك في الجنوب، ما يطرح أسئلة أخرى: هل أراد النظام من هذه التفجيرات أن يلجأ إليه الأهالي لانقاذ النساء وتلبية طلبات "داعش"، وان يظهر في موقع الحريص على الأقليات وأنه الخيار الوحيد لهم بدلاً من الحياد؟

تعتبر الكاتبة والناشطة المعارضة ريما فليحان أن "النظام أراد تأديب السويداء لأسباب عدة، أولها ان هناك حالة كبيرة من عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية بسبب رفض ابناء الجبل التورط في دماء اخوتهم السوريين. ثانيها ان السويداء استقبلت اعداداً كبيرة من الضيوف من كل سوريا ورفضت ظاهرة "التعفيش" التي كان يقوم بها النظام شعبياً ونخبوياً وعلى مستوى مشايخ العقل ورجالات المجتمع، وبالتالي فان النظام لا يقبل بمثل هذا الموقف، وفي عرفه إما ان تكون معه وإما أن تكون عدوه ولا خيار ثالثاً لديه". وتضيف: "أهل السويداء وطنيون سوريون أرادوا عدم الانغماس بالدم والحرب العبثية، والمعارضة في السويداء سلمية وهناك شريحة موالية وشريحة على الحياد ككل المحافظات الاخرى، فيها كل التوجهات وتتميز معارضتها بأنها لم تشجع على العسكرة".

وتذكّر بأنه "في العام الأول للثورة شاركت السويداء في الحراك السلمي بشكل معقول يتناسب مع عدد السكان ومع كون المحافظة تحت سيطرة النظام الامنية بالكامل. واستمر أبناء السويداء بالعمل الإنساني والمدني في كل السنوات التي تلت. بعد العام الاول بدأت ملامح الثورة تتغير تدريجاً نحو العسكرة والأسلمة وتم خنق الحراك السلمي الذي كانت السويداء جزءاً منه، وليس لدى معظم أبنائها من المعارضة قناعة بالعسكرة أو قبول بأسلمة الحراك، لكن المعارضين في السويداء بقوا معارضين وشاركوا سياسياً ومدنياً، كما شارك كل ابناء السويداء، معارضين وغير معارضين، بالعمل الإنساني والإغاثي في ما يتعلق بضيوف المحافظة"، مشددة على أن "خيار السلمية ذاك كان ولا يزال صائباً وهناك منشقون من الجيش من ابناء الطائفه الذين رفضوا الانغماس في الدم السوري".

وتشيرالى أن "الدروز عددياً هم أقلية لكنهم أكثرية بانجازاتهم ومشاركتهم في صناعة تاريخ سوريا في مرحلة النضال ضد المحتل العثماني والمستعمر الفرنسي واعمال بطولية في حرب تشرين وحرب الـ 1967"، من هنا تؤكد أن "النظام في سوريا ليس حامياً للاقليات، هو يحمي شيئاً واحداً، كرسيه وبقاءه في السلطة ومستعد ان يبقى ولو على جماجم كل السوريين، وخير دليل على ذلك تورطه في المجزرة الرهيبة التي وقعت في السويداء، فهو لم يحمِ احداً بل سحب السلاح من الاهالي والذي كان موجوداً بين أيديهم لحماية الجبل فقط، والنظام لم يرسل أي احد ليدافع عن القرى التي تعرضت لهجوم من تنظيم داعش الإرهابي التكفيري، بل انه هو من جلبهم الى منطقة قريبة جدا من السويداء".

وتؤكد أن "ابناء السويداء اليوم هم احفاد سلطان الاطرش، هم اليوم قلب واحد وجسد واحد والمعنويات مرتفعة، والسويداء ستكون مقبرة لكل من يعتدي عليها. ابناء السويداء يحملون القيم المعروفية، قيم المضافة المتمثله بالشجاعه وحماية الارض والكرامة ويتوحدون ويترفعون عن كل اختلاف حين تكون السويداء في خطر".

وتصف ما حصل في السويداء بـ"المؤامرة من اجل اخافة ابناء الجبل وإجبارهم على زجّ ابنائهم في معارك النظام من الذين لم يلتحقوا بالخدمة عبر تلك المجزرة، وبصرف النظر عن الذين يقفون وراء المجزرة ومحركيها الذين يبدو انهم لم يطّلعوا على التاريخ جيدا، فإن المؤامرة سقطت وكل ابناء الجبل اليوم بكل مكوناته الطائفية والسياسية قلب واحد وعقل واحد".