| | التاريخ: حزيران ٢٥, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | بعد معاشرة الميت والبهائم...قانون لتنظيم الفتوى أم لحماية كتب التراث في مصر؟ | القاهرة- ياسر خليل
يبدأ مجلس الشعب المصري، اليوم الأحد، مناقشة مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة، الذي قدمه أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان، النائب عمرو حمروش. وحظي مشروع القانون الذي قدم قبل عامين، وتم تعليقه، باهتمام في الأشهر الأخيرة، تخللته سجالات في شأن تصريحات لأساتذة بجامعة الأزهر أثارت ضجة في المجتمع المصري نهايات العام الماضي، وعلامات استفهام حول كتب التراث الإسلامي.
وفي ظل غياب تعريف واضح للفتوى في مشروع القانون الجديد، وهو ما قد يضع أي شخص يتحدث عن أمور دينية تحت طائلة القانون، وفي ضوء التوقيت اللافت لمناقشة "تنظيم الفتوى" بالبرلمان، تطرح تساؤلات حول الهدف الحقيقي من تسريع صدور القانون الذي تم تقديمه أول الأمر في العام 2016، في فترة شهدت مصر خلالها العديد من العمليات المسلحة والتفجيرات التي نفذتها جماعات متشددة، وراح ضحيتها مئات المدنيين والعسكريين، وساد فيها خطاب ديني مليء بالكراهية والطائفية.
قوائم الفتوى
في نهايات العام 2017 حدثت ضجة كبيرة بعد تصريحات للدكتور صبري عبدالرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، قال خلالها إنه يجوز للرجل ممارسة الجنس مع زوجته بعد وفاتها، كما قالت الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، إن الفقهاء أجازوا للرجال معاشرة البهائم.
وعلى إثر هذه الفتاوى تداول مدونون نصوصا قالوا إنها من كتب تراثية تتحدث عن "مضاجعة بعض أنواع الخضروات والفواكه"، وتزايدت السجالات حول كتب التراث في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة التالية لتلك التصريحات.
وحينها أصدر الأزهر ودار الإفتاء المصرية قوائم بمن يصرح لهم بالتصدي للفتوى في وسائل الإعلام، وتبنى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر مراقبة التزام وسائل الإعلام المحلية بها.
وكان حمروش الذي قدم، قبل شهور، مشروعا مثيرا للجدل حول تجريم الإلحاد، قال في المذكرة الإيضاحية لـ"تنظيم الفتوى" عند تقديمه للبرلمان عام 2016: " بالرجوع إلى ما يحدث في مصر والبلاد العربية والإسلامية، يتبين لنا أن أخطر ما يواجه هذه المجتمعات هو استغلال واستخدام الفتوى لتحقيق أغراض شخصية أو سياسية، وهو الأمر الذي كانت له آثاره الخطيرة على العالمين العربي والإسلامي وفى القلب منهما مصر".
حماية التراث
ويقول المستشار أحمد عبده ماهر، الباحث الإسلامي لـ"النهار": "هناك صعوبة بالغة في تحديد ما يعد فتوى، وما هو بحث علمي. ولا رجل دين، ولا مؤسسة ولا حتى الأزهر ذاته يضع تعريفاً واضحا للفتوى، وهذا الغموض قد يكون مقصودا، كي تتم معاقبة من ترغب المؤسسة الدينية في معاقبته. وعلى سبيل المثال: حين أقول إن رضاعة الكبير ليست من صحيح الدين، هل أكون بذلك قد أصدرت فتوى تخالف ما يقره الأزهر؟".
وأضاف: "وحين أرفض أن ينسب للرسول الذي أرسله الله رحمة للعالمين أنه استقبل قوما يعانون من بعض الأمراض، قال لهم إن شئتم اذهبوا لإبل الصدقة فاشربوا من ألبانها وأبوالها، فشفاهم الله، فقتلوا الراعي، وهربوا بالإبل، فأتي بهم رسول الله وقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم (فقأها بمسمار أو حديدة محماة)، وتركهم في الصحراء دون ماء حتى ماتوا. حين أرفض أن ينسب هذا الفعل للرسول لأنه يخالف ما جاء بالقرآن من وصف له بالرحمة، وخلق كريم، فهل هذه فتوى؟".
