التاريخ: حزيران ٢٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: لقاء في باريس وتحرّك داخلي لتذليل العقد
يبدو ان العوامل المؤكدة والثابتة في عملية تأليف الحكومة الجديدة باتت أقل بكثير منها قبل عطلة عيد الفطر، حتى ان الأوساط المشككة في امكان اقلاع موجة الاستشارات والاتصالات المقبلة من أجل انجاز مهمة تأليف الحكومة بسهولة ومرونة كافيتين تذهب الى ضرب مواعيد بعيدة نسبياً لحلحلة العقد والاشتراطات التي تعترض هذه العملية. وإذ يعود الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت في الساعات المقبلة لمعاودة تحركه الذي كان بدأه في اتجاه بلورة التصور الذي وضعه وقدمه الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون متضمناً توزيعاً لحصص الكتل النيابية الأكثر تمثيلاً، تبين من الاتصالات الجارية بين معظم الأفرقاء السياسيين في الأيام الأخيرة ان ثمة دفعاً واضحاً نحو حلحلة العقد التي تعترض عملية تأليف الحكومة وسط انطباعات أن معظم القوى المؤثرة تتوافق على الأقل على ضرورة تجاوز المطبات الخطيرة التي نشأت أخيراً وشكلت محاذير جدية في شأن تأخير ولادة الحكومة. 

وكشفت معلومات لـ"النهار" في هذا السياق ان لقاء جمع في باريس مساء الاثنين رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل تناولا خلاله ملف تأليف الحكومة كما ملفات أثارت الجدل أخيراً، مثل الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية من المفوضية السامية للاجئين والذي برز عبره تباين داخل الحكومة. وأفادت لمعلومات أن الحريري يود تشكيل الحكومة في أسرع وقت وكذلك "تكتل لبنان القوي". وتشير مصادر التكتل الى انه يطالب بأن يكون معيار التأليف حجم كل تكتل نيابي تبعاً لما أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة وهو مع حكومة وحدة وطنية تشمل أوسع تمثيل ممكن، كما يؤكد التكتل ان لا فيتو على أحد وانه في المقابل لن يتنازل من حصته لأي فريق ومن يريد ان يمنح حصصاً لأي طرف فليمنحها من حصته لا من حصة التكتل، وان من يطالب بمطالب غير محقة هو من يعمل على تأخير تأليف الحكومة.

ويبدو ان ثمة رصداً لدى افرقاء 8 آذار للاتجاهات العملية التي سيسلكها الرئيس الحريري حال عودته الى بيروت من منطلق اعتقادهم أن لا عقد خارجية حقيقية بل ان العقد محلية في الغالب خلافاً لما يصرح به بعض السياسيين السائرين في ركب هذه القوى. ولفت في هذا السياق تحرك هادئ يتولاه "حزب الله" سعياً الى تذليل بعض العقد ومنها العقدة الدرزية التي قد تكون إحدى أبرز العقد وأشدها تعقيداً. ورصدت في هذا السياق زيارة قام بها وفد من "حزب الله" للنائب طلال ارسلان تناولت موضوع الحكومة.

وسط هذه الأجواء، وقّع أمس وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل مراسيم تعيين 27 قنصلاً فخرياً وأعادها الى وزارة الخارجية على أن يتلقى المراسيم القديمة لتوقيعها. ووجّه وزير المال كتاباً الى وزير الخارجية رد فيه على رأي هيئة التشريع والاستشارات بعدم ضرورة توقيع وزير المال على مراسيم تعيين قناصل فخريين. وذكر ان الدستور والنصوص القانونية تفرض توقيع وزير المال على أي مرسوم يتضمن إنفاقاً أو جباية أو تسلم أموال لحساب الخزينة والقناصل الفخريون يوقعون ايصالات استلام وجباية وتحويل أموال بما يعني ان توقيع وزير المال هو واجب دستوري وقانوني.

عون في كلية الأركان

على صعيد آخر، زار الرئيس عون صباح أمس كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان في الريحانية، حيث استقبله قائد الجيش العماد جوزف عون في حضور رئيس الأركان اللواء الركن حاتم ملّاك وعدد من كبار ضباط القيادة.

وهذه الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس الجمهوريّة للكلية واطّلع خلالها على سير التعليم العالي واستمع إلى شرحٍ مفصّل عن أوضاع الكلية.

