التاريخ: شباط ٣, ٢٠١١
 
حرية..ومعايير مزدوجة

حنين غدّار

الثلاثاء 1 شباط 2011 
 
هذا الأسبوع، كتبت نبيلة، إحدى صديقاتي على الـ"فايسبوك"، رأيها بما يحدث قائلة: هل بتنا على وشك القول "أنا فخور بأني عربي"، أم علينا الانتظار قليلاً ليحين دور المغرب، أو الأردن، وبلد ثالث على الأقل.

 

أعرف نبيلة من الجامعة. كنّا على علاقة طيبة جداً، ولكن مع الوقت، بدأنا نبتعد عن بعضنا. بعد الجامعة، أصبحت صديقتي أكثر تديّناً، فبدأت ترتدي الحجاب وتحوّلت الى داعمة شرسة لـ"حزب الله". ظاهرياً، وكما يعتبر أصدقاؤنا المشتركون، فإنّ "آراءنا المختلفة" حول "حزب الله" وموضوع الدين قد "سمّمت" صداقتنا.

 

رغم ذلك، حافظنا على أدنى مستوى من الاتصال من خلال الـ"فايسبوك". وعندما قرأتُ ما كتبته، لم أتمالك نفسي من التعليق: سوريا هي التالية!

خلصتُ الى هذه النتيجة لأنّني كنت قد قرأتُ في الصحف في ذاك الصباح نفسه أنّ مواطناً سورياً أضرم النار بنفسه في مدينة "الحسكة". لم يعجب تعليقي صديقتي فردّت علي: مجرّد تمنٍ يا حنين. (سوريا) هي البلد الوحيد الذي قال "لا" لإسرائيل ولبلدك الحبيب، أميركا.

 

ما علاقة إسرائيل والولايات المتحدة بما نتحدّث عنه؟ لماذا كل شيء يجب أن يكون متعلّقاً بهما؟ ردّها صدمني، وأربكني، وخيّب أملي. إذ ظننتُ بأنها ستوافق معي بأن نظام الأسد في سوريا شبيه لنظام مبارك في مصر في العديد من النواحي: لجهة النقص في الديمقراطية، وكثرة السجناء السياسيين، والانتخابات غير الديمقراطية التي تُبقي القائد نفسه في الوظيفة نفسها العام تلو الآخر.

مجرّد أمنية؟ فجأة خطر على بالي أنّ صديقتي وكل هؤلاء الذين لا يتمنّون أن ينزل الشعب السوري الى الشوارع، لا يمانعون من قيام نظام ديكتاتوري أو قائم على الحزب الواحد طالما أنّه يقول في العلن "لا لإسرائيل"، وإن كان يجري معها مفاوضات خلف الأبواب المغلقة.

 

ثمّ تذكّرتُ، عام 2009، عندما حصلت الثورة الخضراء في إيران عقب الانتخابات الرئاسية، الأشخاص نفسهم الذين يهلّلون اليوم لمصر، التزموا الصمت يومها. وما عدا بعض كتّاب الرأي من هنا وهناك، وعريضة نُشرت في الصحف، لم يعلّق اللبنانيون.

 

صديقتي نبيلة وكل من يدعمون "حزب الله" مثلها، بمن فيهم العديد ممّن ينتمون الى اليسار اللبناني والذين يقومون الآن يومياً بتنظيم مظاهرات ضد مبارك أمام السفارة المصرية في بيروت، لم يحرّكوا ساكناً لدعم الإيرانيين الذين تظاهروا ضد طاغيتهم بشكل سلمي عام 2009. لماذا؟ لأنّ إيران تكره إسرائيل.

 

الديمقراطية، وحرية التعبير، والحق البسيط بالتظاهر دون التعرّض للاغتصاب أو الشنق هي كلّها حقوق غير ذات أهمية بالنسبة للعديد من اللبنانيين المثقفين الداعمين لـ "حزب الله". ولهذا السبب بالضبط وقفوا خلف "حزب الله" في سعيه لتدمير أعمدة انتفاضة الاستقلال 2005 شيئاً فشيئاً، وابتهجوا سراً بالانقلاب الحديث على قوى 14 آذار عندما قام الوزراء التابعون لـ"حزب الله" بالانسحاب من الحكومة، ما أدّى الى تعيين نجيب ميقاتي رئيسًا مكلفًا، علماً أنّه خيار الحزب لرئاسة الجكومة.

 

الوضع نفسه تجده على "فايسبوك" و"تويتر". فقد حوّل اللبنانيون شبكات التواصل الاجتماعي الى وسيلة سياسية لدعم المصريين في انتفاضتهم. وحده الحزن تملّكني وأنا أفكّر بالشباب الإيراني الذي يشعرون كم أنّهم يفتقرون للدعم والمؤازرة وهم يشاهدون الدعم اللبناني للمتظاهرين في مصر وتونس.

 

النظامان السوري والإيراني لا بدّ أن يكونا سعيدين بهذه المعايير المزدوجة. فوسائل الإعلام التابعة للدولة في إيران دأبت على وصف المظاهرات في البلدان العربية ككفاح ضد الدمى الغربية في المنطقة، كما توحي لها الثورة الإسلامية في إيران.

 

وبالطبع لم يؤتَ على ذكر الحشود ومطالبتها بالإصلاح الاقتصادي، والحرية السياسية وبالديمقراطية، التي تعكس مطالب الثورة الخضراء وانتفاضة الاستقلال اللبنانية.

عقب الانتفاضة التونسية، أصدر "حزب الله" بياناً من خلال مكتب العلاقات الإعلامية لديه، أثنى فيه على الشعب التونسي. وممّا جاء في البيان "يعتقد "حزب الله" أنّه من حق الشعب التونسي أن يختار ممثليه، وأن ينتخب من يراهم مناسبين لحكم بلاده... "حزب الله" يدعو القادة الى التعلّم ممّا حصل في تونس... "حزب الله" يذكّر بالتاريخ عندما قام الشعب الإيراني بنفي الشاه الذي لم يستقبله أي بلد من البلدان التي كان يخدمها".

 

ومع ذلك، عام 2009، ورداً على سؤاله عن موقف "حزب الله" من الأحداث الحاصلة في إيران، قال نائب أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم إنّ الحزب لا يتدخّل في شؤون إيران الداخلية. "لسنا مع أحد. لا علاقة لوضعنا بما يحدث"، قال. في حين أنّ أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله وضع المظاهرات تحت عنوان "مسألة إيرانية داخلية".
إنها المعايير المزدوجة بعينها.

 

غير أنّ مثل هذا الأمر متوقع من "حزب الله"، إلاّ أنّه يبقى من المفاجئ رؤية داعميه المثقفين والناشطين اليساريين غافلين عن ريائه فيما يتعلّق بمسألتي الحرية والعدالة. بل هم على العكس من ذلك، يتبنّون المعايير المزدوجة ذاتها كما لو أنّ التفكير العقلاني خطيئة أو أن انتقاد "حزب الله" أمر غير جائز البتة.

 

التونسيون والمصريون يطالبون بالحرية، والديمقراطية، والإصلاح الاقتصادي. إنّهم يناشدون كل فرد في العالم العربي يؤمن بهذه المبادئ. وليس لـ"حزب الله" وإيران الحق في الاستفادة من وضع هؤلاء لتعزيز موقعهما. بل الحري بهم أن يقلقهم ذلك أكثر.

 

عزيزتي نبيلة، الرجل الذي أحرق نفسه في سوريا صباح السبت الماضي فعل ذلك لسبب معيّن، وهو بالطبع لم يفعل ذلك من أجل الترفيه عن نفسه.