"إن ما يفعله الأزهر والمؤسسات الدينية في مصر ينشر الفكر المتطرف، ويدعم حجج (داعش) والتنظيمات المتطرفة، وهذا عكس ما طالب به الرئيس (المصري عبد الفتاح) السيسي، في بداية توليه الحكم، حين دعا إلى ثورة دينية وتنقية الفكر الديني"، يقول ماهر. ويشير إلى أن "القانون رقم 103 لسنة 1961 الذي أنشئ على أثره مجمع البحوث الإسلامية، وجزء من وظيفته حسب القانون هو تنقية التراث الإسلامي، (تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب و آثار التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص)، لكن أين الأبحاث التي أصدرها هذا المجمع من تأسيسه عام 1961؟ ولماذا لم يقم بتنقية التراث من الشوائب طوال هذه الفترة؟ إن من يسمون أنفسهم بالعلماء لا ينتجون شيئا جديدا، هم فقط يرددون ما ذكره الأقدمون في كتبهم".
ويرى الباحث الإسلامي : "أن المناهج التي يدرسها الأزهر، وكتب التراث التي يدافع عنها رجاله، هي التي قادتنا إلى ما حدث في مسجد الروضة في العريش، وهي الحادثة التي قتل فيها الإرهابيون مسلمين يصلون، وساقتنا إلى تفجيرات كاتدرائية العباسية، وكنيسة طنطا، والإسكندرية وغيرهم"، وتساءل: "لماذا يحاكم محمد عبد الله نصر، بتهمة ازدراء الأديان لأنه رفض فتوى إرضاع الكبير، ولا يحاكم رجال الأزهر ممن كفروا المسيحيين، مثل الدكتور سالم عبد الجليل (وصف المسيحيين بالكفار ووصم عقيدتهم بأنها فاسدة)، هذه الفتاوى هي التي تضر المجتمع وتدمره، وليس إعمال العقل، والاعتماد على نصوص القرآن ورفض ما يخالفها من التراث".
التنوع الفكري
وحول ما إذا كان مشروع القانون الجديد قد يسهم في مكافحة الفتاوى التي توفر بيئة خصبة للتطرف والطائفية، وتغذي العنف الديني الذي أودى بحياة المئات من المصريين خلال السنوات الماضية، يقول أحمد بان، الباحث المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي لـ"النهار": "لا اعتقد أن الهدف من مشروع القانون الجديد هو مكافحة الإرهاب والتطرف، لأن الإرهابيين والمتطرفين لديهم مجامعهم الفقهية الخاصة بهم، ولكن ربما المقصود هو عامة المصريين. ومن المهم ألا تقتصر هذه الفتاوى على مذهب فقهي واحد، أو تخاطب جماعة دينية بعينها، لأن من هم خارج هذه الدوائر سوف يبحثون عن مصادر أخرى ليستقوا منها المعارف الدينية".
وأضاف بان: "اعتقد أنه من المهم أن يكون هناك مساحة لاستقلال المؤسسات عن السياسة، لأن المؤسسات الدينية مهما حاولت أن تكون مستقلة عن نظم الحكم، إلا أنها تميل إلى إحداث توازنات معها، ومن ثم تنظر قطاعات من الناس إلى ما تقدمه تلك المؤسسات على أنه مسيس بدرجة ما، ولا يعتمد على حكمة الشارع (المشرع) في إصدار الفتاوى، ووجود باحثين ودعاة مستقلين عن تلك المؤسسات يوفر التنوع، وفي النهاية رجال الدين يقدمون الفتاوى والآراء الدينية، وكل إنسان حر فيما يتبعه، وله الحق في أن اختيار ما يناسب قناعاته الدينية".
ويرى باحثون أن الأزهر يسعى لاحتكار الحديث باسم الإسلام، ويعاقب كل من يخالف أفكاره أو يتعرض لكتب التراث بالنقد. وكانت مناقشة مشروع القانون الجديد أرجئت خلال الأسابيع الماضية، بسبب خلافات بين الأزهر ووزارة الأوقاف، حيث اعترض الأول على ضم "إدارة الفتوى" بالوزارة إلى الجهات التي يحق لها الإفتاء ومنح تصاريح لمن يسمح لهم بإصدار فتاوى، وقام نواب في اللجنة الدينية بمساع للتوفيق بين المؤسستين الدينيتين في خطوة لخروج القانون الذي سيكون الأول من نوعه في مصر. | |
|