وتحدث الرئيس عون الى ضباط دورة الأركان الذين سيتخرجون قريباً، مرحّباً بالضباط الأجانب الذين يتابعون الدورة، قائلاً "إن المعلومات العسكرية القيّمة وتبادل الخبرات بين الجيوش تُسهم في رفع المستوى الاحترافي، وتُعزّز القدرة على إدارة المعركة والتنسيق بين مختلف الأسلحة، وقد تجلّى ذلك خلال التجربة الفريدة للجيش اللبناني في معركة فجر الجرود، إلى جانب الإنجازات الأمنية على صعيد ملاحقة الخلايا الإرهابية في الداخل".

بعد ذلك، تحدّث قائد الجيش إلى الضبّاط المتخرّجين فشدّد على أهمية الدور الذي يؤديه ضباط الأركان في وحداتهم إذ يساهمون بشكل حاسم في اتخاذ القرار الصحيح، معتبراً أنّ معركة فجر الجرود كانت خير دليل على ذلك.

خطة البقاع

وسط هذه المناخات، جاء في المعلومات المتوافرة عن الوضع الأمني في البقاع الشمالي انه على المستوى اللوجيستي، باتت الدولة بكل أجهزتها وأذرعها المعنية مستنفرة لتنفيذ الخطة الامنية الجديدة في المنطقة لتكون عند مستوى التجربة والتحدي الذي تفرضه هشاشة الوضع الأمني هناك. وكان قائد الجيش صريحاً عندما أبلغ وفداً من نواب المنطقة التقاه أخيراً ان القيادة انجزت كل الاستعدادات اللازمة لانطلاق الخطة، إن على مستوى تجهيز القوة المحترفة والمؤهلة للتنفيذ وهي من خارج المنطقة، أو على مستوى النوعية المميزة لهذه الخطة واعتمادها على العنصر الاستخباري الأمني لتكون مختلفة عما سبقها من خطط لم تنتهِ إلا الى تسكين موضعي وتهدئة عابرة، والى غياب موقت للمطلوبين والعابثين الذين سرعان ما يعودون سيرتهم الأولى بعد حين ليؤدوا الدور التخريبي عينه على مسرح مدينة بعلبك العريقة وجوارها.

وعليه لم يبقَ الا الساعة الصفر للتنفيذ، وهي وفق معظم التقديرات "أقرب من حبل الوريد".

وعلى رغم كل هذه الاجواء والوعود من قيادة الجيش والقائمة على مبدأ ان هذه المرة هي غير كل المرات، فإن ثمة شكوكاً وتساؤلات لا تزال تطرح مباشرة.

"الديموقراطي": السعودية لم تطلب من جنبلاط أي موقف
ولهذه الأسباب زجّ نواب "التيار الحر" الرياض في الاشتباك

وجدي العريضي 
ترى أكثر من مرجعية سياسية في مجالسها الخاصة، أن التصعيد السياسي الراهن ولا سيما بين الحزب التقدمي الاشتراكي و"التيار الوطني الحر"، تخطى في كثير من المفاصل البُعد الداخلي، الأمر الذي تبدّى بوضوح أثناء الانتخابات النيابية وما بعدها، وصولاً إلى المرحلة الحالية حيث لا تزال الحملات على المملكة العربية السعودية مستمرة من "حزب الله"، إلى تصريح اللواء قاسم سليماني ومن ثم الحملات التي طاولت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، معتبرة تغريدته التي تناولت العهد في خانة الإيحاء السعودي أو بعد زيارته إلى المملكة. في حين أن أحد الذين رافقوا سيّد المختارة في هذه الزيارة، يجزم ويحسم لـ"النهار" بأن المسؤولين السعوديين لم يطلبوا لا من قريب ولا من بعيد أي شيء، لا من جنبلاط أو من سواه. كل ما في الأمر أن رئيس الاشتراكي عبّر عن موقفه بصراحة ووضوح والردود جاءت خارج السياق، وعادت بالذاكرة إلى مراحل سوداء من تاريخ هذا البلد، من دون أن ننسى ان ثمة مصالحة حصلت واتفاق الطائف هو الضامن للسلم الأهلي. لذا السؤال هو الآتي: "شو عدا ما بدا" لهذه الحملات، وزجّ السعودية فيها. 

