| | التاريخ: حزيران ١٩, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | كيف تسرّع التطوّرات الإقليميّة حسم ملفّ درعا؟ | جورج عيسى
منذ يومين، ذكر المرصد السوريّ لحقوق الإنسان أنّ القوّات السوريّة استهدفت صباح الجمعة بلدة الحارة وكفرشمس وتلّ المال إضافة إلى أماكن أخرى في درعا. وأشار إلى استمرار الجيش الحرّ بالاستعداد لأيّ هجوم قد تبدأه قوّات النظام "في أيّة لحظة" ضدّ الفصائل المعارضة. وأدّى هذا القصف إلى سقوط ستّة قتلى وهو الرقم الأكبر منذ إنشاء منطقة خفض التصعيد في تمّوز الماضي.
تكرار أميركيّ للتهديدات
في أواخر أيّار، ألقت مقاتلات سوريّة منشورات فوق مناطق في ريف محافظة #درعا تدعو المقاتلين فيها إلى تسليم أسلحتهم. حينها حذّرت الولايات المتّحدة من أيّ خرق لمنطقة خفض التصعيد قائلة إنّها ستّتخذ "إجراءات حازمة ومناسبة ردّاً على انتهاكات نظام الأسد بوصفها ضامناً لمنطقة عدم التصعيد تلك مع #روسيا و #الأردن". وعاودت الإدارة الأميركيّة يوم الجمعة، إطلاق تحذيراتها ضدّ #دمشق مستخدمة لهجة كادت أن تكون مطابقة لتلك التي استخدمتها سابقاً.
ففي بيان صادر عن وزارة الخارجيّة الأميركيّة، شدّدت و#اشنطن على أنّها "قلقة من تقارير حول عمليات وشيكة للحكومة السوريّة في جنوب غرب سوريا داخل حدود منطقة خفض التصعيد التي تمّ التفاوض عليها بين الولايات المتّحدة والأردن والاتحاد الروسيّ السنة الماضية". وأضاف البيان: "أي عمليّات عسكريّة للحكومة السوريّة ضدّ منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا تخاطر بتوسيع النزاع. نشدّد مجدّداً على أنّ الولايات المتّحدة ستتّخذ إجراءات حاسمة ومناسبة ردّاً على خروقات الحكومة السوريّة في هذه المنطقة".
الوضع الإقليميّ
في هذا الوقت، تداول معارضون صوراً لاستعدادات مقاتلين من الجيش السوريّ الحرّ في تلك المنطقة ومن بينها صورة لصواريخ بالستيّة قالوا إنّها محلّيّة الصنع من طراز "أبو بكر". وعاد الحديث عن درعا من جديد، في وقت شهدت الأردن احتجاجات شعبيّة أدّت إلى تغيير حكوميّ، ممّا يزيد حذر السلطات الأردنيّة من أيّ عمليّة عسكريّة للجيش السوريّ على حدود بلادها الشماليّة. أمرٌ يمكن أن يدفع الأردن إلى الضغط على الجيش الحرّ كي يتفادي مواجهة مباشرة مع الجيش السوريّ حتى يبعد عن الدولة الأردنيّة كأس الاضطرابات الأمنيّة.
لإسرائيل مخاوفها أيضاً من تمدّد المقاتلين الإيرانيّين بالقرب من الجولان، لذلك يسعى بنيامين نتانياهو إلى التفاهم مع الروس حول المستقبل الأمنيّ لتلك المنطقة. وكان المرصد السوريّ لحقوق الإنسان قد أعلن أواخر الشهر الماضي أنّ الإيرانيّين لن يشاركوا في العمليّات العسكريّة المرتقبة جنوب غرب البلاد. في اتصال هاتفيّ بين نتانياهو وبوتين يوم الجمعة، تحدّث الرجلان عن أساليب زيادة التنسيق إزاء العمليّات العسكريّة في سوريا، وخصوصاً في منطقة خفض التصعيد. وقال بيان للكرملين نقلته وكالة "سبوتنيك" إنّ "الوضع في سوريا تمّت مناقشته في إطار الجهود المشتركة لضمان الأمن في منطقة الحدود السوريّة-الإسرائيليّة. أعرب الجانبان عن جاهزيّتهما لتعزيز التنسيق في سوريا، بما فيه مكافحة الإرهاب الدوليّ".
