| | التاريخ: حزيران ١٧, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | شباب في درعا أطلقوا شرارة الثورة ومتمسكون بإسقاط النظام | درعا (جنوب سورية) - أ ف ب
بعد مشاركتهما في كتابة «إجاك الدور يا دكتور» على جدران مدرستهما قبل سبع سنوات، ما مهّد لانطلاق شرارة احتجاجات سلمية تحولت لاحقاً نزاعاً مدمراً، يستعد معاوية وسامر صياصنة اليوم لحمل السلاح دفاعاً عن مدينتهما درعا من هجوم وشيك لقوات النظام.
في ربيع العام 2011، لم يكن معاوية قد أتم الخامسة عشرة من عمره. لكن حماسته ورفاقه أخرجتهم من قاعات المدرسة إلى الشارع متأثرين آنذاك بتظاهرات «الربيع العربي»، لتقليد شبان رأوهم على التلفاز يكتبون شعارات معارضة لحكوماتهم ويطالبون بإسقاط رؤساء بقوا في مناصبهم عقوداً.
ويستعيد معاوية (23 عاماً) تلك اللحظات قائلاً: «كنا نتابع التظاهرات في مصر وتونس، ونراهم يكتبون على الجدران». وأضاف: «كان عمري 15 عاماً فقط، أحضرت وأصدقائي عبوة البخاخ وكتبنا عبارات: حرية ويسقط النظام إضافة الى إجاك الدور يا دكتور»، في إشارة إلى رئيس النظام بشار الأسد، طبيب العيون.
وبعد يومين من كتابة الطلاب الشعارات على جدران مدرستهم، داهمت القوات الأمنية منازلهم وجرى اعتقالهم لأكثر من شهر «تحت التعذيب لمعرفة من حرضنا على الكتابة»، وفق ما قال معاوية.
أشعل اعتقال الأطفال موجة غضب في درعا التي يتكون نسيجها الاجتماعي من عشائر، وخرجت تظاهرات حاشدة مطالبة بالإفراج عنهم. ورأى كثيرون حينها في تلك الشعارات وما لحقها من تظاهرات، شرارة أطلقت حركة الاحتجاجات السلمية بدءاً من درعا لتتوسع وتمتد لاحقاً الى غالبية المناطق السورية.
يدخل معاوية اليوم إلى مبنى مدرسته المهجور، بعدما أزيلت كل الشعارات وطليت باللون الأسود. وقال: «أفتخر بما قمنا به آنذاك، لكني لم أتوقع أننا سنصل إلى هنا، أن يدمرنا النظام بهذا الشكل، كنا نتوقع أن نطيحه».
وروى سامر، وعمره اليوم 23 عاماً: «بقينا في السجن شهراً وعشرة أيام تقريباً، وحين خرجنا رأينا التظاهرات في درعا وكل سورية». وأوضح: «في البداية، كنت أفتخر بأننا سبب الثورة على الظلم، لكن بعد سنوات وما يحصل من قتل وتهجير وتشريد أشعر أحياناً بالذنب». وزاد: «هؤلاء الناس الذين ماتوا وهُجروا والدمار الكبير، كل ذلك حصل بسببنا».
واجهت القوات الأمنية الاحتجاجات السلمية التي استمرت أشهراً عدة، بحملة اعتقالات شملت أطفالاً، بينهم حمزة الخطيب وكان في الـ13 من عمره حين جرى اعتقاله قبل أن يتبين مقتله تحت التعذيب، ليتحول إلى أول رموز حركة الاحتجاج ضد النظام.
ومع تحول هذه التحركات السلمية إثر قمعها بالقوة تدريجياً الى نزاع مسلح، قرر معاوية وسامر أن يحملا السلاح في العام 2013 عبر الانتماء إلى فصيلين معارضين. وعلى رغم النكسات المتتالية التي منيت بها الفصائل المسلحة خصوصاً في العامين الأخيرين، تمسكا بإصرارهما على القتال «حتى إسقاط النظام».
ويشكل الجنوب السوري الذي يضم في شكل رئيس محافظتي درعا والقنيطرة الحدودية مع إسرائيل، الوجهة المقبلة لقوات النظام التي تستقدم منذ أسابيع تعزيزات عسكرية الى المنطقة. وقال الأسد في مقابلة تلفزيونية الأربعاء: «نعطي المجال للعملية السياسية، إن لم تنجح فلا خيار سوى التحرير بالقوة». في المقابل، تؤكد الفصائل المسلحة الناشطة في المنطقة رفضها أي تسوية مع النظام. وقال سامر: «أفضّل الموت على مصالحة بشار الأسد». بدوره، رفض معاوية الفكرة تماماً، وقال: «يستحيل بعد سنوات من الثورة، قُتل خلالها نساؤنا وأطفالنا، أن نصالح النظام، ولو على جثثنا».
ولا يخشى الشاب ذو البشرة السمراء «تهديد النظام بدخول الى درعا». وأضاف: «لم نخف منه يوماً... وكما يملك نظام الأسد السلاح، نحن أيضاً لدينا السلاح. الفرق الوحيد أنه يملك الطائرات ونحن معنا رب العالمين».
حين يحين موعد مناوبته، يرتدي معاوية بنطالاً رمادياً مرقطاً مع قميص قطني أسود، يحمل رشاش كلاشنيكوف ويحتمي مع زملائه المقاتلين خلف متراس على أحد خطوط التماس في درعا. ويتنقل لاحقاً في بناء مدمر وهو ينتعل خفاً، يصوب بندقيته إلى الطرف الآخر راصداً تحركاته.
خلال السنوات الأخيرة، فقد معاوية وسامر العديد من أصدقائهم ممن كانوا معهم على مقاعد الدراسة وتشاركوا الحماسة ذاتها، وكتبوا على الجدران حالمين بتغيير لم يتحقق. قال سامر: «كنا مجموعة من الفتيان، أما اليوم فهناك من قتل، ومن سافر ومن لا يزال يقاتل».
أما معاوية، الذي لا يخرج من البيت إلا وقد صفف شعره، فقال: «نشأنا على الثورة، والسلاح والمعارك»، مضيفاً: «بتنا نفقد أصدقاءنا وندفنهم بأيدينا، نشأنا على الحرب والدمار». وعلى رغم النكسات المتتالية التي منيت بها الفصائل المعارضة وخساراته الشخصية، أضاف معاوية: «لم تتغير وجهة نظري... والثورة لا تزال مستمرة». وزاد: «حين أتزوج وأرزق بولد، سأروي له ما حصل معي وسأعلمه ألا يخاف من أحد وأن يكتب على الجدران أينما رأى ظالماً». | |
|