وفي سياق متصل، اشارت مصادر سياسية متابعة لـ"النهار"، الى ان زجّ المملكة في الاشتباك الحاصل بين المختارة وبعبدا، ليس صدفة، إضافة الى ان الذين قاموا بهذا الدور هم من ردّوا على جنبلاط أي وزراء ونواب وقياديي "التيار الوطني الحر"، مما يطرح التساؤلات حول علاقة لبنان بالسعودية، خصوصاً أن المسؤولين السعوديين وعلى الرغم من الغيوم السوداء التي مرّت في سماء هذه العلاقة والحملات التي تعرضت لها الرياض، أصروا على عودة العلاقة بين البلدين إلى سابق عهدها وتطويرها ما ظهر جلياً من خلال دور الموفد الملكي نزار العلولا والقائم بالأعمال السعودي في لبنان الوزير المفوض وليد البخاري. ولفتت إلى وجود خط بياني واضح المعالم في إطار استهداف المملكة، اذ ان "حزب الله" كلف شرعياً القيادي الشيخ نبيل القاووق بالهجوم على السعودية مرة في الأسبوع وربما أكثر، إضافة إلى تصريح سليماني الشهير، ومن ثم اعتبار نواب كتلة لبنان القوي تغريدة رئيس الاشتراكي هي إيحاء سعودي وهذا لا يمت الى الحقيقة بصلة. بل يؤشر هذا الامر إلى تعليمات لبعض الأطراف للتعرّض للرياض، ربطاً بعناوين داخلية وإقليمية، من خلال فرملة تشكيل الحكومة ورمي الطابة في ملعب السعودية، والقصد هنا المايسترو "حزب الله" الذي يدير مسألة التأليف مع معظم القوى السياسية ويحدد الحقائب والأحجام ويتنحّى جانباً تاركاً ذلك لحلفائه. في حين أنه ومن وراء الستارة، يتولى قيادة هذه العملية بامتياز، وبالتالي يقول أحد قيادييه ان السعودية هي التي تعرقل ولا تريد حكومة يكون ممثلاً فيها الحزب.

وتردف المصادر متابعة، إلى أن عناوين أخرى إقليمية لها إنعكاساتها على التأليف والوضع الداخلي بشكل عام، إن من خلال العقوبات السعودية والأميركية على الحزب وإيران، ثم اقتراب الحسم العسكري في ميناء الحديدة في اليمن، وصولاً إلى غارات التحالف على مواقع النظام السوري والحزب وإيران في سوريا، وتطوّر العمليات الميدانية، ووضع خطوط حمراء لأي عمل عسكري قد يستهدف محافظة درعا. من هنا وعلى تلك الخلفية، جاء موقف اللواء قاسم سليماني والحملات على السعودية من "حزب الله" وحلفائه، آخذين من زيارة الزعيم الجنبلاطي للسعودية شمّاعة لاستهداف المملكة والإيحاء بأنها من يعطل تشكيل الحكومة، في وقت يسعى حلفاء طهران والنظام السوري الى حصص وازنة في التشكيلة الحكومية العتيدة ليعززوا دورهم السياسي والخدماتي على وجه الخصوص بعد خفض الموازنات من إيران والحزب للحلفاء. حتى أن جزءاً من هؤلاء قطعت عنهم التقدمات بشكل نهائي، اضافة إلى إقفال بعض المؤسسات التجارية والإعلامية المرتبطة بطهران مباشرة، مما يجعلهم يصرّون على الحقائب الخدماتية التي تعزّز حضورهم أمام جمهورهم ومحازبيهم وأنصارهم. وهذا يحصل للمرة الأولى بالنسبة الى الحزب منذ ما بعد مرحلة الطائف ومشاركتهم في الحكومات المتعاقبة.

وتخلص لافتة إلى أن الحملات على المملكة تؤشر إلى عودة لبنان منصة وساحة كما كان يحصل في مراحل إقليمية مفصلية سابقة منذ حقبة الثمانينات إلى التسعينات، وبالتالي لا يبشّر ذلك بالخير على صعيد علاقة لبنان بالرياض، وأمام تنامي هذه العلاقة في الآونة الأخيرة وترقّب انعقاد مؤتمرات اقتصادية في الرياض وبيروت في فترة قريبة من خلال دعم المملكة للبنان، وهذا ما سبق وأشار له القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري في أكثر من مناسبة وتحديداً عودة السعوديين للاصطياف في لبنان.