هل يؤدّي تقاطع المصالح الثلاثيّ إلى محاصرة فصائل الجيش الحرّ في جنوب غرب البلاد (درعا والقنيطرة) تمهيداً لإنهاء وجودها؟
احتمالات
في سلسلة تغريدات تعليقاً على التطوّرات، رأى نيكولاس هيراس، الباحث في "مركز الأمن الأميركيّ الجديد"، أنّه من غير المرجّح استخدام الولايات المتّحدة القوّة العسكريّة لضمان تنفيذ اتّفاق خفض التصعيد. وأضاف أنّ هنالك شعوراً متزايداً لدى الثوّار بأنّ الأردن سيقفل الحدود من أجل إبقاء اللاجئين خارج البلاد بما يخلق حصار أمر واقع ويسهّل على قوّات الأسد الفوز في حال قرّر الأخير شنّ الهجوم. وأشار إلى أنّ ذلك سيخلق ضغطاً هائلاً على المعارضة السوريّة جنوب غرب البلاد للقبول باتّفاق المصالحة الذي تعرضه روسيا من دون أن يكون لديها أي نفوذ لعقد اتّفاق أفضل، كما أنّ واشنطن لن تقوم بإعطائهم هذا النفوذ.
بالرغم من ذلك، قد يكون هنالك مجال لحلّ سياسيّ أيضاً. في 26 أيّار، وخلال اتصال هاتفيّ ل "النهار" مع البروفسور في جامعة "برمنغهام" البريطانيّة سكوت لوكاس، رجّح الأخير أن تكون تكون الولايات المتّحدة في فترة محادثات مكثّفة مع الروس للحفاظ على منطقة خفض التصعيد وأن تكون المعابر الحدوديّة محوراً للتوافق السياسيّ بينهما. في هذا السياق، كان لافتاً ما نقلته وكالة "آكي" الإيطاليّة للأنباء منذ ستّة أيّام عن مصادر في المعارضة السوريّة من كلام حول الاقتراب من التوصّل إلى حلّ في هذا المجال. فقد قالت المصادر إنّ الفصائل المقاتلة التي تشكّل قوّات الجبهة الجنوبيّة "لم ولن تقبل أن يُدار المعبر (نصيب) أمنيّاً من قبل قوّات النظام السوريّ والأجهزة الأمنيّة التابعة للنظام، بل سيُدار، وفقاً لاتّفاقيّات أوشكت أن تتبلور نهائيّاً، من قبل موظّفين مدنيّين من الطرفين، أمّا الإدارة الأمنيّة وحماية المعابر وتأمينها عسكريّاً فستكون من قبل قوّات شطريّة تابعة للمعارضة السوريّة وتشرف عليها قوّات أردنيّة وتراقبها قوّات أمريكيّة وروسيّة". وأشارت إلى أنّ "الجبهات ستبقى ثابتة على ما هي عليه".
في نهاية المطاف، إنّ حلّاً عسكريّاً محتملاً لن يكسب موسكو ميدانيّاً من خلال سيطرة الجيش السوريّ على إحدى المحافظات الرمزيّة بالنسبة للثورة السوريّة وحسب، بل الأهمّ من ذلك أنّه قد يعزل نفوذ الولايات المتّحدة في منطقة خفض التصعيد. هذا الأمر يطرح تساؤلاً عمّا إذا كانت واشنطن مستعدّة لسيناريو عزل بهذا المستوى من الوضوح... | |
|